لبنان … معركة الانتخابات والرّئاسة تفضح العهد وتحشر “حزب الله”

ابراهيم حيدر

ثمة حراك عربي ودولي تجاه لبنان، يرتبط بالاستحقاقات اللبنانية المقبلة، خصوصاً الانتخابات النيابية والرئاسية، وأيضاً يتعلق بملف “حزب الله” وامتداداته الإقليمية. يأتي ذلك بينما يتواصل الانهيار في البنية اللبنانية، ويشتد الصراع بين أطراف السلطة والقوى الطائفية، ويتوقف عمل المؤسسات بتعطيل اجتماعات الحكومة. تظهر صورة الاهتمام الدولي بالوضع اللبناني أيضاً من ارتباطه بتطورات المنطقة، ويتضح حراكها بالزيارة المقررة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لبيروت، فيما يواصل الفرنسيون ضغطهم عبر رسائل تحذير لأهل السلطة، بهدف الاتفاق على حل يضمن عودة الحكومة والشروع في الإصلاحات، خصوصاً بعد البيان السعودي – الفرنسي حول لبنان، والذي طالب بحصر السلاح في يد الدولة.

ويُنظر أيضاً إلى البيان الختامي لقمّة مجلس التعاون الخليجي، على أنه عودة خليجية، وتحديداً سعودية، للاهتمام بالشأن اللبناني من زوايا متعددة، إذ ظهر الموقف واضحاً لاستعادة الحضور والتأثير، بعد سنوات من الابتعاد أو أقله عدم الاكتراث لما يجري على الساحة اللبنانية، انطلاقاً من اعتبار أن البلد كله صار تحت سيطرة “حزب الله”. لكن الأمور باتت مختلفة خليجياً، فالمواقف تشير إلى أن الوجهة السعودية اليوم ستتخذ طابعاً مختلفاً بعد الانسحاب السابق الذي ترك الأمور على ما هي عليه، أي التسليم لما تعتبره هيمنة “حزب الله” وإيران على الدولة والتحكم بمساراتها، وتحويلها مرتكزاً للتدخل في المنطقة كلها.

ذلك لا يعني أن السعودية ستفتح على التدخل مباشرة بالوضع اللبناني، أو من خلال دعم فرقاء في الانتخابات النيابية، لكن عودة الاهتمام يعكس توجهاً جديداً في السياسة، ستتظهر تفاصيله وخطواته في المرحلة المقبلة كلما اقتربت مواعيد الاستحقاقات اللبنانية الكبرى. واللافت كان ما ورد في بيان مجلس التعاون بتحديد الدعم للجيش اللبناني، ومطالبة لبنان باتخاذ الإجراءات الكفيلة بالإصلاحات الشاملة ومكافحة الفساد، وبسط سيطرة الدولة وسيادتها على كل مؤسساتها، ومنع “حزب الله” من ممارسة نشاطاته واحتضان الإرهاب ودعم منظماته وميليشياته المزعزعة للأمن والاستقرار في الدول العربية، تنفيذاً لأجندات دول إقليمية.

يدخل الاهتمام الدولي المتجدد على وقع صراعات حادة ومشتعلة في الداخل اللبناني، ويتوقع أن تعنف أكثر في المرحلة المقبلة، أي مع اقتراب مواعيد الملفات التي يفترض أن يشكل إنجازها نقلة في الوضع اللبناني وتكريس توازنات جديدة. لذا يتفاقم الصراع لتثبيت وقائع لا يمكن القفز عنها عندما يحين وقت الحل اللبناني بقرار خارجي، وهو أمر بات محسوماً، إذ إن الانتخابات النيابية باتت مطلباً خارجياً بقوة ويُمنع إطاحتها، كما أن الانتخابات الرئاسية يقررها الخارج وفق توافقات معينة، كما حدث مع وصول ميشال عون الى الرئاسة في 2016 بعد الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني، وبعد تعطيل استمر لسنتين، عاش البلد فيه فراغاً بطرح اسم وحيد هو ميشال عون نفسه، وتبنّاه حليفه “حزب الله”، إلى أن استسلمت كل القوى الأخرى لهذا الخيار.

الظروف تغيّرت عن 2016، ولبنان اليوم في وضع يسابق الانفجار والانهيارات المتتالية التي تطيح ما تبقى من أسس الدولة. التركيز هنا ينصبّ على دور “حزب الله” في المرحلة المقبلة، خصوصاً بالتوازي مع ما سينتج من مفاوضات فيينا النووية والحراك الدولي المتصل بها، والنقاشات الجارية بين أكثر من طرف حول وضع المنطقة. ولا يبدو “الحزب” اليوم في وارد تقديم تنازلات داخلية في لبنان، إذ هو مصر على إنهاء دور المحقق العدلي في تفجير المرفأ، كما يستمر بتعطيل الحكومة، وهو يستنفر كل قواه بالتماهي مع التوجهات الإيرانية، أمام أي تطور أو مواجهة عسكرية مع إسرائيل، إذا تعرضت المنشآت النووية الإيرانية لضربات إسرائيلية، أو حتى التصعيد في دول المنطقة ضد الأميركيين إذا وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود.

ولعل المعارك الداخلية المفتوحة على كل الاحتمالات، يبقى انفجارها رهن انسداد الأفق الإقليمي، وقبل الوصول إلى هذه المرحلة، ومع اشتداد الصراع الطائفي والسياسي بين القوى اللبنانية، يضغط المجتمع الدولي لتمرير الاستحقاقات، على الرغم من أن قوى الداخل اللبناني تشتبك عليها كلها، في غياب الحكومة، حيث يمشي رئيسها نجيب ميقاتي بين السطور، ولا يجرؤ على الدعوة لعقد جلسة لمجلس الوزراء خوفاً من تفجير الحكومة، لكنه يستفيد في علاقاته الخارجية من دون أن يتمكن من تشكيل مرجعية حاسمة في البيئة السنية.

وبما أن الوقت لم يعد متاحاً أمام حكومة ميقاتي لإنجاز شيء، على الرغم من استمرار مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي، فإن معركة الانتخابات النيابية بدت حاضرة، وكذلك المعركة على تأجيلها محاكاة لاستحقاق الرئاسة، وهذه الأخيرة هي المعركة الأم التي يخوضها رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يتمسك بموقعه وصلاحياته التي انتزعها بفعل الأمر الواقع، وبأي ورقة يمكنه استخدامهما لمواجهة خصومه، والذي لا يقبل أن يفرّط بموقعه وصولاً إلى انتزاع أو حسم إيصال رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى موقع الرئاسة.

ستختلط الأمور خلال الأشهر المقبلة في الداخل اللبناني، نتيجة الصراعات القائمة على القرار والسلطة، فيما “حزب الله” سيكون في موقع حرج في موازنته بين تحالفه وميشال عون، وبين حليفه في الثنائي الشيعي رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث تدور مواجهة بين الرئيسين على مختلف الملفات، وبينها الانتخابات والرئاسة والصلاحيات. ومع أن الانتخابات الرئاسية لن تُحسم إلا دولياً، وبالتماهي مع التطورات التي ستحدد موازين القوى، يبدو عون مصراً على البقاء في القصر الجمهوري إذا حدث الفراغ وجرى تعطيل الانتخابات النيابية، وهو أمر قد يفتح على تصعيد أمني كبير ويأخذ لبنان إلى ما هو أسوأ، خصوصاً الفوضى، فيما يبقى “حزب الله” الطرف القادر حالياً على تخطي الأزمة بفعل هيمنته وإمساكه بأوراق عدة، فضلاً عن الدعم المفتوح من مرجعيته الإيرانية…

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى