ليس وهمًا

د معتز محمد زين

كشفت العديد من وسائل الإعلام – بما في ذلك الفرنسية –  منذ فترة عن تشكيل وحدة سرية برعاية وزارة الداخلية الفرنسية هدفها الأساسي ترصد المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي من ذوي التوجه الإسلامي ومحاصرتهم والتضييق عليهم – في بلد الحريات الانتقائية – وربما ملاحقتهم قضائيًا من أجل منع نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة في المجتمع الفرنسي ومنع التركيز على  الظلم والتمييز الذي يتعرض له المسلمون سواء في فرنسا أو في مناطق كثيرة من العالم ( والذريعة الحاضرة دائما مكافحة الإرهاب). والحقيقة أن هناك العديد من الأخبار والتسريبات التي كشفت سابقًا محاولة العديد من الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا وبمساعدة أدوات إقليمية نافذة على وضع خطط استراتيجية لخنق الإسلام السياسي وشيطنته ومن ثم العمل على تمييع الثقافة الإسلامية وتشويه صورة الهوية الإسلامية ( والتسريب الأخير حول دعم شركة فرنسية لداعش يصب في ذات الهدف). وقد ساعد جو الحرية الطارئ الذي رافق موجة الربيع العربي على كشف العديد من أسرار الأنظمة العربية كما فعلت وثائق ويكيليكس بالنسبة للأنظمة العالمية، ففي مصر مثلًا بعد سقوط مبارك مباشرة تم كشف العديد من تلك الممارسات، من ضمنها ما صرح به اللواء إبراهيم عبد الغفار المسؤول عن سجن العقرب والذي أقسم بالله في مقابلة تلفزيونية أن جميع القضايا التي تم على أساسها اعتقال ومحاكمة الاخوان المسلمين في مصر كانت ملفقة. أما في الهند فالمسألة لا تحتاج إلى تسريبات، ذلك أن أعضاء حزب بهاراتيا اليميني الهندوسي المتطرف الحاكم لا يخفون تصريحاتهم ولا ممارساتهم العنصرية تجاه المواطنين المسلمين الهنود. وكذلك الحال بالنسبة للعديد من الدول الأخرى التي يعتبر فيها المسلمون أقلية ( كالفيليبين وميانمار والصين) .

لم نكن نتوهم عندما تكلمنا عن وجود مؤامرة كبيرة متعددة الأطراف تستهدف الهوية الإسلامية .

لم نكن نتوهم عندما تحدثنا عن وجود رابط بين الاستهداف المتكرر لمجموعات كبيرة من المسلمين في مناطق كثيرة من العالم( روسيا. الصين. الفيلبين. الهند. ميانمار. فرنسا).

لم نكن نتوهم عندما قلنا إن بعض القيادات العربية هي مجرد حكومات وظيفية مأجورة تعمل لدى أسيادها على طمس الهوية الإسلامية وزرع اليأس في نفوس شعوبها من إمكانية اختيار القيادات التي تمثل الشعب وتتمثل ثقافته وتحافظ على شخصيته الحضارية .

لم نكن نتوهم عندما توقعنا أن ملاحقة الإسلام السياسي واعتقال الشخصيات الإسلامية الوازنة ووأد ثورات الربيع العربي كان بتنسيق هادف من أجل فرض واقع إقليمي جديد يستبعد فيه الإسلام من المشهد السياسي ثم الاجتماعي والثقافي ثم من الوجدان الشعبي .

لم نكن نتوهم عندما قلنا إن شيطنة الحركات الإسلامية وتجريمها واعتبارها إرهابية لم يكن مستندًا إلى أسس قانونية أو منطقية، وإنما كانت جزءً من عمل مؤسساتي مبرمج له أهداف كبيرة بعيدة المدى تسعى نحو قص أجنحة الفكر الإسلامي وجعله عاجزًا عن التحليق وربما لاحقًا عن الحركة، خاصة أن تجربة الحكم الإسلامي في تركيا نجحت بشكل مذهل ومرشحة لتقديم نموذج لكل حركات الإسلام السياسي.

لم نكن نتوهم عندما توقعنا وجود تنسيق غير معلن وتقاطع مصالح بين الغرب وإيران يهدف إلى تحجيم وتهجير وتهميش المكون السني في المنطقة والذي يشكل مادة الإسلام الحضاري .

لم نكن نتوهم عندما قلنا أن الحروب الصليبية ما زالت مستمرة حتى اللحظة ولكن بثوب وقناع جديدين.

هناك موجة عالمية من الاسلاموفوبيا بدأتها قوى كبرى في العالم وعملت وفق استراتيجية مقصودة على عولمتها بحيث تأثرت بها معظم الأحزاب المتطرفة في العالم والكثير من قيادات منطقتنا. لا أدعي أن هناك تنسيق بين جميع الأطراف التي تضطهد المسلمين ولكن قطعًا هناك تنسيق بين العديد منها والبقية تتأثر بالموجة وتتخذها ذريعة لتبني تدابير تنسجم مع تطرفها وأحقادها التاريخية.

علينا أن نعترف أن بعضًا من أسباب هذه الموجة هو قوة البنية الفكرية للإسلام وقدرته الهائلة على الانتشار والتمدد في المجتمعات الغربية وغير المسلمة لما له من مرونة وحيوية وشمولية، ولخصائصه التي تجعل منه نموذجًا فريدًا يحقق التوازن بين الاحتياجات الروحية والاحتياجات المادية للفرد والمجتمع. بين المصالح والمبادئ. ربما من أجل ذلك تخشاه فرنسا، ويخشاه الغرب، ويخشاه الطغاة الذين يحكمون بالحديد والنار والترهيب والتعذيب والعمالة للخارج.

ينسجم الإسلام مع فطرة البشر، ويحقق قدر هائل من التوازن الداخلي للمؤمنين به، ويعطي إجابات منطقية على الأسئلة الكبرى التي تؤرق معظم الناس، ويقدم نظام حياة أساسه العدل والمساواة بين البشر على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم، لذلك يمتلك الإسلام القدرة – لو عرض بتجرد وذكاء وإخلاص- على التسلل إلى القلوب وتحرير النفوس واستنهاض الطاقات. ومن أجل ذلك يخشاه الغرب كما الطغاة. وهذا يفسر التحالف غير المعلن بين الحكام المستبدين في المنطقة والحكام العَلمانيين في الغرب فمصالح كلا الطرفين يلتقيان عند الهدف ذاته. ليس وهمًا أن هناك مؤامرة كبيرة تستهدف هويتنا. الوهم كل الوهم أن يعتقد أحد أن هذه المؤامرة ستنجح.

المصدر: اشراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى