الصين تهدف إلى طرد فرنسا من منطقة “الهندي- الهادي” مستغلة استفتاء تقرير المصير في كاليدونيا الجديدة

حسين مجدوبي

يوجد الصراع على المستعمرة الفرنسية كاليدونيا الجديدة وراء التطورات التي تسجلها منطقة المحيطين الهندي- الهادي، وستشهد استفتاء على تقرير المصير خلال الشهر المقبل. وهناك تخوف من سقوطها مستقبلا تحت هيمنة الصين، وتسعى الولايات المتحدة إلى الحيلولة دون وقوع هذا السيناريو وهو ما يفسر الاتفاق الثلاثي البحري “أوكوس” الذي جرى إعلانه يوم 15 سبتمبر الماضي.

وتقع كاليدونيا الجديدة في المحيط الهادي شرقي أستراليا، وتخضع للنفوذ الاستعماري الفرنسي. واتفقت باريس مع الحركات الوطنية المطالبة بالاستقلال حول إجراء سلسلة من استفتاءات تقرير المصير  للبث النهائي في الوضع القانوني لهذه المنطقة التي تعتبرها الأمم المتحدة ضمن الأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي. وصادقت الحكومة الفرنسية على إجراء استفتاء تقرير المصير الثالث يوم 12 ديسمبر المقبل، وتطالب الحركة الوطنية بتأجيله إلى السنة المقبلة بسبب الأوضاع المترتبة عن جائحة كورونا، لكن باريس تصر على إجرائه. وجرى استفتاء تقرير المصير الأول سنة 2018 وفاز الموالون لفرنسا بنسبة 56%، وتراجعت النسبة في استفتاء 2020 إلى 53%، وهناك تخوف حقيقي من فوز خيار الاستقلال عن فرنسا الشهر المقبل.

الصين نحو إزاحة فرنسا

وتحاول فرنسا الحفاظ على كاليدونيا الجديدة لأسباب متعددة منها القرب من منطقة الهندي- الهادي التي ستصبح مركز التجارة العالمية مستقبلا، وبدأت تكتسب ذلك الآن. ثم الموارد الطبيعية الضخمة التي تتمتع بها، فمن جهة، تتوفر على احتياطات كبيرة من معادن كوبالت ونيكل الضرورية للصناعات الجديدة، ثم منطقة الاستغلال البحري الخاص بها وتصل إلى مليون ونصف مليون كلم مربع، أي المنطقة الاقتصادية الخالصة، وتشكل 13% من مجموع المنطقة الخالصة الاقتصادية التي تتوفر عليها فرنسا وتصل إلى 11 مليون ونصف مليون، وهي الأكبر في العالم وتتجاوز دول مثل الولايات المتحدة وروسيا بفضل الجزر التي تحتلها في عدد من مناطق العالم.

وصدر مؤخرا تقرير مقلق عن معهد الأبحاث الاستراتيجية للكلية العسكرية “إرسيم” في فرنسا، بعنوان “عمليات التأثير الصيني- لحظة ميكيافيلية”، يعالج التأثير الصيني في العالم ويركز على الكيفية التي اقتربت منها بكين من دعاة الاستقلال في كاليدونيا الجديدة والدعم الذي تقدمه لهم ثم الاستثمارات والتبادل التجاري مع هذه الجزر. ويؤكد التقرير كيف تعمل بكين على تقوية العلاقات مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين المحليين، من الساكنة الأصلية في كاليدونيا تحسبا لاستقلالها وبالتالي ستسقط تحت نفوذها.

وتراهن الصين على جعل كاليدونيا تدور في فلكها لتحقيق هدفين رئيسيين، وهما: أولا، استغلال الثروات الطبيعية الهائلة من صيد بحري ومعدن النيكل، ثم الاقتراب من أستراليا ومحاصرتها تدريجيا وعزلها عن الولايات المتحدة. وحققت الصين تقدما في هذه المنطقة بعدما أدمجت جزر رئيسية مثل غينيا بابوا وجزر السلمون وفانواتو بمستويات مختلفة في طريق الحرير.

وكتبت جريدة “لا تريبيون” يوم 21 سبتمبر معلقة على هذه التطورات أنه “في العمق استفتاء تقرير المصير سيكون بين بقاء كاليدونيا ضمن نفوذ فرنسا أو ستصبح تحت نفوذ الصين”.

اتفاق أوكاس لنجدة أستراليا

وفي ظل التطورات الجارية، تدرك فرنسا أن بقاءها ضمن القوى الكبرى يتطلب تعزيز وجودها في منطقة “الهندي- الهادي”، وحاولت إقناع الاتحاد الأوروبي بتعزيز تواجده في المنطقة لكنها فشلت لأن الدول الأوروبية لا تمتلك مناطق متبقية عن المستعمرات مثل حالة فرنسا. بينما الدولة الوحيدة التي لديها جزر متبقية عن إمبراطوريتها وهي بريطانيا انسحبت من الاتحاد الأوروبي وتتوفر على سياسة مستقلة خاصة بها أو تنسق مع الولايات المتحدة.

وتعرضت فرنسا لنكسة حقيقية عندما أعلنت بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة عن الحلف البحري العسكري “أوكوس”، حيث وقع جدل حول قرار أستراليا التخلي عن شراء غواصات فرنسية، بينما الدافع الحقيقي وراء كل ذلك هو اتفاق الدول الثلاث لمواجهة النفوذ الصيني الرامي إلى عزل أستراليا. وجرى التخلي عن فرنسا وعدم ضمها إلى الحلف العسكري رغم تواجدها في كاليدونيا الجديدة بسبب سياسة باريس المترددة التي لم تحسم بعد في قرار مواجهة الصين من عدمه، بينما حسمت واشنطن ولندن القرار بضرورة محاصرة نفوذ الصين، وتم الإعلان عن ذلك رسميا يوم 15 سبتمبر الماضي.

وكانت فرنسا تراهن كثيرا على التحالف مع أستراليا من أجل حماية كاليدونيا الجديدة وجعل التحالف مع هذا البلد ركيزة أساسية لتعزيز تواجدها في منطقة “الهادي- الهندي”.

المصدر:  “القدس العربي”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى