مــســتــضــعــفــــــون!

د. عبد الناصر سكرية

حينما تداهم القوى الأمنية الرسمية منزل أحد النواب السابقين وتصادر منه أسلحة فهذا إجراء طبيعي وقانوني في بلد يحكمه القانون وتضبطه مؤسسات الدولة المفترض أن تكون مسؤولة عن مواطنيها وامنهم ومعيشتهم أيضا…أما أن يتم مثل هذا الأمر في لبنان الراهن بكل ما فيه وما يعيشه من فلتان ومصائب وغياب للدولة لا بل في ظل تواطؤ السلطات الرسمية على أمن المواطنين وعلى معيشتهم أيضا ، فإنه يحمل دلالات أخرى لا علاقة لها بفرض الأمن أو الحرص على سلامة المواطنين..

ففي بلد يغص بالميليشيات المسلحة وبالعصابات الفالتة وبالمسلحين وانواع كثيرة من الاسلحة من اليدوية الفردية الى الرشاشات والقذائف والصواريخ والطائرات المسيرة وربما المدفعية ؛ يصبح إمتلاك مواطن لبناني سلاحا في بيته أمرا إعتياديا في غاية البساطة ..

وفي حين أن تلك الميليشيات استخدمت وتستخدم سلاحها للتهديد والوعيد وترهيب المواطنين وفي تعديات واغتيالات سياسية وغير سياسية ؛ فإن أي مواطن يملك سلاحا في بيته ولا يستخدمه في التعديات وإيذاء الآخرين ؛ لا يشكل تهديدا مباشرا للأمن ..

وعلى الرغم من أن معارك حربية حصلت بين عائلات وعشائر ومجموعات واستخدمت فيها أسلحة متوسطة وقذائف آر بي جي وأدت إلى سقوط ضحايا ودمار ؛ إلا أن أية مداهمات لم تقم بها القوى الأمنية لمصادرة أسلحتها المكومة في البيوت..

وإذا إستعرضنا الجرائم والاغتيالات والاشتباكات التي حصلت في السنوات الأخيرة ولم تتدخل فيها القوى الأمنية أو ان تدخلها كان بمثابة فصل قوات بين المتحاربين لا أكثر فيما كل جرائم الإغتيال لم تكشف أية واحدة منها ولم يعرف اللبنانيون من إرتكبها ولماذا مع أنها كانت من الوضوح بما يكاد يقول ويسمي القاتلين نظرا لارتباطها بقضايا مصيرية أو أمنية هامة جدا..كما هو حال جريمة إغتيال الضابط الجمركي العامل في مرفأ بيروت العقيد جوزف السكاف ومؤخرا جريمة إغتيال المصور جو بجاني الذي وثقت كاميرات المراقبة عملية اغتياله في وضح النهار ومع ذلك لم يكشف شيء عن الجريمة..وأخيرا التعدي على المحامي جهاد عبدالباقي ووفاته قبل أيام..هؤلاء جميعا كانوا على صلة بالمرفأ وتفجير المرفأ وما فيه من نيترات متفجرة كانت تذهب سيرا على الأقدام لصالح البراميل المتفجرة التي دكت ألاف البيوت السورية فدمرتها وقتلت أهلها او هجرتهم..

أليس تفجير مرفأ بيروت الوطني والتسبب بسقوط مئات الضحايا ألأبرياء ؛ عدوانا مباشرا على الأمن الوطني اللبناني؟

أليس – أصلا وأساسا – تخزين مواد شديدة الإنفجار في المرفأ لعدة سنوات ؛ يشكل تهديدا صارخا للأمن العام وأمن الدولة والسيادة الوطنية

كل ذلك ولم يكن تدخل القوى الأمنية فاعلا إلى الحد الذي يكشف أية حقيقة للبنانيين..أو يرد عدوانا عنهم…

قبل أسابيع أقام أحد الأحزاب اللبنانية مسيرة عسكرية إستعراضية مسلحة في شارع الحمراء في العاصمة بيروت…وكأن شيئا لم يكن…بل ربما حصلت بحماية قوى أمنية..

في كل بلدة لبنانية يوجد ميليشيات مسلحة تنتمي إلى أحد الأحزاب الكبيرة المشاركة في الحكومة وفي السلطة الرسمية بكل مؤسساتها وليس سلاحها مخفيا..ومع ذلك لم تتدخل اية قوة أمنية للمحاسبة او حتى المساءلة..

مفارقات عجيبة تحدث في لبنان البلد الصغير المنكمش المتضائل حد الإختفاء دونما تدخل من القوى الامنية..

مطلوبون للعدالة بجرائم عديدة متنوعة طليقون احرار فيما موقوفون دون تهمة او محاكمة خلف القضبان …

مسلحون يتوعدون ويهددون بسلاحهم وهم آمنون في كنف السلطة وحمايتها فيما أسلحة مخفية في المنازل تصادر وتلاحق..

ثم كانت أحداث الطيونة وعين الرمانة الأخيرة لتبين أن البلد برمته مرهون بسلاح ميليشيات من هنا وأخرى من هناك…ما يجعل مصير السلم المجتمعي الأهلي رهن قرارات حزبية ميليشيوية تحت شعارات مختلفة..الأهم فيها أنها تهدد امن اللبنانيين بعد أن أنهكت حياتهم ممارسات السلطة المأجورة الفاسدة..

فما هو موقع ودور القوى الأمنية الرسمية؟

أليست هي المسؤولة عن أمن البلاد والعباد؟

ليس في البلاد اي نوع من الضبط الامني مما يدفع للتساؤل ما هي أحتمالات المستقبل؟ وهل قابلية تفجير حرب داخلية باتت في متناول من يريد من المسلحين..

هل الثنائية الميليشيوية تضمن أمن البلاد وناسها أم أنها تحقق نوعا من توازن الرعب الذي يزيد المخاوف حول مستقبل البلاد فيدفع مزيدا من الشباب للمغادرة والهجرة؟

أليست تشكل تبريرا متبادلا لدور بديل عن الدولة وعن مؤسساتها الرسمية؟

اليس فيها شيء من التلاعب الذي يحمل تناغما يكمل أحد أضلاعه الضلع الآخر؟

أليست حماية مياه لبنان الإقليمية وما فيها من ثروات طبيعية ، من مسؤولية القوى الامنية ؟

أليس إغتصاب دولة العدو الصهيوني لها ؛ عدوانا مباشرا على لبنان والرد عليه من مسؤولية القوى الأمنية ؟؟

هل أن متظاهرين سلميين شكلوا تهديدا للأمن الوطني اللبناني إستدعى تدخلا مباشرا من القوى الأمنية الرسمية لزجرهم ومنعهم من التعبير عن غضبهم ضد سلطة الفساد والمحاصصة المشبوهة ؛ فيما الإستعراضات العسكرية المسلحة لا تمثل أي تهديد يستدعي التدخل؟

أليست جريمة المصارف بإبتلاع مدخرات المواطنين بمثابة عدوان مباشر على كل مواطن وعلى الامن الوطني الإجتماعي للبنانيين جميعا يستدعي ردعا مباشرا من قبل المسؤولين عن الأمن الوطني العام وتدخلا صارما من قبلهم لحفظ حقوق المواطنين؟ ..

أليس تدخل ميليشيا لبنانية في حروب عسكرية في بلدان عربية خارج لبنان؛ بمثابة تجاوز للمؤسسة العسكرية إن لم يكن إلغاء لها؟

وطالما أن كل هذا التدخل الإيجابي المطلوب لم يحصل فيما تدخلت القوى الأمنية في أمور تفصيلية هامشية وإبتعدت عن الأمور المصيرية التي سيتوقف عليها مستقبل الحياة في لبنان ؛ فإن تساؤلات كثيرة بدأت تطرح في أوساط المواطنين عن تلك الثقة العالية التي يضعونها في مؤسسة الجيش اللبناني تحديدا ليكون الضمانة الوحيدة لإستمرارية الحياة في لبنان ؛ وهل أنها لا تزال في محلها ام كانت رهانا خاطئا من الأساس؟

هل يكتنف الغموض موقف الجيش اللبناني أم أن هناك قوى خارجية وليس فقط محلية تمنعه من التدخل الإيجابي لحماية الوطن والمواطنين؟

هل هناك قوى فئوية داخل المؤسسات الأمنية الرسمية؛ ترتبط بولاءات مصلحية بقوى خارجية ، هي التي تعرقل عمل الجيش؟

هل هناك قوى ذات ولاءات مذهبية تتلقى تعليمات من جهات نافذة محلية وإقليمية وبالتالي تشوش دور الجيش وتدفعه في تدخلات سلبية خارج مهماته الوطنية العامة؟

هل يريد البعض إستجرار الجيش تحديدا والمؤسسات الأمنية للإلتحاق بالمشاريع المذهبية الشعوبية المشبوهة التي يجري العمل وفقها لتحديد مصائر المنطقة العربية برمتها؟

مما لا شك فيه أن قوى كثيرة تريد ذلك وتعمل لأجله ..أما ثقة غالب اللبنانيين ستبقى في الجيش اللبناني ليكون فوق جميع المسلحين والميليشيات ، عمادا وحاميا للوطن والمواطنين وللدولة معا..

فهل يرتقي إلى مثل هذه الثقة فيضع حدا لكل فلتان أمني ولكل عدوان على سلامة المواطنين وسلامة الحياة على أرض الوطن المستباح؟

المصدر: المدار نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى