نيويورك ــ تعـد العلاقة بين الولايات المتحدة والصين بأن تكون شديدة الأثر في تحديد معالم الحقبة التي نعيشها. وربما يتلخص العامل الأكبر في تحديد هذه العلاقة في قدرة البلدين على الاستمرار في تجنب الصراع المسلح حول تايوان أو فشلهما في ذلك. لكن في ظل المؤشرات التي تؤكد تنامي احتمالات الصراع، يصبح السؤال الذي يواجه الولايات المتحدة وشركاءها هو كيف يمكن تجب هذه النتيجة دون التضحية بمصالح أساسية.
يُـعَـد التأطير النظري أمرا بالغ الأهمية في السياسة الخارجية. وما نحن بصدده الآن ليس استثناء. فهناك مشكلات وهناك حلول. المشكلات قابلة للحل من حيث المبدأ. وفي أفضل الأحوال يمكن التعامل ببراعة مع المواقف. تمثل تايوان أحد هذه المواقف. ومحاولات التعامل معها على أنها مشكلة قابلة للحل لن يكون مصيرها الفشل فحسب، بل ومن المرجح أن تُـفضي إلى صراع من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة وتايوان والصين، ودول أخرى في المنطقة والعالم، في حال أسوأ كثيرا. والسبب أن أي نتيجة محتملة لن تكون مقبولة لدى الجميع بغير استثناء.
النبأ السار هنا هو أن الإطار الدبلوماسي الذي وضعته الولايات المتحدة والصين قبل أربعين عاما، والذي اتفق بموجبه الجانبان بشكل أساسي على الاختلاف في الرأي بشأن تايوان، سمح لهما بتجنب الصراع وبناء علاقة مثمرة ساعدت في إنهاء الحرب الباردة سلميا وبشروط غربية. واصلت الولايات المتحدة والصين تطوير علاقة اقتصادية عميقة. ومن جانبها، أصبحت تايوان واحدة من نمور آسيا وتطورت من نظام دكتاتوري يحكمه حزب واحد إلى نظام ديمقراطي قوي.
من المؤكد أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين تدهورت بشكل حاد في السنوات الأخيرة، ولكن ليس بسبب تايوان. وهنا أود أن أشير إلى الجهود التي تبذلها الصين لعسكرة بحر الصين الجنوبي، وممارساتها التجارية غير العادلة، وسياساتها القمعية المتزايدة الحدة في الداخل، فضلا عن قهرها لدول المنطقة اقتصاديا.
ولكن الآن، تنتشر تكهنات بأن الرئيس الصيني شي جين بينج يفكر في استخدام القوة للاستيلاء على تايوان في محاولة لتحقيق هدفه المتمثل في «تجديد شباب» الصين وبناء إرثه الخاص. ربما يحاول أيضا تشكيل سياسة تايوان وتعزيز قوة القادة الذين يعتبرهم أكثر ودا في التعامل مع البر الرئيسي. أيا كانت الدوافع التي تحرك شي جين بينج، فقد شهدنا ضغوطا اقتصادية متزايدة الوطأة على تايوان، وهجمات إلكترونية، ومحاولات لنشر معلومات مضللة والتدخل في ديمقراطيتها، وطلعات جوية بالقرب من الجزيرة، ونشر قدرات عسكرية إضافية على طول ساحل الصين بالقرب من تايوان، ومحاولات للإبقاء على تايوان خارج المنظمات الدولية.
ظلت السياسة الرسمية التي تنتهجها الولايات المتحدة تؤكد لفترة طويلة على مبدأ مفاده أن أي محاولة لتغيير الوضع الراهن يجب أن تتم بالتراضي وبدعم من شعب تايوان. كما صرحت الولايات المتحدة على نحو منتظم أنها لا تدعم استقلال تايوان، في محاولة لمنع تايوان من إشعال فتيل أزمة.
يدعو بعض المراقبين في الولايات المتحدة إلى قبول استيلاء البر الرئيسي على تايوان باعتباره حتمية. لكن السماح للصين بقهر تايوان أو احتوائها من شأنه أن يقوض أو حتى ينهي نظام التحالف الأميركي في آسيا. وقد تميل الحكومات إما إلى الإذعان للصين ــ نسخة آسيوية من السياسة التي تبناها الاتحاد السوفييتي في التعامل مع فنلندا ــ أو اكتساب المزيد من الاستقلالية، وهو ما قد يؤدي إلى الانتشار العسكري التقليدي أو حتى النووي. هناك أيضا حقيقة مفادها أن ما يقرب من 24 مليون شخص سيشهدون اندثار ديمقراطيتهم، في حين ستكون الصين قادرة على استعراض قوتها في مختلف أنحاء منطقة المحيط الهادئ، والسيطرة على ممرات الشحن الرئيسية، والهيمنة على صناعة أشباه الموصلات الحيوية في تايوان. وأي من هذه النتائج كفيلة بزعزعة الاستقرار الإقليمي، وتقييد الحرية، وتهديد فرص الرخاء والازدهار.
على الجانب الآخر من الجدال، هناك أولئك الذين يعتقدون أن تايوان دولة في كل ما يتصل بها ما عدا الاسم، ويجب أن يكون التعامل معها على أنها دولة حقا. لكن تشجيع استقلال تايوان أو الاعتراف به على الرغم من المعارضة من قـبـل البر الرئيسي يكاد يكون من المؤكد أنه سيـفـضي إلى الصراع، أو تمزق العلاقات الأميركية الصينية، أو كليهما.
هذا يعني ضرورة الاستمرار في التنبيه على تايوان بوضوح إلى أنها يجب أن تتصرف بكل حذر. يزعم بعض المراقبين أن هذا من شأنه أن يعطي الصين قدرا كبيرا من النفوذ. لكن السياسة الخارجية الناجحة تتطلب غالبا اللجوء إلى مقايضات صعبة. لتجنب احتمال نشوب حرب والحفاظ على علاقة عاملة ناجحة مع الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم ــ وهي قوة عالمية في موقف يسمح لها بتشكيل النتائج بشأن قضايا تتراوح من تغير المناخ إلى الصحة العالمية إلى منع انتشار الأسلحة النووية ــ لا يجوز للولايات المتحدة أن تتصرف وكأنها مُـطلَـقَـة اليد في التعامل مع تايوان.
المطلوب الآن هو تغيير السياسات بما يتناسب مع التعامل مع الصين الأكثر اقتدارا وحزما. وهذا يتضمن تعزيز القدرات العسكرية الأميركية في المنطقة، وبناء تكامل دفاعي أوثق مع اليابان وأستراليا، وتعزيز قدرات تايوان الدفاعية الأكثر صلة بإبطاء أي غزو صيني، والتنسيق مع الشركاء والحلفاء في المنطقة وأوروبا في ما يتصل بالتدابير الاقتصادية والعسكرية التي قد تتخذ في الاستجابة لأي عدوان صيني.
من الأهمية بمكان نقل بعض من كل هذا إلى الصين؛ ويجب أن يكون الهدف الحد من عدم اليقين بشأن نوايا أميركا وقدرتها على الوفاء بها، مع الحرص على التأكيد لقادة الصين على التكاليف الاقتصادية والعسكرية التي قد تترتب على أي اعتداء. من الواجب أيضا النظر في إصدار إعلان من جانب الكونجرس الأميركي يقضي بمنح الرئيس سلطة مشروطة في استخدام القوة العسكرية في الرد على أي اعتداء صيني على تايوان. في ذات الوقت، ينبغي لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن أن توضح أنها لا تحيد عن سياسة الصين الواحدة التي تحترمها أميركا منذ أمد بعيد. وعلى هذا فإنها «تعترف بحكومة جمهورية الصين الشعبية باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة للصين»، وتحرص على الإبقاء على علاقات غير رسمية مع تايوان، وتؤكد أن أي تغيير لا ينبغي أن يأتي أبدا كنتيجة للتهديد باستخدام القوة أو استخدامها فعليا.
بقدر ما يرغب قادة الصين في الاستيلاء على تايوان، فإنهم يريدون أيضا الاحتفاظ بالسلطة والاحتكار السياسي الذي يمارسه الحزب الشيوعي. ومن الواضح أن حربا مكلفة تخوضها الصين اختيارا لغزو تايوان قد تعرض هذا للخطر. لكن إذا أعلنت تايوان الاستقلال، أو إذا اعترفت الولايات المتحدة بتايوان دولة ذات سيادة، فسوف ينظر كثيرون على البر الرئيسي إلى غزو الجزيرة على أنه حرب ضرورة. ويجب أن يكون هدف السياسة الأميركية ردع الاحتمال الأول وتجنب الاحتمال الثاني.
ترجمة: إبراهيم محمد علي
*رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وأحدث مؤلفاته كتاب «العالَـم: مقدمة موجزة» (بنجوين،2020).
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2021.
المصدر: الغد الأردنية