يبقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المرشّح الأوفر حظّا للفوز في انتخابات العام المقبل، لكنه يجد نفسه في وضع غير مريح لعدم معرفته هوية منافسه الرئيسي قبل ستة أشهر على موعد الاقتراع.
ومع بدء العد التنازلي للدورة الأولى في 10 إبريل/ نيسان المقبل، لم يعد ماكرون ذو الميول الوسطية متأكدا من أن جولة الإعادة بعد هذا التاريخ بأسبوعين ستكون تكرارا لما حدث في انتخابات 2017 مع زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي فاز فيها بسهولة.
وبدلا من ذلك، يواجه ماكرون سيناريوهات عدم يقين ورهانات مفتوحة على كل الاحتمالات، في حملة تشهد سلفا تحولات مفاجئة.
وانقلبت التوقعات رأسا على عقب في الأسابيع الماضية بسبب الارتفاع في نسبة تأييد المحلل التلفزيوني اليميني الشعبوي إريك زيمور، الذي يُنظر إليه على أنه النسخة الفرنسية من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي من المحتمل – إذا قرر الترشح – أن يتغلب على لوبان ويقسّم أصوات اليمين المتطرف.
أما اليمين التقليدي فلم يستقر بعد على اسم في عملية تسببت في تجاذبات في ظل تنافس شخصيات ذات نفوذ، مثل الوزير السابق كزافييه برتران ورئيسة منطقة باريس فاليري بيكريس ومفاوض بريكست السابق ميشال بارنييه.
بموازاة ذلك، ينشغل اليسار بمشاكله الخاصة. فحملة رئيسة باريس الاشتراكية آن هيدالغو لم تجد الزخم المطلوب بعد. كذلك تضرر حزب الخضر جرّاء سباق مرير لاختيار المرشح المثالي وفشل في نهاية المطاف في توحيد البراغماتيين والراديكاليين. ونسبة التأييد التي نالها أقل من تلك التي يحظى بها زعيم اليسار المتطرف جان لوك ميلانشون.
وقال نائب مؤيد لماكرون طلب عدم نشر اسمه: “ما يقلق ماكرون هو أنه كان يظن أنه سيتنافس في الدورة الثانية مع لوبان، لكنه لم يعد متأكدا من ذلك”.
وذكر وزير طلب عدم الكشف عن هويته “من الممكن أن يصل شخص ما إلى الدورة الثانية بحصوله على 15-16 في المئة فقط من الأصوات، لذلك لا نعرف هوية” المنافس.
وتشير استطلاعات الرأي الحالية إلى فوز ماكرون في الدورة الأولى بحوالي ربع الأصوات. لكن إذا أدى ترشح زيمور إلى تشظي المشهد أكثر مما هو عليه الآن، فسيكفي حصول أي مرشح على نسبة تراوح بين 16 و19 في المئة للتأهل إلى الدورة الثانية.
ويعتبر باسكال بيرينو، من معهد العلوم السياسية في باريس، أن النظام السياسي برمته سيشهد هزة قوية خلال السنوات الأربع القادمة، وقال لوكالة “فرانس برس”: “يا له من تغيير خلال الأسبوعين الماضيين”.
وأوضح فريدريك دابي، من معهد “إيفوب” لاستطلاعات الرأي، أن لوبان “ضعفت نسبيا” بظهور زيمور.
وقال إنه بالنظر إلى هذا التشرذم، فإن سعر تذكرة الدورة الثانية “ينهار تلقائيا”، مستذكرا كيف صدم والد مارين لوبان، جان ماري، التيارات السياسية الرئيسية بعبوره إلى الجولة الثانية العام 2002 بنسبة 16,8 في المئة من الأصوات فحسب.
ويقول دابي إن ماكرون يُعتبر “جزيرة الاستقرار الوحيدة في مشهد سياسي متشظ”، لكن عبور مرشح من التيار اليميني التقليدي إلى الدورة الثانية قد يسبب مشاكل للرئيس الفرنسي.
ويقول بيرينو “تظهر استطلاعات الرأي أن كزافييه برتران يمكن أن يهزم إيمانويل ماكرون إذا وصل إلى الدورة الثانية”.
وفي حال فوز ماكرون، الذي تسلّق السلم السياسي بسرعة قياسية ليصبح في 2017 أصغر رئيس فرنسي، فسيكون أول رئيس ينتخب لولاية ثانية منذ عهد جاك شيراك، إذ إن سلفيه نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند حكما ولاية رئاسية واحدة فقط.
وسيمنحه الفوز فرصة للتعامل مع قضية إصلاح نظام التقاعد في فرنسا، وهي أولوية في برنامجه أجلتها الاحتجاجات ثم وباء كوفيد 19.
أما على الصعيد الدولي، فيمكن أن يتحول إلى زعيم الاتحاد الأوروبي بلا منازع مع انسحاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ليطبق بذلك رؤيته للاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، فيما تتنصل الولايات المتحدة من التزاماتها في القارة بحسب ما يرى ماكرون.
المصدر: (فرانس برس، العربي الجديد)