ما يجري في سورية مؤخراً، يؤكّد أنه معاكس تماماً لكل توقعات وقراءات أو تمنيات الجهات المعارضة لواشنطن. كل التقديرات التي ركزت على أن واشنطن ستنسحب من سوريا، لم تكن صائبة حتى الآن بالحدّ الأدنى، بعد انسحاب أميركا من أفغانستان والتعهد بالانسحاب من العراق، لا يمكن لواشنطن أن تقدم على الانسحاب من الشرق السوري.
فشلت القمة الروسية التركية والتي كانت مخصصة للبحث حول وضع إدلب. كانت موسكو تظن أنها قادرة على فرض ما تريده بممارسة المزيد من الضغوط على أنقرة، فيما كان واضحاً أن تركيا لن تقدّم أي تنازل لصالح الروس في تلك المنطقة، خصوصاً أن منطقة إدلب تشكل الخاصرة القوية لتركيا وهي إحدى الأوراق الكبرى القادرة على استخدامها في مواجهة روسيا.
في المقابل ستعمل تركيا على فتح خطّ النفط بين كركوك في العراق وجيهان في الفترة المقبلة، ومعلوم أن هذا الخط يصل إلى إسرائيل عبر البحر، وهذا لا يمكن أن ينفصل عن مؤتمر التطبيع في العراق الذي حصل، الأسبوع الفائت، على وقع ارتفاع منسوب النفوذ التركي في شمال العراق.
يأتي ذلك في أعقاب بروز معطيات تشير إلى التوتر الإيراني التركي في سوريا، وتحديداً في إدلب ومناطق الحزام الأمني وحلب، ويتمدد التوتر إلى أذربيجان، إذ تقوم إيران بعملية تحشيد عسكري على الحدود مع أذربيجان يوازيها تحشيد تركي واستنفار، هذا من جهة الشمال، أما من جهة الشرق فمن الواضح أن بوادر التوتر تتصاعد في أفغانستان التي أصبحت مشابهة لإمارة إسلامية لن تكون منطقة حدودية صديقة لطهران، واللافت أكثر أن عناصر طالبان يتهمون إيران بتحريك تنظيم داعش ضدهم.
الانسحاب الأميركي من أفغانستان وانعكاساته السلبية على الواقع المالي والاقتصادي سيصيب طهران بلا شك، فسيكون هناك شحّ للدولار ولن تكون إيران قادرة على الاستفادة منه، بينما ستزدهر تجارة الأفيون والسلاح، التي ستستهدف بلا شك الأسواق الإيرانية.
كل الوقائع تؤشر إلى زيادة منسوب الضغط على إيران وإمكانية تطويقها أكثر، فمن مؤتمر التطبيع العراقي مع إسرائيل يعني زيادة النفوذ الإسرائيلي في العراق، إلى جانب وجودهم في بحر العرب والخليج العربي وبحر عمان، إلى جانب تعزيز وجودهم في العراق وأذربيجان وكردستان. حتماً لن تقف طهران مكتوفة الأيدي أمام هذه الوقائع الجديدة.
بوتين عرض على الأميركيين استخدام قواعد روسية في طاجيكستان وأوزبكستان لمكافحة الإرهاب في أفغانستان في حال أرادوا ذلك، وهذا يوضح حجم الحاجة الروسية إلى الوجود الأميركي في تلك المنطقة، بخلاف كل الذين يعتبرون أن الخروج الأميركي من الأراضي الأفغانية هو هزيمة للأميركيين.
دعوة روسيا هذه تمثّل تحوّلاً استراتيجياً في الموقف الروسي التاريخي والذي يريد من الأميركيين البقاء واستخدام القواعد العسكرية الروسية، وهذا يؤشر إلى حجم التكامل في سياسة الطرفين، هنا لا بد لواشنطن من فرض شروط جديدة تتعلق بسوريا أو بمناطق أخرى، إلى جانب ضغوط إسرائيلية تطلب من روسيا القيام بخطوات واضحة في سوريا لتحجيم النفوذ الإيراني على المدى البعيد ولو بالمعنى العسكري وفي حجم الانتشار.
ثمة مَن يقول إن مشكلات إيران قد بدأت في الشرق، وهي ستكون ذات مسار طويل، وهذا حتماً سيطرح سؤالاً أساسياً حول قدرتها على الصمود بهذا الثبات في سياستها الغربية أو في محاولات مقارعتها لواشنطن من بوابة المفاوضات حول الاتفاق النووي.
هناك رأي يقول إن إيران ستكون بأمسّ الحاجة للذهاب إلى إنجاز الاتفاق سريعاً، بينما من يعارضون طهران يعتبرون أن الوضع الإيراني أصبح صعباً في ظل عدم قدرة واشنطن على تقديم أي تنازلات نووية لإيران بعد ما جرى في أفغانستان، وبالتالي يعتبرون أن الاتفاق النووي أصبح من الماضي، خصوصاً أن أوروبا تنهمك في همومها الداخلية، فميركل غادرت موقعها، وهناك انقسام ألماني داخلي، بالإضافة إلى مشكلة فرنسا مع أميركا وبريطانيا وأستراليا وسويسرا ما يضفي ضعفاً على الموقف الفرنسي، وهذا كله سينعكس سلباً على إيران. ولكن نتائجه لا بد أنها بحاجة إلى سنوات لتبدأ بالظهور.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا