مع بقاء أيام على توجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى منتجع سوتشي المطلّ على البحر الأسود لعقد محادثات مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الأربعاء المقبل، وجهت أنقرة مجموعة من الإشارات من شأنها رفع الرهانات في الملفات الشائكة في العلاقات مع موسكو، وفي مقدمتها الوضع في محافظة إدلب السورية.
وقبيل توجه أردوغان إلى روسيا، كان لافتاً رفض وزارة الخارجية التركية الاعتراف بنتائج انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي في شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو في عام 2014، ثم إعلان الرئيس التركي، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، رفضه الاعتراف بضم القرم، وهو ما شكره عليه الرئيس الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي، الذي أكد الطابع الاستراتيجي للعلاقات بين كييف وأنقرة.
وأثارت التصريحات التركية استياء الكرملين، الذي أعرب على لسان الناطق الرسمي باسمه دميتري بيسكوف، أمس السبت، عن أسفه لصدورها أثناء الاستعدادات لزيارة أردوغان، داعياً إلى التركيز على قضايا الدفع بالعلاقات الثنائية ومواجهة التحديات الإقليمية، ومؤكداً مواصلة العمل مع الجانب التركي رغم تعارض المواقف من قضية القرم.
ولم يقتصر التصعيد الروسي التركي على التصريحات الرسمية، بل طاول أيضاً التعاون التجاري، في ظل اكتشاف الهيئة الفيدرالية الروسية للرقابة الزراعية “روس كوم نادزور” فيروسات في الفواكه والخضروات، وتحديداً الطماطم، المستوردة من تركيا، بعد أيام على كلمة أردوغان في نيويورك. وفي هذا الإطار، اعتبر الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية (منظمة غير ربحية معنية بدعم اتخاذ القرار في مهام السياسة الخارجية) كيريل سيميونوف أن التصريحات التركية حول القرم لم تصدر صدفة، وإنما جاءت رداً على التصعيد العسكري، الذي تقوده روسيا وقوات النظام السوري، في إدلب.
وقال سيميونوف، لـ”العربي الجديد”: “جاءت التصريحات حول القرم بمثابة رد فعل على التصعيد في إدلب. يشكل قصف إدلب مسألة حساسة للغاية بالنسبة إلى تركيا، فهذه المنطقة تحتضن مجموعة مهمة من القوات التركية مهمتها وقف تقدّم قوات الجيش السوري لمنع تدفق موجة جديدة من اللاجئين السوريين إلى تركيا، ويتم استخدام هذه المقولة لتبرير الوجود التركي في إدلب أمام الجمهور الداخلي”. وأضاف: “يمكن للعسكريين الأتراك منع الطيران السوري عن طريق إسقاط الطائرات، لكن لا يمكنهم فعل ذلك مع طائرات القوات الجوية الروسية لأسباب واضحة، وهذا أمر مزعج لتركيا، فالتقدم الجوي قد يدفع بالسكان إلى الفرار، فيصبح وجود القوات التركية في إدلب عديم الجدوى”.
وحول الخلافات الروسية التركية بشأن مصير إدلب، أوضح سيميونوف أن “موسكو تعترض على منع القوات التركية المنتشرة في إدلب (رئيس النظام بشار) الأسد من إعادة بسط سيطرته على هذه المنطقة، ولكن السبب الرسمي للخلاف هو التساهل التركي مع وجود هيئة تحرير الشام وتحكمها في إدلب. في المقابل، تعترض أنقرة على وجود وحدات حماية الشعب الكردية في تل رفعت ومنبج وعلى امتداد 32 كيلومتراً على خط الحدود”.
من جهتها، اعتبرت صحيفة “نيوز.رو” الإلكترونية الروسية أن تركيا تسعى لتعزيز مواقفها التفاوضية عشية لقاء بوتين وأردوغان، بإرسالها تعزيزات إلى محافظة إدلب الخاضعة لنفوذها، والتأكيد على حزمها في قضية القرم. وفي مقال بعنوان “التغلب على الكرملين: تصعيد أردوغان عشية اللقاء مع بوتين”، لفتت الصحيفة إلى أن الزيارة غير المعلنة الأخيرة لحليف روسيا، بشار الأسد، إلى موسكو ولّدت انطباعاً لدى المحللين السياسيين بأن “دمشق تسعى للحصول على الدعم لتنظيم عملية جديدة”. وقال الباحث بمركز “تي أر تي وورلد” التركي للدراسات، توران جعفرلي، لـ”نيوز.رو”: “على الأرجح، يريد أردوغان مقابلة بوتين وبين يديه أوراق ما. القضية الأولى الأكثر تعقيداً هي المأزق في سورية. نشهد أن وصول التعزيزات (إلى إدلب) حدث بعد لقاء الأسد، وبوتين الذي قال الأسد خلاله إنه يريد انسحاب القوات الأجنبية من سورية. أعتقد أن التعزيز التركي يأتي رداً على تصريح الأسد”.
المصدر: العربي الجديد