الله ولبنان والجيش

د-عبد الناصر سكرية

شكل تفجير مرفأ بيروت في 4 آب (أغسطس) 2020 ذروة العدوان الرسمي على لبنان الشعب والوطن، عدوان سلطة نظام المحاصصة والفساد والتبعية.

وطالما أنه مر أكثر من سنة حتى الآن من دون وصول التحقيق إلى نتيجة رغم وضوح كل عناصر المشهد وضمنه الجريمة؛ فإن من المنطقي القول إن مؤسسات السلطة اللبنانية المعنية بكشف الحقيقة ومحاسبة المجرمين لن تفعل شيئاً يذكر في هذا السياق يمكنه أن يشفي غليل المنكوبين وكل اللبنانيين المتعطشين لمعرفة الحقائق.

وعلى الرغم من أن معظم اللبنانيين باتوا يعرفون بالإستنتاج وتحليل المعطيات السابقة على التفجير؛ إلا أن إعلاناً رسمياً لا يبدو أنه في إطار الصدور قريباً. وإستناداً إلى الوقائع خلال العقود الماضية وما حصل فيها من اغتيالات وجرائم ومرت من دون أن يسفر أي تحقيق عن أية نتيجة واضحة؛ فإنه لا يتوقع أن تسفر التحقيقات الراهنة عن شيء مهم ولسوف تبقى أطراف السلطة تراوغ وتناور لإلهاء الناس وتمييع الأمور وتضييع المسؤولية كما حصل في كل الجرائم السابقة.

ولما بات الوضع الراهن يهدد الأمن الحياتي المباشر للبنانيين فضلاً عما ينشأ من فلتان أمني وفوضى مسلحة وجرائم من كل نوع؛ فإنه بات لزاماً على مؤسسة الجيش اللبناني التدخل الفوري لتسلم زمام الأمور الأساسية التي تمس أمن الشعب اللبناني وسلامته وحياته ووجوده قبل أن يتفلت زمام الأمور كلها ويصبح الوضع غير قابل للمعالجة ويصبح حتى الجيش غير قادر على التدخل أو على التأثير في مجريات الأحداث حينما تصبح سطوة العصابات المسلحة والميليشيات الحزبية فوق أية قوة وطنية سياسية وعسكرية وأمنية.

وإذا لم يبادر الجيش الى التدخل الفعال والجدي والمجدي في أقرب وقت، فإن تداعيات سلبية مدمرة للوضع المأسوي الراهن لن يسلم من آثارها أحد بمن فيهم الجيش نفسه. وأبرز ما سوف يواجهه الجيش هو عدم مقدرة كادره البشري على تحمل تبعات الإنهيار وتدهور العملة الوطنية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني يفوق قدرة أغلب اللبنانيين على التحمل وفي مقدمهم جنودالجيش ورتباؤه وضباطه. هؤلاء رواتبهم بالعملة اللبنانية التي لم تعد تساوي شيئاً. وطالما أن هؤلاء متفرغون لعملهم العسكري فلا مداخيل إضافية لديهم وبالتالي فإن وضعهم ذاته بات يتطلب تدخل مؤسستهم لإنقاذهم وإلا فإنها تتركهم تحت رحمة أطراف السلطة الفاسدين المتمولين أو تحت رحمة رجال الأعمال الفاسدين الكبار – شركاء رجال السياسة، يعرضون عليهم الحماية والمساعدة او التشغيل فيما يحمي مصالحهم وأنشطتهم وأعمالهم المخالفة للقانون وغير المشروعة فيتحولون إلى شركاء في الفساد ومسؤولية الإنهيار أو إلى حماة له.

منذ تفجير المرفأ والكثيرون من المعتدلين غير المنحازين حزبياً أو طاىفياً أو مذهبياً يحملون قسطاً أساسياً في العملية للقوى الأمنية ذاتها! إذ يتساءلون كيف يستخدم مرفأ بيروت لتخزين مواد تفجيرية تصنف عسكرياً بأنها شديدة الخطورة ولا تتخذ أية إجراءات ولا تتصرف لحماية المرفأ وحماية الشعب وأمن الوطن… علماً أن الأمر من أوله الى آخره معروف ومكشوف ويدخل في صلب عمل الأجهزة الأمنية جميعاً، فلماذا لم تتحرك ولم تقم بواجبها بالحفاظ على أمن الوطن والدولة والمؤسسات والشعب؟؟

أما وقد وصلنا إلى ما نحن فيه وتجاوز الإنهيار حدود المقدرة على التحمل، فمن الموضوعية والحرص التشديد على طلب تدخل الجيش لوضع يده على الموارد الأساسية التي تضمن استمرار الحياة ولو في حدودها الدنيا. الصحيح أن يتسلم الجيش كمؤسسة وحيدة لا تزال تحظى بثقة ومحبة غالبية اللبنانيين زمام كل الأمور والسلطات التنفيذية فيشكل حكومة إنقاذية من خارج أطراف السلطة الفاسدة؛ حكومة تحرك القضاء وتحميه لممارسة صلاحياته في الحساب والعقاب. حكومة يحميها الجيش من تهديدات الميليشيات وإبتزاز السياسيين تأخذ البلد إلى بداية طريق إعادة تأسيس دولة للقانون والمؤسسات ومحاسبة كبار الفاسدين قبل صغارهم وتعيد أموال المودعين إلى أصحابها وتسترد الأموال المنهوبة والأملاك العامة المشبحة.

نعرف وندرك أن الوضع شائك ولا يقتصر على معادلات محلية بل تتداخل فيه عوامل إقليمية ودولية وأن شبكة فساد مأجور ليست سهلة التفكيك. وندرك أن قوى الفساد تتمتع بحمايات دولية تستخدمها كواجهات لتمرير مصالحها وأطماعها وتبرر بها تدخلاتها.

نعرف وندرك أن قوى الفساد المحلية تكتسب من الخبرات والإمكانات ما يجعلها تستشرس في الدفاع عن مصالحها وإدامتها ولو إقتضى ذلك تهجير كل الشعب.

نعرف وندرك هذا. وهذا الإدراك هو الذي يجعلنا نؤكد طلب تدخل الجيش فهو وحده قادر على حسم كثير من الأمور وضبط كثير من الفساد والفلتان وفرض وتطبيق والتزام حد أدنى من القانون.

وفي الوقت ذاته فإنها ليست خافية الظروف الدقيقة التي تواجه المؤسسة العسكرية، ليس فقط لجهة تأثير أطراف السلطة في بعض أصحاب القرار فيها، أو حتى الولاءات الفئوية لكوادرها، طائفية أو مذهبية، بحكم طبيعة النظام اللبناني التحاصصي. وإنما أيضاً وأيضاً لجهة تأثيرات خارجية؛ إقليمية ودولية؛ قد تكون سبباً في تخويف الجيش أو لجم قدرته على التصرف الحاسم.

في المقابل فإن العقيدة القتالية للجيش اللبناني لا تزال ملتزمة النهج الوطني المتحرر من الولاءات الإنقسامية والنوازع التحريضية لفئة ضد أخرى كما هو حال الكتل الحزبية والسياسية والميليشيوية.

وعلى موضوعية التخوف الذي يبديه البعض من تدخل العسكريين في السياسة أو من خطر إنقسام الجيش؛ إلا أننا نرى أن هذا غير متاح وغير ممكن في لبنان. أما الانقسام فنستبعده تماماً لأن المهمة الوطنية الإنقاذية المطلوبة من الجيش تشكل مطلباً وطنياً عاماً وتحظى بدعم وتأييد أغلب اللبنانيين بعدما وصلوا جميعاً ومعاً وفي وقت واحد إلى أدنى مراحل البدائية وانعدام الأمن المعيشي والوجودي والنفسي معاً.

ليس هذا حلاً نموذجياً بالتأكيد، لكنه الحل الوحيد المتاح والممكن رغم ما يتضمنه من محاذير ستبقى أقل بكثير من تداعيات الإنهيار والخطر الوجودي الشامل. فإن لم يبادر الجيش إلى إنقاذ الوطن والدولة والشعب؛ فمن سيفعل؟؟

لا أحد من السياسيين ومن أطراف السلطة ومن ميليشيات الأحزاب والطوائف يملك قدرة المبادرة للإنقاذ، فضلاً عن أنهم لا يريدون.

المصدر: النهار العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى