بالتزامن مع حالة الانسداد السياسي وتفاقم الوضع الاقتصادي في العراق، تتزايد المؤشرات إلى احتمال توجيه واشنطن ضربات عسكرية لمواقع تابعة للفصائل المسلحة في البلاد، فيما تترقب الفصائل والقوى السياسية القريبة من إيران، ما قد يحدث بعد إعادة تموضع القوات الأميركية، في ظل تزايد التسريبات المتعلقة بضربات وشيكة قد تستهدف قادة للفصائل أو مخازن أسلحة.
إعادة تمركز
وتفيد تسريبات بأن القوات الأميركية المتبقية ستتمركز في كل من قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة التاجي في بغداد وقاعدة حرير في أربيل.
فيما يرجح مراقبون أن تصدر الولايات المتحدة عقوبات كبيرة على بعض الشخصيات المرتبطة بإيران، فضلاً عن ضربات قد توجه إلى قادة الفصائل المسلحة في العراق.
وكانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد أشارت في وقت سابق إلى أن “البنتاغون” أصدر توجيهات لتصعيد العمليات العسكرية في العراق، والتحضير لعملية واسعة تستهدف فصائل عراقية موالية لطهران.
ومن المرجح أن يكون قرار إعادة التمركز وخروج القوات الأميركية من عدد كبير من القواعد، هو لتجنب أي صدامات أو قصف في حال أقدمت واشنطن على ضرب مواقع تابعة لتلك الفصائل.
وتوقفت عمليات قصف المواقع التابعة لقوات التحالف الدولي أو المنطقة الخضراء مع تصاعد تلك التسريبات.
وبالتزامن مع هذه الاحتمالات، كانت ميليشيات “كتائب حزب الله” قد روجت لفكرة أن أميركا تسعى للقيام بانقلاب عسكري في العراق، مهددة بأنها سترد “بقوة على المنشآت العسكرية والأمنية والاقتصادية كافة التابعة للقوات الأميركية، فيما لو أقدمت تلك القوات على تنفيذ الانقلاب”.
عبد المهدي يحذّر
وتحدثت تقارير عدة عن توجيه “البنتاغون” بتصعيد العمليات العسكرية ضد الفصائل المسلحة الموالية لإيران، في ظل مؤشرات إلى تحركات عسكرية أميركية، ما دفع برئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي إلى إبداء قلقه من تلك التحركات، محذراً الطرفين سواء الفصائل المسلحة أم الولايات المتحدة الأميركية من أية استهدافات متبادلة.
وقال في بيان، إن “الأعمال اللا قانونية واللا مسؤولة التي يقوم بها البعض في استهداف القواعد العسكرية العراقية أو الممثليات الأجنبية هو استهداف للسيادة العراقية وتجاوز على الدولة حكومة وشعباً”.
وأضاف أنه “عمل مدان من قبلنا وأننا نتخذ كل الإجراءات الممكنة لملاحقة الفاعلين ولمنعهم من القيام بهذه الأعمال”، مردفاً “لكننا في المقابل نتابع بقلق المعلومات التي ترصدها قواتنا عن وجود طيران غير مرخص به بالقرب من مناطق عسكرية في سبايكر ومعسكر الشهداء في الدوز ومطار حليوة ومعسكر أشرف والمنصورية وغيرها”.
أعمال حربية مضادة
ونبّه من “مغبة القيام بأعمال حربية مضادة مدانة وغير مرخص بها”، معتبراً ذلك “تهديداً لأمن المواطنين وانتهاكاً للسيادة ولمصالح البلاد العليا”.
وتابع “لقد أدنّا سابقاً مثل هذه الأعمال وحذرنا من آثارها الخطيرة، ونحن نحذر اليوم كذلك من خطورة القيام بأي عمل تعرضي من دون موافقة الحكومة العراقية، ونحمل الجهة التي تقوم به مسؤولية ذلك”.
وأكد أن “كل الجهود يجب أن تتوجه لمحاربة داعش وبسط الأمن والنظام ودعم الدولة والحكومة، والتصدي إلى الوباء الذي يهددنا ويهدد البشرية جمعاء”.
ودعا عبد المهدي إلى “وقف الخروقات والأعمال الانفرادية، واحترام الجميع للقوانين والسيادة العراقية”.
بيان “عاجز”
وفي أول رد فعل سياسي، وصف السياسي البارز أثيل النجيفي البيان بأنه “عاجز وبائس”.
وأضاف في تغريدة على “تويتر” “البيان لم يتعدّ تحميل المسؤولية للفصائل الموالية لإيران من عواقب استهدافها للمصالح الأميركية، وتحميل واشنطن عواقب استهدافها للفصائل”، متسائلاً “ما هو واجب القوات المسلحة التي يقودها”.
وعلق على ما سماها “الأقاويل حول الانقلاب العسكري والإقليم السني”، قائلاً إن “تلك مجرد إشاعات تطلقها الأحزاب الدينية الشيعية لتأجيج التعصب الطائفي المنحسر”، مبيناً أنه “بعد فشل تجربتها في الحكم لم يعد بيدها سوى العودة لمربعها الأول وتهديد مجتمعها بزوال حكم المذهب”.
تياران داخل الإدارة الأميركية
إلى ذلك، قال رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي، إن “الإدارة الأميركية فيها تياران، الأول يؤيد التصعيد بشدة بقيادة وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأميركي، والثاني يدفع باتجاه ضربات محدودة للجماعات المسلحة بقيادة وزير الدفاع مارك إسبر”.
وأوضح لـ”اندبندنت عربية” أن “التيار الأول وضع خطة لضربة شاملة وقوية لكن حتى الآن ما تقوم به الولايات المتحدة هو الالتزام بالضربات المحدودة”.
وأن “كل المؤشرات تبيّن أن واشنطن عازمة على توجيه ضربات إلى بعض الفصائل في العراق”.
وتابع “زمن الانقلابات العسكرية قد انتهى، ولن تقوم أميركا بالانقلاب على نظام ديمقراطي هي خلقته، حيث يعد فشلاً للتجربة الأميركية في العراق”، وأعتقد أن هناك جماعات تروج لهذا الأمر للاستفادة منه لأن هناك ضغطاً عليها”.
استراتيجية “تقويض القوة”
ولعل ما يدفع تلك الفصائل المسلحة للترقّب هو أن إيران تحاول التخلص حتى لو ظاهرياً، من الارتباط بها، إذ أعلنت طهران أنها غير مسؤولة عن الضربات الأخيرة التي طالت قواعد عسكرية أميركية وأسفرت عن مقتل عدد من الجنود الأميركيين، فضلاً عن أوضاع طهران الداخلية التي جعلت الفصائل المسلحة المرتبطة بها في العراق تشعر بالحرج، كونها باتت معزولة ووحيدة ولم يعد الغطاء الإيراني لها متوفراً كما في السابق.
وفي السياق ذاته، رأى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، أن “الاشتباك مع الفصائل المسلحة من قبل واشنطن مستمر قبل إعادة التموضع، وأي عملية استهداف مقبلة ليست جديدة وغير مرتبطة بهذه التحركات الأميركية”.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “الضربات الأميركية المقبلة مرتبطة بحجم الاستفزاز من قبل الفصائل للقوات الأميركية الموجودة في القواعد، وإذا استمر الاستهداف سنشهد تصعيداً كبيراً جداً”.
ولفت إلى أن “واشنطن طالما عدت تلك الفصائل أذرعاً لإيران في العراق، لذلك هي تضع سيناريوهات للتعاطي معها، لكن تلك الاستهدافات لم تحصل إلا في حال استفزاز واشنطن من قبل تلك الفصائل”.
ورجح أن “تعتمد استراتيجية واشنطن على تقويض قوة هذه الفصائل من خلال استهداف مخازن الأسلحة والمعسكرات التابعة لها”.
وعن ترويج فكرة الانقلاب، بيَّن الشّمري أن “ترويج الانقلاب محاولة تحفيز مشاعر العداء ضد أميركا، تحديداً في الشارع الشيعي وكسب التأييد، والقول إن هناك محاولة لقلب المعادلة والقدوم بمعادلة حكم جديدة، فضلاً عن احتمالية أن تكون خطوة استباقية لتبرير الهجمات على القوات الأميركية”، مردفاً “الانقلاب غير وارد لأن واشنطن داعمة لمعادلة سياسية جديدة تحفظ للعراق مساحة التوازن”.
احتمالات وراء إعادة التموضع
فيما رأى مستشار المركز العراقي للتنمية الإعلامية سرمد البياتي أن “بيان عبد المهدي متخوّف وكان من المفترض أن يتوجه إلى القوات الأميركية التي يستضيفها العراق وسؤالهم بشكل مباشر عن التحركات العسكرية الأخيرة وليس التقدم للعراقيين بالحديث”.
وأضاف لـ”اندبندنت عربية”، “إعادة تموضع القوات الأميركية تقبل احتمالات عدة، أرجحها أن الطرف الأميركي منزعج من تكرار الاستهدافات على قواته وعدم سيطرة العراق للحد منها، فضلاً عن احتمال أن يكون تحضيراً لعمل عسكري”.
واستبعد البياتي أن يكون الحديث عن الانقلاب العسكري حقيقياً، وفيما أشار إلى أن “الأقاويل عن الحملات العسكرية الكبرى يجب أن تسبقها تحضيرات واضحة على الأرض”، رجح أن تكون تلك الأحاديث في سياق “الترويج الدعائي لغايات سياسية”.
وفي سياق متصل، نشرت القوات الأميركية صواريخ باتريوت في عدد من قواعدها العسكرية في العراق، حيث وصلت إحدى بطاريات الصواريخ إلى قاعدة “عين الأسد” في الأنبار.
وكشف مسؤول عسكري أميركي، أن بطارية أخرى وصلت إلى قاعدة “حرير” في أربيل، وأن هناك بطاريتين في الكويت بانتظار نقلهما إلى العراق، ما قد يرجح احتمالية إقدام واشنطن على ضربات قريبة لأهداف تابعة للفصائل المسلحة في العراق.
المصدر: اندبندنت عربية