المصالح تشرّع لعودة العلاقات الأردنية مع النظام السوري

أنور الزيادات

تتخذ العلاقات بين الأردن والنظام السوري مسار العودة السريعة، في ظلّ واقع يظهر أن الأردن الرسمي والقطاع التجاري والصناعي وجزءاً من الرأي العام يستعجل عودتها. وهو ما بدا مع إعلان وزير الداخلية الأردني مازن الفرّاية، في اتصال هاتفي أجراه مع وزير داخلية النظام السوري محمد خالد الرحمون، الثلاثاء الماضي، عن إعادة التشغيل الكامل لمركز جابر الأردني (نصيب من الجهة السورية) الحدودي. واتفق الجانبان على قيام الجهات التنفيذية العاملة في المركز بالتنسيق الميداني بشأن الإجراءات اللازمة لإعادة التشغيل.

وجاء ذلك بعد بحث وزيرة الطاقة والثروة المعدنية الأردنية هالة زواتي، مع وزيري النفط والثروة المعدنية، والكهرباء في النظام السوري، بسام طعمة وغسان الزامل، في 23 يونيو/حزيران الماضي مجالات التعاون في قطاعي النفط والكهرباء.

ويتضح حجم الرغبة في عودة العلاقات الرسمية بين الطرفين، وسط بروز عدد من المؤثرات على العلاقة الأردنية السورية منذ بدء الثورة عام 2011 حتى الآن وتحديد مسارها، وفقاً للمتغيرات في الداخل السوري، ومواقف الدول الإقليمية والدولية. وفي الوقت نفسه لا يمكن إغفال الجغرافيا، بسبب ارتباط الأردن بحدود طولها 375 كيلومتراً مع سورية، فضلاً عن التعقيدات الأمنية التي سادت طيلة العقد الماضي. ويعتبر الأردن وفق ما يكرر مسؤولوه أنه تحمّل جزءاً كبيراً من أعباء ما حدث بسورية عبر تدفق اللاجئين، وأن المجتمع الدولي لم يقدّم فعلياً الدعم الكافي.

ومهّد العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، في مقابلة مع قناة “سي أن أن” الأميركية يوم الأحد الماضي، لعودة العلاقات بقوله “إن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لديه شرعية والنظام موجود ليبقى”، موضحاً أن “هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائماً ولذلك علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا: هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟”.

وتساءل الملك حول طريقة التحاور مع النظام إذا كانت الإجابة تغيير السلوك، نافياً وجود خطة واضحة إزاء أسلوب الحوار حتى اللحظة، معتبراً أن الدفع باتجاه الحوار بصورة منسقة أفضل من ترك الأمور على ما هي عليه. وأضاف: “أتفهم بالطبع غضب وقلق العديد من الدول إزاء ما حدث للشعب السوري، لكن الإبقاء على الوضع القائم يعني استمرار العنف الذي يدفع ثمنه الشعب السوري”.

وحول إمكانية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، قال: “أعتقد أن الإجابة القصيرة هي أنه لن يتمكن اللاجئون من العودة في أي وقت قريب”، مشيراً إلى الصعوبات التي ستواجههم هناك في حال العودة. ولفت إلى أنه “لو كنت أنا رب أسرة سورية في الأردن وسألني أحد أفراد عائلتي: متى سنعود إلى سورية؟ ما الذي سيعودون إليه حقاً؟”.

وحول علاقات الأردن مع النظام السوري، يرى الكاتب أنيس الخصاونة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “سورية دولة حدودية، وتشكّل نافذة اقتصادية كبيرة للأردن، رضينا أم لا النظام السوري، وموقف الدولة الأردنية لم يكن يوماً مع الطريقة التي تعامل بها النظام السوري مع شعبه”. ويشير إلى أن “الجميع شاهد ما حدث في سورية. أعداد كبيرة من القتلى واستخدام للبراميل المتفجرة. وهذه أعمال لا يمكن الدفاع عنها”، مستدركاً “إن الموقف الأردني يتأثر بالواقع والمواقف الدولية تجاه هذه القضية”. ويضيف “مضى حوالي 10 سنوات على الأحداث في سورية، والنظام ما زال قائماً، رغم أنه لا يسيطر على كل الأراضي السورية”.

ويقول الخصاونة: “قد يكون هناك اختلاف حول العوامل التي ساهمت باستمرار النظام، وهنا يمكن الحديث عن روسيا وإيران وحزب الله، بالإضافة إلى المعادلات الإقليمية المختلفة، لكن النتيجة هي أن النظام باق وموجود وتجاوز المراحل الصعبة، والآتي ليس أصعب مما سبق”. ويرى أن حديث العاهل الأردني حول سورية عقلاني وواقعي، فالنظام مستمر ليس لأنه محبوب، بل لكونه استطاع تجاوز التحديات الصعبة.

ويتطرق إلى الوضع الاقتصادي بالقول إن تحسّنه مرتبط بشكل ما بالانفتاح على سورية وتركيا ولبنان، والقناة البرية لذلك هي سورية، لافتاً إلى أن الإجراءات الحكومية الأخيرة المرتبطة بمعبر جابر (نصيب) متعلقة بهذه الأبعاد الاقتصادية والسياسية. ويبدي اعتقاده بأنه رغم عدم صدور تصريح رسمي، فإن الأردن حصل على استثناء من تطبيق “قانون قيصر” (قانون العقوبات الأميركي المفروض على النظام السوري)، كاشفاً أن الملك أجرى محادثات مع الإدارة الأميركية ومجلس النواب والشيوخ والعديد من المسؤولين، لكن ليس كل ما يناقش في هذه المحادثات يطرح على العلن بشكل صريح ومباشر، ولكن تصريحات العاهل الأردني بمثابة مؤشرات واضحة في هذا السياق.

ويلفت الخصاونة إلى أن ظروف الأردن الاقتصادية تستلزم التعامل مع النظام السوري، تحديداً تلك المتعلقة بدخول الأشخاص وخروجهم وحركة التجارة. ومن الواضح أن الأردن حصل على مرونة في تطبيق “قانون قيصر” على أرض الواقع، ولن يضطر الى تطبيقه بشكل كامل، معتبراً أن العلاقات السياسية تقوم على المصالح، وبالتالي سيكون العالم متفهّماً للعلاقات الأردنية السورية، خصوصاً الإدارة الأميركية.

بدوره يقول الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”: إن التغيرات السياسية التي طرأت على المنطقة، أدت إلى إعادة النظر بالعلاقة السورية الأردنية، مضيفاً أن الأردن يسعى في علاقاته مع دول الجوار إلى أن تكون سورية بلدا آمناً ومستقراً. ويعتبر أن المنطقة غير المستقرة سياسياً ستكون غير مستقرة اقتصادياً، وبالتالي حتى تعود المنطقة إلى طبيعتها فلا بد من الاستقرار السياسي والاقتصادي، وهذا مرتبط أيضاً بسورية، ويعود بالنفع على الأردن الذي يعاني اقتصادياً. وبرأي الطعاني إن “قانون قيصر” أضرّ بالأردن كثيراً، لأن سورية هي بوابة الأردن الاقتصادية، في المقابل يشكّل الأردن البوابة الاقتصادية والسياسية لسورية إلى المجتمع الدولي، مشدّداً على أن الأردن بوابة سياسية مهمة في المنطقة، بعد التطور في العلاقات مع العراق ومصر أخيراً.

ويقول إن الأردن كان في الكثير من الأحيان مظلة سياسية للتطورات في المنطقة، ومن الممكن أن يكون بوابة للتسوية السورية ـ السورية، والسورية ـ العربية، والسورية ـ الدولية. لكن على النظام أن يواكب متطلبات المجتمع الدولي المرتبطة بإجراء إصلاحات داخلية والتركيز على محاربة الفساد.

وحول طرح القضية السورية من قبل العاهل الأردني مع الادارة الأميركية، يشير الطعاني إلى أن الملك نقل تصوره لحل القضية السورية للإدارة الأميركية، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية دائماً ما تتعامل بإيجابية مع ما يطرحه الملك لحل مشاكل المنطقة. ويرجّح أن يكون الملك قد حمل رسالة غير مباشرة من سورية إلى الإدارة الأميركية، مضيفاً أنه في السابق لم يكن هناك أي رسائل أو أي تواصل بين الإدارة الأميركية والنظام السوري، ورسالة الأردن اليوم فحواها أنه لا بد من استقرار الوضع في سورية. ويبدي تصوّره بأن الإدارة الأميركية لديها بوادر تغير في المنطقة، بما فيها سورية، وأن القضية السورية تهم الأردن بشكل كبير جداً، في ظل وجود 1.3 مليون لاجئ سوري يؤثرون عليه بشكل كبير، ومن المهم توفير ظروف العودة الطوعية إلى بلدهم الأم.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى