في الذكرى (44) ليوم الأرض شعلة الحق الفلسطيني تتوقد جيلاً بعد جيل

أيمن أبو هاشم

واظب الشعب الفلسطيني على إحياء ذكرى يوم الأرض دون انقطاع، كأحد الوقائع الملحمية في التاريخ الوطني الفلسطيني، التي سطّرها أصحاب الأرض الشرعيين في الداخل الفلسطيني، عندما انتفض أهالي الجليل والمثلث والنقب في 30 آذار/مارس عام 1976، لمواجهة السياسات الصهيونية المتعاقبة إثر نكبة العام 1948، والتي استهدفت مصادرة الأراضي الفلسطينية والاستيلاء عليها، من خلال إجراءات احتلالية غير قانونية، تقوم على نزع ملكية الأرض من ملّاكها الأصليين، ومنحها بوسائل غاشمة للمستوطنين الجدد، ضمن مخططات التهويد وطمس مقومات الهوية العربية الفلسطينية، التي تشكل جغرافية المكان ركناً جوهرياً فيها.

يشير مفهوم إحياء هذا اليوم الكفاحي المجيد، الذي تعمّد بدماء شهداء وجراح يوم الأرض، إلى تشبث الفلسطينيين جيلاً بعد جيل بحقوقهم الوطنية التاريخية، وإصرارهم الجمعي على أحقية الانتماء إليها، وتأكيدهم الراسخ على التمسك بأراضيهم، والتضحية بأرواحهم دفاعاً عنها. لذلك يشمل إحياء يوم الأرض الفلسطينيين في الداخل المُحتل، واللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة ديارهم، وكل أحرار العرب والعالم الذين يناصرون رواية الحق في مواجهة الباطل الصهيوني.

أربعةٌ وأربعون عاماً، والمعركة على الأرض الفلسطينية تتزايد ضراوةً، في ظل اختلال فاضح في موازين القوى، أدى إلى تمكين الحكومات الصهيونية المتعاقبة، من فرض منطق الابتلاع الممنهج، وقضم الأرض الفلسطينية بعد تفتيتها قطعةً تلو قطعة. إذ كيفما نظرنا إلى ما أمست عليه فلسطين التاريخية اليوم، من تقطيع متمادي لأوصالها، وتآكل غير مسبوق لما تبقى منها، وانتشار سرطان الاستيطان في مختلف بقاعها، فإن هذه الوقائع الدامغة على وحشية الاحتلال وممارساته العدوانية، تؤكد بكل وضوح، أن معركة الدفاع عن وحدة الأرض الفلسطينية، التي أسست لها واقعة يوم الأرض، باتت تُشكل مصدر إلهام كفاحي لعموم الشعب الفلسطيني، ومأثرة حيّة تحرض على الربط الجدلي، بين أولوية دعم مقومات البقاء والصمود في الداخل الفلسطيني، وتفعيل حركة اللاجئين التمسك بحق العودة إلى ديارهم الأصلية.

لا مناص أن تصحيح المسار الوطني الفلسطيني، بعد فشل مسار التسوية، وما ألحقه من نتائج وخيمة على القضية الفلسطينية، يفرض اليوم أكثر من أي وقت مضى، مراجعة وطنية شاملة لكل السياسات الكارثية، التي سوغت للاحتلال ومنحته الوقت والفرص والغطاء، ليواصل حربه الضروس على الأرض الفلسطينية. وهذا المطلب شرط أساسي للتحرر من منطق التنازلات والمفاوضات العقيمة، الذي اقترن باتفاق أوسلو وما تلاه من محطات التراجع والفشل. كما أنه دعوة لا تحتمل التردد، للعمل الجدي على إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، كحركة لاستعادة الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني، وبالضد من كل مشاريع ومحاولات اختزال فلسطين التاريخية، إلى جزء صغير من الوطن الفلسطيني، لم يعد قابلاً حتى لإقامة مشروع دويلة، بعد تجزئة المجزأ بمغارز التجريف والاستيطان .

لا أدل على السقف الذي وضعته الحكومات الصهيونية، فيما يتعلق برؤيتها لأفق الحل النهائي مع الفلسطينيين، من صفقة القرن التي تسوق لها إدارة ترامب، ويكفي أن نتأمل في النسخة المُحدثة من خارطة الدولة الفلسطينية، كما وردت في بنودها المُعلنة، كي نتأكد بلا أدنى شك، أن هذه الصفقة المشؤومة هي من لُدن ” قانون العودة الصهيوني”، وامتداد بغيض لاستمرارية ” قانون أملاك الغائبين ” وهي حلقة خبيثة من حلقات ” قانون القومية اليهودي، ومن شرعنة كل “قوانين تطوير المستوطنات والمصادرة وجدار العزل وتهويد القدس”.

في خضم هذه التحديات الوجودية، التي تستهدف فلسطين أرضاً وشعباً، ومع تفاقم حالة العجز والاستلاب في النظام الرسمي العربي، يغدو لزوماً الربط بين معركة الدفاع عن الأرض الفلسطينية، ومعارك تحرر الشعوب العربية من أنظمة الوكالة والمتاجرة بالقضية الفلسطينية، ما يقتضي إعادة استنهاض وعي شعبي، يتكامل في طاقاته وجهوده، على جبهات الكفاح الوطني، بما يؤدي إلى خلاص الشعوب من كل قوى الاحتلال والطغيان. ليست الأرض الفلسطينية هي المعرضة وحدها للضياع والذوبان، فكل الأوطان العربية مهددة بهذا الخطر، طالما أن الشعوب العربية لاتزال محرومة من ثرواتها ومواردها ومن حقوقها في أرضيها.

من الأقدار أن يأتي الاحتفاء بذكرى يوم الأرض هذا العام، فيما وباء كورونا يخيم على البشرية جمعاء، ولا بد أنه سيؤثر بحكم إجراءات الوقاية والعزل المتخذة على نطاقٍ واسع، على غياب أشكال إحياء ذكرى يوم الأرض في المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات، من خلال الفعاليات الوطنية والشعبية، التي دأب الفلسطينيون على إقامتها في السنوات السابقة. رغم ذلك من الأهمية بمكان، تلك الدعوات التي أطلقتها عدة أطر شعبية وأهلية، لإحياء الذكرى في هذه الظروف الاستثنائية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومن خلال منصات ورسائل الكترونية، تجدد عهد الانتماء لأرض الآباء والأجداد، وتعبّر عن عزيمة الصمود والتحدي، التي تتنامى في نفوس الأجيال الفلسطينية والعربية، رغم كل الخيبات والانكسارات التي ألمت بالقضية الفلسطينية، ومازالت تعيق مسارات الحرية التي اجترحتها الشعوب العربية.

يوم الأرض سيبقى حدثاً وطنياً مفصلياً، يُجسد عدالة الحق الفلسطيني، ويفضح عقلية الاغتصاب التي قامت عليها الحركة الصهيونية، ومناسبة مجيدة لترسيخ قيم الوفاء للأرض، والحفاظ على هويتها، ومواصلة معركة الحرية والعودة بإرادة وطنية حرة تصون الحقوق بأغلى التضحيات. المجد لشهداء يوم الأرض ولكل شهداء الحرية في العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى