ميشيل كيلو..فدائي سوري فلسطيني برتبة ” ابن مخيم ” ….وهو ال..محمود .. ال..صادق….!

محمود خزام

عرفت ميشيل أول خطى عمري نحو الوعي السياسي والفكري والنضالي ..تلك الخطى التي لم تصبر عليّ وغيري من اصدقاء ورفاق عمر تلك المرحلة طويلا. حتى أخذت بيدنا وعقلنا وروحنا بدون تردد او تأتأة نحو ” الرأي ” الجدلي المعارض والمشاركة فيه والتوجه نحو “بوصلة ” التغيير الثوري مهما كان”الثمن” الذي سيترتب علينا ” دفعه ” في ظل وجود نظام دموي لايؤمن سوى بالاعتقال والتصفية والسحق…

كان ذلك منتصف السبيعنيات من القرن الماضي..حين بدأ نظام القاتل الاب بتطبيق سياسة ” أعتقل..اسحل..واقتل ” وكانت ” مجزرة المنظمة الشيوعية العربية ” أول ضحايا تلك السياسة حين أعتقل كل أفراد التنظيم ” الوليد ” ومن ثم اقامة ” محكمة صورية قراقوشية ” برئاسة ” القاضي الجلاد ” فايز النوري ” الذي اصدر حكم ” القاتل الاب ” بإعدام خمسة من خيرة ابناء سوريا وفلسطين وجلهم في مقتبل العمر ومن ” طلاب الجامعة ” ..كان ذلك في الثاني من آب اغسطس – 1975…!

من تلك اللحظة الدموية ادركت قوى المعارضة الوطنية الديمقراطية السورية انها امام ” نظام ” لن تعرف له سوريا شبيها بدمويته ووحشيته على رأي الدكتور والمفكر المعارض جمال الاتاسي الذي سمعته منه شخصيا بحوار له مع السياسي والمفكر البارز ” ابن العم ” رياض الترك وذلك وقت بدء احتدام المواجهة مع النظام أواخر السبيعنيات وبداية تأسيس ” التجمع الوطني الديمقراطي ” المعارض…

في جامعة دمشق وعن طريق عدد من الأصدقاء والرفاق تعرفت عن قرب على

” ميشيل كيلو ” الذي كنت قد تعرفت عليه مسبقا في ” مركز الدراسات ” التابع لحركة – فتح هو ومجموعة مميزة من الكتاب والمفكرين السوريين والفلسطينيين من بينهم الى جانب ميشيل ( الدكتور برهان غليون ..نصر شمالي..ناديا خوست..برهان الدجاني .. عمر كيلاني ” وغيرهم ..

في تلك الفترة كانت سوريا تعيش ” فوق صفيح ساخن “..صحيح ان المواجهة الدموية بين النظام وتنظيم الأخوان بواسطة جناحه العسكري ” الطليعة المقاتلة ” بقيادة مروان حديد قد احتدمت بشكل عنيف لايعرف الرحمة..

الا أن قوى واحزاب المعارضة الوطنية الديمقراطية كانت تعي وتدرك مايدور حولها..

لذلك أخذت زمام المبادرة وبدأت بالتحرك المشترك ” الخجول ” اول الامر ومن ثم أخذت زمام المبادرة على صعيد التحرك بالاتجاه السلمي عن طريق النقابات المهنية وغيرها من التجمعات المهنية وفي المقدمة منها جامعة دمشق وحلب وغيرهما…

هنا بدأ دور ” الفدائي ” ميشيل كيلو وبدأ الفتى ” ابو أيهم ” يكتب ويكتب ” منشورات ..مقالات..” وكنا نتبادلها ونوزعها سرا ” ليلاً ” واحيانا باليد للموثوقين…

والأكثر اهمية من كل ذلك كان اصراره على اقامة المحاضرات المباشرة مع الناس وخاصة منهم الشباب ..

وقتها اشرنا إليه بضرورة إجراء مثل هذه المحاضرات واللقاءات المباشرة في بعض بيوتاتنا في ” مخيم اليرموك ” ..وقد رحب بذلك بكل فرح وسرور..

فهو يعرف اليرموك واهله ومزاجهم السياسي المعارض جيدا ويعرف العديد من ابنائه المنتمين للاحزاب والقوى السورية المعارضة..وقبل ذلك فهو يتحدث بكل فخر عن انتمائه لفلسطين وم.ت.ف وحركة فتح..

وبالفعل أمّنا له العديد من اللقاءات في بعض البيوت التي كنا نقوم بتأمينها جيدا

ولولا حساسية بعض الكثير من هذه البيوتات التي مايزال اهلها هناك في دمشق..لذكرتها بكل فخر واعتزاز…!

بعد اعتقال ميشيل والعديد من قيادات وكوادر احزاب المعارضة وخاصة بعد توزيع بيان التجمع الوطني الديمقراطي بنقاطه الست ..

استشرس النظام الدموي وبدأ حملات من الاعتقالات والمداهمات والملاحقات طاولت المئات من قوى المعارضة..واضطر العشرات للتخفي والتحرك السري..

في العام 1983 وبعد خروج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت..حصل صراع ” فتحاوي ” داخلي ، لم يتأخر طويلا حتى تحول الى عملية ” انشقاق ” تدعمه المخابرات السورية هدفها السيطرة على فتح وم .ت.ف..

وقتها كتب ميشيل مقالته او بيانه الشهير ” صراع في فتح..ام صراع على فتح ” ..الذي وجه الزعيم الراحل ابو عمار بضرورة توزيعه ك ” تعميم ” تنظيمي داخلي داخل صفوف حركة فتح..

وأذكر ان الراحل هاني الحسن عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، اتصل بي أواخر ال 2003 وكانت فتح حينها تعيش ظروف داخلية صعبة طالبا مني الاتصال بميشيل لتأمين ذلك المقال البيان..وبالفعل اتصلت بميشيل وقلت ونقلت له طلب هاني الحسن واجابني بكل حسرة : ” آسف حبيب القلب..لقد اخترقوا جهاز الكمبيوتر خاصتي ودمروا أرشيفي بالكامل ..بلغ اسفي للحبيب الختيار والحبيب ابو طارق ..”..!

بعد مغادرتي سوريا التقيت مع ميشيل في باريس أواخر الثمانينيات..وقتها كان يعيش ظروفا اقتصادية وانسانية صعبة بسبب خلافه مع تنظيم الحزب الشيوعي السوري – المكتب السياسي ” فرع الخارج “..وكان المسؤول عن ادارة التنظيم رفيقي العزيز الراحل عضو اللجنة المركزية بالحزب المرحوم “احمد محفّل “..وهنا لست بصدد الحديث عن الخلاف بين الراحلين…!

المهم أن ميشيل وبسبب هذا الخلاف وتداعياته طلب مني اللقاء على انفراد..

ذهبت إليه وكلي شوق لرؤياه ..عند محطة المترو استقبلني كالأب الحاني..فهو بالنسبة لي معلم ومفكر أثر فيّ كثيرا..اخذني الى بيته ، هالني مارأيت من ظرفه الصعب القاسي..شرح لي الكثير (…) ثم باغتني بالقول : “سأعود الى سوريا..انت أول واحد ابلغه بقراري حبيب القلب”…!

نظر الي وتابع :” لاتتفاجأ ..هذا افضل لي ..النظام وافق بشرط الا أتحدث بالشأن الداخلي بقساوة ..او بمعنى ادق كعادتي المعهودة ..”..!

بقينا سوية اليوم بطوله..تحدثنا بكل شيء..وقبل ان اودعه ..اخذني بحضنه وقال : رفيقي..احرص على نفسك..انت في مكان يكلف غاليا..” يقصد وجودي بمجلة ” النشرة “..خسرنا ميشيل النمري..لانريد ان نخسرك يارفيقي”..!

بالعام 1997 عدنا والتقينا في أثينا.. جاء الى مدينة سالونيك شمال اليونان للمشاركة في لقاء دولي تنظمه الامم المتحدة..وكانت برفقته باحثة سورية عرفت انها ابنة وزير الدفاع السوري ايام حركة الانفصال عن الوحدة مع مصر ..

يومها دار بيني وبينها حديث اشتباكي حاد..وبقي ميشيل طوال الحديث صامتا مبتسما..حتى باغتتني السيدة اللطيفة بالقول : وكأنني أتحدث مع شخص في عز أيام الوحدة..من اين لك هذا الصاحب ياميشيل..؟!

بقي ميشيل عندنا يومين اضافيين تعرف خلالهما على رولا وابننا الوحيد محمود العربي..وتعرف على اوضاعنا الصعبة بعد ان تركت حينها ” وحيدا ” تتقاذفني امواج التخلي والنكران والطعن بالظهر والقلب والوجدان…

قبل ان يغادر أخذ صورة شخصية لوحيدنا محمود العربي ليقدمها هدية لرفيقي ومعلمي ” ابن العم ” رياض الترك..!

بعد عودته الى سوريا قال لي : سابذل كل ما استطعت من جهد كي تعود الى بلدك الى وطننا سوريا..

بقي على تواصل دائم معي يرسل لي كل ماسنحت له الفرصة برسالة عن اوضاع سوريا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية..( جميعها بحوزتي )..

وحين تعمقت علاقته بشقيقي الفنان المسرحي والسينمائي الراحل علي الشهابي اصبح يحدثني اكثر هو والمخرج العزيز النبيل سمير زكرى اطال الله بعمره..عن علي وازمته المستعصية التي انهت حياته باكرا ..!

بعد انطلاقة الثورة السورية العظيمة عدنا وتواصلنا بشكل اعمق واكثر اصرار على المستقبل القادم لسوريا الحلم سوريا الوطن الحر الديمقراطي…

آخر لقاء..كان في باريس بعد مشاركتنا أنا والحبيبة امل حويجة في وداع رفيقتنا وايقونة ثورتنا السورية العظيمة ” ميسكاف “..!

في بيت ميشيل وبحضور الغالية وديعة والحبيب حنا وسيدة سورية مثقفة قادمة من كندا…وعلى مائدة عشاء ” بيتوتي سوري ” رتبته وديعة بمزاجها الحاني الدافي..الذي ساهم بفتح ” شهيتنا ” ليس الاكل وحده بل ” للحكي والبوح ” الدفين الذي عودنا ” اوّل العمر ” عليه ميشيل..

يومها اخرجت مافي جعبتي وعقلي وقلبي من بوح دفين وغير دفين في وجه ميشيل وقلبه وعقله..قلت له وهو يستمع بكل رحابة صدر وقلب وعقل : الثورة في ازمة..والمعارضة البائسة عنوان هذه الازمة…يارفيق نحتاج لمن يقرع ” الجرس “…….. نحن في انتظارك…………

مجد الذكرى لك ايها الفدائي النبيل……

الحرية لسوريا وشعبها العظيم..النصر لثورتها ومشروعها الوطني الديمقراطي..

عاشت سوريا…تحيا فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى