ما الذي يجعل اللبنانيين يسكتون عما يصيبهم من مآس غير مسبوقة بسبب فساد سلطة المحاصصة الطائفية بكافة أطرافها جميعًا دون استثناء؟ هل هو اليأس أم الإحباط أم فشل الأحزاب “الوطنية”، أم تخدير الإعلام شريك السلطة وفسادها؟
ماذا دهاكم وهل بتم تستمرئون الذل والهوان؟! أليست حياتكم وحقوقكم المعيشية؟ أم تنتظرون فرجًا وشفقة ممن هم سبب بلائكم ومصائبكم؟
نعرف أن نسبة 10 بالمئة من اللبنانيين، يدورون حول قوى السلطة، يشكلون أدواتها التنفيذية ومافياتها والمنتفعين منها ومن فسادها و 10 بالمئة ممن يترزقون من المال السياسي الذي تدفعه سلطات أجنبية وإقليمية لمرتزقتها كما ان نسبة 10 بالمئة ممن يتلقون مساعدات تضامنية من أنسبائهم أو أهاليهم المغتربين؟ فماذا يفعل الباقون ولماذا يسكتون وما ينتظرون؟!
اؤلئك الذين يشكلون حوالي 30 بالمئة من اللبنانيين ممن لديهم سيولات مالية بالعملات الأجنبية لن ينتفضوا على إفتراض أنهم غير متأثرين ماديا بالأزمة الخانقة على الرغم من أن تدهور الخدمات العامة وغياب الأمن والأمان وتغييب المؤسسات العامة وإنهاكها لن يوفرهم من تأثيراته المؤذية والمربكة .. أما الباقون أي حوالي الـ70 بالمئة من اللبنانيين يعانون ماليا ومعيشيا وهم أكثر من سرقته السلطة والبنوك وأنهكته بتلاعبها وألاعيبها المخزية المفضوحة..فما هو مبرر سكوتهم حتى الآن فيما حياتهم كل يوم إلى تدهور وتراجع..هذا اللبنان الذي كان مقصدا للحياة الجميلة يموت فيه الأبرياء دونما حماية أو رعاية من أي شكل من أشكال الدولة ؟؟ هذا اللبنان عاد عشرات السنين إلى الوراء ربما قرنا كاملا أو يزيد وناسه قابلون لاهون ساكتون ؟؟ هل ينتظرون الأسوأ؟ هل ينتظرون مثلا إختفاء الكهرباء تماما ؟ علما أن قناديل الكاز حتى ليست متوفرة ..
أيها اللبنانيون، إذا كنتم تنتظرون أحزابا وطنية أو تقدمية او يسارية أو بدون عقيدة أيا كانت؛ فتتحرك للدفاع عن حقوقكم ومصالحكم؛ فلا تأملوا منها شيئا بعد أن أصبحت مرهونة للسلطة وقوى النفوذ الأجنبي الذي يحميها وبعد ان أصبحت رموزها مجرد واجهات متخشبة مرتهنة لمصالحها مرهونة بإرتباطاتها بالأجهزة هنا وهناك؟
يتحدث بعض اللبنانيين بشماتة بسبب سكوت الناس وكأنها راضية بما وصل إليه حالها من تدهور ويقولون أن اللبناني الذي كان يعرف فيما سبق بأنه “عنطوز” و”مفزلك”، فكيف أصبح الآن مستكينا قابلا بأسوا ما يفرض عليه من أسوأ سلطة حكمت لبنان وأسوأ وضع معيشي لم يعرفه منذ قرن على الأقل؟
هل إنقرض ذلك اللبناني المشبع حبا بالحياة وبهجتها فلم يكن يعجبه العجب ويعترض على أي نقص أو مشكلة؟
هل تتغير العقلية بتغير المناخ مثلا أم أنه التطويع الممنهج الذي برعت به وسائل الإعلام الحديثة بكل أجنحتها العنكبوتية وسواها ؛ قد نجح في صناعة وعي مزيف جعل الإنسان طيعا مستكينا قليل التفكير ضئيل الفعالية الوطنية؟
يستشهد الشامتون بظاهرة إمتلاء المطاعم والنوادي والحفلات باللبنانيين فيعتبرون أنها ظاهرة ملفتة في مثل هذا الوضع المتدهور..وفي الحقيقة أن غالبية هؤلاء ممن سرقوا الوطن أو شاركوا السلطة في سرقته وبالتالي فهم ممتلئون ماليا بالمال الفاسد وما يدور حوله وينبثق عنه من سمسرات وصفقات وتهريب وتبييض أموال وما شابه ذلك..هؤلاء لم يتعبوا في تحصيل ما في جيوبهم من مال.. فمالهم ناتج عن سلوكهم الفاسد وليس عن عملهم الشريف ..فلم يتعبوا في الكسب بل أتعبوا الآخرين بنفاقهم وفسادهم..هؤلاء هم من يتنقل من بار الى بار ومن مطعم الى مطعم فيلفتون إلإنتباه فيدفعون للتساؤل: أين الأزمة المعيشية إذن”؟
يضاف الى هؤلاء الذين يعملون في مؤسسات أجنبية أو تأتيهم تحويلات من ذويهم في الخارج بالعملات الصعبة..هؤلاء ليسوا نموذجا وليسوا مثالا واقعيا لحياة اللبنانيين حاليا ..فكل تلك المظاهر وما فيها من بذخ أحيانا وفجور أحيانا أخرى؛ لا تخفي حقيقة أن غالبية اللبنايين يعانون من تدهور خطير في مستوى حياتهم لا بل في نوعيتها أيضا..
هؤلاء هم المعول عليهم في التمرد والإننفاض على الواقع بوجه السلطة المأجورة الفاسدة..
ومما يستعجل الخروج في إنتفاضة شعبية جدية مستمرة هو المصير الوطني المهدد بالضياع برمته..فليست المسالة حياة ومعيشة ومستوى خدمات بل هو المصير الوطني كله..وما الإغفال التام لقضية حقول النفط والغاز في البحر اللبناني وترسيم الحدود وسرقة العدو الإسرائيلي للمياه والنفط والغاز ولا أحد يتكلم أو يطالب لا في الدولة ومؤسساتها ولا في الأحزاب والنقابات ولا في الإعلام..
مصير أجيال بكاملها يضيع تعليميا وتربويا بسبب التسيب وغياب الدولة ومؤسساتها وكل أنواع ممارستها لواجباتها القانونية والدستورية..
لبنان الذي كان مقصد طلاب العلم والثقافة والصحة بات شبه خال من هذا كله.. مصير وطني وريادة علمية وثقافية وبشرية جميعها في مهب رياح التهجير والتيئيس.. بات واضحا أن إنهاك اللبنانيين بمآسيهم الحياتية ليس إلا عرضا لخطر أكبر يضع لبنان بين فكي العدوان الصهيوني والإختراق الإيراني والإقليمي التقسيمي الشعوبي الحاقد..
عندما رفع الأحرار شعار كلن يعني كلن لم يكونوا على خطأ..إن تكامل أدوار أطراف السطلة للإيقاع باللبنانيين والإستمرار بنهج إستحمارهم لتمرير أخطر مصير ينتظرهم ، لا يحتاج إلى دليل إثبات بعد كل الذي جرى ويجرى لمن يريد أن يعي ويفهم.. إذا لم ينتفض اللبنانيون اليوم المتضررون مما يجري فإن مصيرًا أسودًا بإنتظارهم جميعًا.
المصدر: المدار نت