طهران – بغداد- تباينت آراء الخبراء والمحللين العراقيين، بشأن سياسة إيران الجديدة تجاه العراق، عقب فوز إبراهيم رئيسي برئاسة إيران؛ ففي الوقت الذي رأى فيه بعضهم أنه لن يكون هناك تغيير في سياسة طهران، تجاه بغداد، أكد آخرون، أن رئيسي ربما يمثل خيارا محايدا في المرحلة المقبلة بالنسبة للعراق.
إلا أن إشارات صدرت عن رئيسي رسمت بعض مراحل المقبل من الأيام حيال سياسة إيران تجاه العراق فقد تعهد بالسير على نهج الثورة، معتبراً أن فوزه في انتخابات “رسالة” شعبية بضرورة حماية “قيم الثورة”، مؤكدا أن القضايا الإقليمية التي تتبناها بلاده “غير قابلة للتفاوض”.
وخلال مؤتمره الصحفي الأول أول من أمس، بعد فوزه في الانتخابات التي جرت الجمعة الماضي، لم يذكر رئيسي العراق بالاسم، لكنه لمح بشأنه بشكل لم يكن مريحاً بالنسبة للعراقيين.
وقال رئيسي إن الانتخابات “استمرار نهج الخميني، والمضي على درب قاسم سليماني”، فأوحت هذه العبارة وغيرها باستمرار سياسة التدخل الإيرانية في العراق، التي بناها الحرس الثوري، صانع الميليشيات الأول في المنطقة، وهو المرتبط بدوره بمرشد النظام الإيراني، صاحب الكلمة الفصل في السياسة الخارجية.
وأكد الرئيس الجديد أنه لن يقدم “تنازلات” فيما يخص السياسات الإيرانية في المنطقة.
وفور إعلان فوز رئيسي بالانتخابات، السبت الماضي، هنأ الرئيس العراقي برهم صالح نظيره الإيراني بالفوز، لتكون أول تهنئة من رئيس دولة عربية.
وفي مقابل هذه الردود الرسمية، بدت بعض الأوساط السياسية ومنتديات النقاش العراقية غير مكترثة بنتيجة الانتخابات، وما ترتب عليها، وهذا يعود في جزء كبير منه، إلى إزاحة المنافسين الأقوياء، والإبقاء على المتشددين (في المنافسة على الرئاسة الايرانية)، وهو ما جعل نتيجة الانتخابات محسومة سلفا، لدرجة أن رئيسي وصف بـ”مرشح المرشد” الذي عبّد الطريق أمامه في السباق الانتخابي.
الباحث في الشأن العراقي، ياسين طه، يقول: “الانتخابات الإيرانية لم تلق اهتماما واسعا في الأوساط العراقية، نظرا للاعتقاد السائد بأن النتيجة محسومة بعد هندسة طريقة المشاركة للمتنافسين في مجلس صيانة الدستور، ولاعتقاد كثير من العراقيين أن السياسة الإيرانية المتعلقة بالعراق منوطة بفيلق القدس (التابع للحرس الثوري الإيراني)، أكثر من وجه الدولة في إيران والتي يمثلها رئيس الجمهورية في هرم السلطة”.
ويرى طه إن “رئيسي عبارة عن نسخة مصغرة من المرشد خامنئي فهو رجل دين يحمل لقب آية الله ويمثل النهج الثوري في إيران، لذا يمكن أن يكون لانتخابه تداعيات على العلاقات الإيرانية مع محيطه خاصة العراق، الذي يمثل مجالا حيويا وإستراتيجيا لإيران لاعتبارات عديدة”.
الا أن الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، منقذ داغر، له رأي مغاير نسبيا، إذ يقول إن “المنطقة ككل ومنها العراق ربما ستشهد استقرارا نسبيا أفضل من ناحية التدخلات الإيرانية وضبط إيقاعها، وإذا كان هناك عقلاء داخل العملية السياسية فاعتقد أنه ستتوفر لهم فرصة أفضل للتركيز على مطالب الداخل العراقي، وشباب تشرين، ومطالب العراقيين العاديين، لا مطالب إيران ولا أميركا أو أي من دول المنطقة”.
يضيف داغر أن “مثل هذا الرئيس (على علاته) الذي يتوقع أن يضع يديه على الجناحين المتصارعين (الدولة مقابل الثورة) واللذين طفت أصداء معاركهما على السطح خلال السنتين الأخيرتين، قد يكون هو المناسب، لأنه قوي ومدعوم من المرشد، وعندما يكون في السلطة، سيتمكن من عقد اتفاقات سياسية صعبة”.
ويعتقد المحلل العراقي، أن “المنطقة مقبلة على تفاهمات، ستكون في صالح العراق، لكنه لن يمنح العراقيين، ما يطمحون إليه، لكن ربما لن تتعقد الأوضاع، وتصبح أسوأ”.
وتتمثل المخاوف في العراق، من تأثير فوز رئيسي، على عدة ملفات أبرزها؛ الميليشيات المسلحة، والدعم المعنوي والمادي، الذي تحصل عليه من إيران، ومدى التغير الذي قد يحصل بعد فوز رئيسي، وفيما إذا سيزيد هذا الدعم وإطلاق اليد في المنطقة أم لا.
بالإضافة إلى دعم فصائل سياسية متشددة، وإعادة الحرس القديم إلى سدة الحكم، بعد انتخابات أكتوبر المقبلة، عبر دعم شخصيات سياسية موالية لإيران، وهو ما يعني عودة البلاد إلى المربع الأول، وهدم ما تحقق خلال الفترة الأخيرة من توازن في سياسات العراق تجاه المنطقة والمحيط العربي.
رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية، أحمد الياسري، يرى أن “فوز رئيسي سيؤثر بشكل سلبي جدا على الوضع العراقي، لأنه أعاد منصب رئاسة الجمهورية الذي كان يمتلك حلقات في التعامل مع الملف العراقي، إلى الحرس الثوري، مما يعني منحه (الحرس) مساحة أكبر للتحرك والتأثير، وجعل الدور الأكبر لفيلق القدس في الداخل العراقي”.
ويوضح الياسري أن “هذا الفوز سيؤجج اليمين الشيعي، في العراق، وهي الكتل العسكرية التي تتبنى منهجية الحرس الثوري، وفكرة ولاية الفقيه، ما يعني بروزها بشكل أكبر على مستوى السياسة الداخلية”.
وبتعبير الياسري، فإن “المنطقة ستدخل كلها في عهد رئيسي، بوضع جديد، ما يعطي مؤشرات سلبية، بالنسبة للمنطقة العربية، في وقت أعلنت فيه إيران المواجهة مع العالم”.
المصدر: سكاي نيوز/الغد الأردنية