انعقدت الجولة الأولى من المناظرات الرئاسية في إيران، مساء السبت، في أجواء انتخابية ليست كسابقاتها، حيث ما زال يخيّم عليها الفتور، بانتظار ما إن كانت هذه المناظرات ستنجح في تسخين المشهد الانتخابي خلال الأيام المقبلة، وما إن كان يمكنها إحداث مفاجآت غير متوقعة في نتائج الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها يوم 18 من الشهر الحالي، لتخلط حسابات المحافظين الذين يهيمنون على الترشيحات الرئاسية، ومرشحهم الأبرز والأوفر حظاً، إبراهيم رئيسي، حتى الآن، للفوز وانتزاع الرئاسة من التيارين الاعتدالي والإصلاحي بعد استبعاد مرشحين بارزين، أمثال رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، ونائب الرئيس إسحاق جهانغيري، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد.
ويعقد التلفزيون الإيراني ثلاث جولات من المناظرات في الانتخابات الرئاسية الحالية. فبعد الجولة الأولى التي استمرت ثلاث ساعات، ستعقد الجولتان الأخيرتين الثلاثاء والسبت المقبلين.
وشارك في مناظرة أمس المرشحون السبعة الذين منحهم مجلس صيانة الدستور الأهلية لخوض السباق الرئاسي، وهم رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، وعضو مجمع تشخيص مصلحة النظام سعيد جليلي، وأمين المجمع محسن رضائي، ورئيس مركز بحوث البرلمان عليرضا زاكاني، ونائب رئيس البرلمان أمير حسين قاضي زاده هاشمي، ورئيس البنك المركزي عبد الناصر همتي، ومحسن مهر عليزادة، المسؤول السابق في حكومة “الإصلاحات” للرئيس الأسبق محمد خاتمي.
والأسماء الخمسة الأولى تنتمي إلى التيار المحافظ، أما الاثنان الآخران فمن التيار الإصلاحي، لكن ليسا من القيادات البارزة، فضلاً عن أن عبد الناصر همتي، رغم أنه عضو في حزب “كوادر البناء” المنضوي في جبهة الإصلاحات، لكنه ليس معروفاً كشخصية إصلاحية، بل كرجل اقتصاد.
وأعلن التيار الإصلاحي أنه بعد استبعاد مرشحيه المعتمدين من السباق الرئاسي الـ13 الحالي، ليس لديه أي مرشح في هذه الانتخابات، إلا أن ثمة رأياً لا يستبعد تغيير هذا الموقف لمصلحة المرشح همتي، خاصة إذا تمكن من إحداث موجة وحراك لافت في الشارع في مناظراته وحملاته الانتخابية على حساب إبراهيم رئيسي.
وعادة تترك المناظرات الرئاسية في إيران تأثيرات كبيرة في رسم قناعات الناخبين، سواء لجهة دفع أصحاب الأصوات الرمادية إلى التصويت، أو لجهة خلط الحسابات الانتخابية لهذا التيار أو ذاك. لكن حتى الآن لا يبدو أن الجولة الأولى نجحت في إحداث مفاجأة في المشهد الانتخابي الباهت، وسط انتقادات في الفضاء الافتراضي بكونها الأضعف في تاريخ المناظرات الرئاسية الإيرانية.
وكان الاقتصاد محور الجولة الأولى للمناظرات، فجميع المرشحين أعربوا عن عدم رضاهم عن الوضع الراهن، مع الإشارة إلى المشاكل الكبيرة التي تواجهها الدولة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
ولوحظ أنه خلال جولة المناظرة الأولى تجاهل المرشحون أسئلة مقدم برنامج المناظرات مرتضى حيدري، وفتحوا باب السجال والهجوم على بعضهم.
وشهدت المناظرة قطبية ثنائية بين المرشحين المحافظين الخمسة من جهة، والمرشحين الآخرين (همتي ومهرعلي زادة). لكن التلاسن تركز بين همتي والخمسة الآخرين، وخصوصاً المرشحين عليرضا زاكاني ومحسن رضائي.
وأكد رئيس البنك المركزي الإيراني، الذي عُزل من منصبه قبل أسبوع، أن منافسه الوحيد هو رئيسي، متهماً بقية المرشحين المحافظين بأنهم “مرشحو الظل” الذين ترشحوا فقط لدعم رئيسي في المناظرات، قائلاً إنه بشكل منفرد يواجه المرشحين الخمسة.
وحاول همتي جذب الأصوات الرمادية أو من قرر عدم المشاركة في الانتخابات، ليخاطبهم بقوله: “أيها المواطنون، الكثير منكم ليس لديهم ممثلون هنا، وأنتم محقون في اعتراضكم على ذلك، فهل تريدون إظهار هذا الاعتراض من خلال مقاطعة التصويت؟ أنا أرى أن الاعتراض الأكثر تأثيراً هو تغيير الفضاء بأصواتكم. نحن يمكننا من خلال التصويت تسجيل “لا” كبيرة للتهديد الموجه ضد الجمهورية”، وذلك في إشارة إلى مقولة إصلاحية بأن استبعاد معظم المرشحين من السباق شكل تهديداً للبعد الجمهوري للجمهورية الإسلامية.
وأضاف همتي أن “الوضع الاقتصادي في إيران لا يسمح بتحقيق معظم الوعود الجذابة لبقية المرشحين”، متهماً إياهم بـ”ممارسة الكذب في إطلاق الوعود الاقتصادية لتحسين الوضع”.
وعلى الضفة الأخرى، وجه المرشحون المحافظون الخمسة سهام هجماتهم نحو حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي كان همتي يرأس البنك المركزي فيها حتى قبل أسبوع، متهمين الحكومة وهمتي بأنهم مسؤولون عن الوضع الراهن.
وركز المرشحون المحافظون على توجيه انتقادات لاذعة إلى السياسات الاقتصادية للحكومة الحالية التي ستنتهي ولايتها يوم 3 أغسطس/ أب الماضي بعد تسليم السلطة التنفيذية للرئيس الجديد. ووصل السجال بين همتي والمرشحين الخمسة إلى حد أن أكد المرشح المحافظ محسن رضائي أنه إذا ما أصبح رئيساً سيحاكم همتي ومسؤولين آخرين في حكومة روحاني، وسيمنعهم من الخروج من البلاد.
وسلط المرشحون المحافظون الضوء على تراجع العملة الإيرانية إلى مستويات قياسية خلال السنوات الأخيرة، ما أدى إلى انخفاض حاد في القوة الشرائية للمواطن الإيراني.
في المقابل، اتهم رئيس البنك المركزي السابق التيار المحافظ بأنه هو الذي أوصل البلاد إلى هذا الوضع، قائلاً إن البنك المركزي أدار اقتصاد البلاد في ظل انكماش موارد البلاد من النقد الأجنبي خلال السنوات الأخيرة، مضيفاً أنه تراجع من 45 مليار دولار سنوياً إلى 9 مليارات دولار بفعل العقوبات الأميركية.
وأشار إلى عدم موافقة مجمع تشخيص مصلحة النظام على الانضمام إلى مجموعة العمل المالي الدولية المعروفة اختصاراً باسم “فاتف” (FATF)، متهماً المرشح محسن رضائي بعرقلة الانخراط في المجموعة التي وضعت إيران خلال فبراير/ شباط 2020 على القائمة السوداء، إذ إن ذلك، بحسب الحكومة الإيرانية، يضع عقبات أمام العلاقات التجارية الإيرانية مع الخارج، فيما يرى التيار المحافظ أن الانضمام إلى “فاتف” يؤدي إلى اختراق النظام المالي الإيراني.
و”فاتف” هيئة رقابية دولية مقرّها العاصمة الفرنسية باريس، ويهدف عملها إلى مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
من جانبه، طرح المرشح محسن مهر عليزادة، الذي سبق أن تقدم بطلب للإصلاحيين لتبنيه مرشحاً لهم، لكنه لم يتلق رداً بعد، ملاحظات على شهادات رئيسي الدراسية، قائلاً إنه يفتقد الخبرة التنفيذية، ولديه دراسة في الحوزة الدينية، ويمتلك شهادة السادس من الأساسية، وهو ما دفع حملة رئيسي الانتخابية إلى الرد بنشر شهادته الدكتوراه من جامعة “شهيد مطهري” بطهران.
غير أن نشطاء تحفظوا على الشهادة، لكونه أخذها خلال تولي منصب نائب رئيس السلطة القضائية، قبل 8 سنوات، فيما القانون الإيراني يحظر على المسؤولين مواصلة الدراسة خلال ساعات العمل الرسمية.
من جهته، شكك همتي في دكتوراه محسن رضائي في الاقتصاد، متهماً إياه باستدعاء أساتذة الجامعة التي درس فيها إلى مكتبه لأخذ الامتحان منه، لكن أمين مجمع تشخيص مصلحة النظام رفض هذه الاتهامات.
أما إبراهيم رئيسي، فحاول السيطرة على أعصابه والرد على تصريحات همتي ومهر عليزادة بهدوء، مركزاً على انتقاد سياسات حكومة روحاني الاقتصادية. وقال رئيسي، في رده على الاتهامات الموجهة إليه، إن لديه حباً للانتقال من منصب إلى آخر، مشدداً على أنه في رئاسة السلطة القضائية يملك “منصباً قوياً، ولا أسعى إلى المزيد من القوة”.
ومن بين المشاركين في المناظرة، ظهر نائب رئيس البرلمان الإيراني المرشح المحافظ قاضي زادة أكثر اتزاناً وهدوءاً. فعلى الرغم من توجيه انتقادات إلى سياسات الحكومة والبنك المركزي، حاول التركيز على طرح أفكاره الاقتصادية لمعالجة الأزمة الاقتصادية.
كذلك فإن مهرعلي زادة، أيضاً، على الرغم من توجيه انتقادات إلى المرشح رئيسي، والمشاركة في الهجوم عليه، حاول تسويق نفسه كرجل دولة يمتلك خبرات تنفيذية واختصاصات أكاديمية لإنقاذ البلاد من الوضع الاقتصادي الراهن، مشيراً إلى أنه يمتلك برنامجاً للاقتصاد الإيراني.
واعترضت الحكومة الإيرانية، من جهتها، على ما وجه إليها من اتهامات وانتقادات في المناظرة، إذ راسل المتحدث باسمها علي ربيعي، رئيس منظمة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية، علي عسغري، مطالباً بتخصيص وقت لمندوب الحكومة للرد على الاتهامات.
المصدر: العربي الجديد