يكفي أن تكون إنسانًا

د. مخلص الصيادي

هذا هو الشعار الذي بات يجمع الناس كلهم للوقوف مع غزة وفلسطين، ولمواجهة عنصرية وهجمية العدو الصهيوني، يكفي أن تكون انسانا حتى تحدد مكانك وموقعك من هذا الذي يحدث، ليس شرطا أن تكون مسلما، وليس شرطا أن تكون فلسطينيا أو عربيا، يكفي أن تكون أنسانا.
هذا المعنى العميق والحاسم سجلته سيدة بريطانية على شاخصة رفعتها بيدها بينما كانت تحمل على ظهرها طفلها، وهذا المعنى العميق والحاسم يسطر حروف الانتصار للقضية الفلسطينية، لفلسطين كلها، للقدس الشريف، وحي الشيخ جراح، لغزة، لكل الحق الفلسطيني الذي يحاول الكيان الصهيوني أن يطغى عليه ظلما وعدوانا.
نعم لست بحاجة لأن تكون مسلما حتى تكون مع فلسطين، يكفي أن تكون انسانا، وبمفهوم المخالفة فإن عدم وقوفك مع غزة ومع فلسطين بدعوى السلامة أو لأي سبب آخر، يعني أنك لست إنسانا، أما وقوفك مع الكيان الصهيوني وعنصريته  وعدوانيته  فهذا يعني أنك شيء آخر بكل الصفات والمعاني.
أما إذا كنت عربيا، وأما اذا كنت مسلما، فالأمر لا يقف عند مطالبتك بالوقوف مع غزة ومع فلسطين، وإنما بالوقوف مع نفسك وواجبك والتزامك الذاتي والوطني والقومي والديني، فأنت حين تقف مع فلسطين ، مع القدس والضفة وغزة ، فإنك تدافع عن نفسك، قبل أن تدافع عن شعب فلسطين، وأنت تنصر نفسك قبل أن تنصر شعب فلسطين، وبمفهوم المخالفة أيضا فإنك إن لم تفعل ذلك تكون قد خذلت نفسك وخنت وطنتك وأمتك ودينك.

من الموقع الإنساني يجب أن ندين بأقوى العبارات موقف الدول التي لم تجد في مواجهة جرائم الاحتلال في القدس المحتلة، وقصفه الاجرامي لغزة غير الدعوة الى التهدئة، مع تحميل المقاومة المسؤولية عن هذا العنف”، بدعوى قصفها أهدافا إسرائيليا، بعد شهر من عربدة قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين في القدس والمسجد الأقصى، وفي حي الشيخ جراح وهم  يحاولون الاستيلاء عليه وتهجير سكانه، أبناءه باعتبار ذلك خطوة على طريق محاصرة المسجد الأقصى.
ويأتي في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة التي تحرص دائما على تجلية موقفها الثابت بالانتصار لهذا الكيان دون النظر إلى ما يرتكبه من جرائم، وإلى عدوانيته على القوانين والقرارات الدولية، التي كانت هي مؤيدة لها حين صدورها ومن هذه القوانين: اعتبار القدس والضفة الغربية أراض محتلة، وعدم جواز نقل البعثات الدبلوماسية اليها، واعتبار الجولان السورية أرضا محتلة، واعتبار المستوطنات كلها دون استثناء غير شرعية …. الخ.
وكذلك تصديها لتفعيل قرارات وبيانات منظمات حقوق الانسان وآخرها تقرير هيومن  رايتس في 27 / 4 / 2021 الذي  أكد ارتكاب “إسرائيل كسلطة احتلال” جرائم حرب تشمل الفصل العنصري والاضطهاد ضد الفلسطينيين، مسترجعة بذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهير  رقم 3379 الذي اعتمد في 10 نوفمبر 1975 الذي وسم الصهيونية باعتبارها شكلا من “أشكال العنصرية والتمييز العنصري  وأوجب التصدي له”. هذا الموقف الأمريكي الثابت والمتكرر على اختلاف الإدارات الأمريكية مما يجب التصدي له ومواجهته، وبناء جبهة نضال إنساني ضده، وضد أمثاله.
هذا من الموقع الإنساني، أما من الموقع العربي والمسلم فإن المواجهة يجب أن تكون أكثر حسما، لأن في هذه المواجهة  حماية للنفس والوطن والأمة والدين.
الإدانة للمتهاونين والمتعاونين والمطبعين مع الكيان الصهيوني لا تكفي، وإصدار بيان الشجب الروتينية المملة لا يعني شيء، ولا يجوز أن يقبل وسيلة لستر عورات هؤلاء، فأقل ما هو مطلوب من أمثال هؤلاء قطع كل علاقة من الكيان، ورمي كل المبررات الواهية التي اتخذت ذريعة لإقامة مثل هذه العلاقات، والتنحي عن محاصرة الشعب الفلسطيني والشعب العربي حتى يستعيد تواصله الطبيعي، فتستعيد بذلك الأمة لحمتها وعافيتها، وإذا تحقق هذا فإن شعوب أمتنا قادرة على أن تمد الجهاد الفلسطيني بمدد لا ينقطع، وعناصر قوة مادية وبشرية ومعنوية لا تنضب.
عظمة المواجهة الشعبية التي تفتحت في القدس وحول المسجد الأقصى، وصلابة الاندفاعة الجهادية التي أبدتها المقاومة المسلحة عبر غزة، وعظم التضحية التي قدمها ويقدمها الشعب الفلسطيني في غزة وهو يتصدى للاعتداءات الإسرائيلية الهمجية، أنه أعاد صوغ معادلة الصراع على الساحة الفلسطينية على نحو صحيح ودقيق، بعد أن كاد يتوه في دهاليز التنازلات والتسويات المذلة.
وبات خط ” القدس ـ غزة” هو خط الحركة والمقاومة والفعل الوطني، وبات هذا الخط هو المعيار للإنسانية، والوطنية والقومية، وهي المعيار لصدق الايمان بالله ورسالاته.
وبات هذا الخط هو الذي يرسم أفق الوحدة الوطنية الفلسطينية وإمكانية تحقيقها بعد أن استعصى تحقيقها طوال الفترة الماضية، وهو بذلك يكون قد أسقط خط أوسلو، والتنسيق الأمني مع العدو، ومجمل الخطط والأفكار التي كانت تبحث في تنازلات لإرضاء شهية الاستيطان والاغتصاب المسيطرة على الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب.
أرأيتم أعظم وأجدى من هذا الاحتفال الفلسطيني بشهر رمضان المبارك من أوله وعند منتصفه وفي آخرة.
التحية للقدس الشريف، لرجالاته ونسائه وأطفاله، الذي يمسحون بأيديهم الطاهرة الذل الذي لوث به النظام العربي جبين أمتنا.
التحية لغزة المباركة، غزة المقاومة والشعب، التي تصر بما تقدم من شهداء وبما اكتسبته من قدرة على مواجهة الحصار بكل أشكاله، على تأكيد أنها والقدس على طريق واحدة، وأن كرامة الأمة تمر عبر هذا الطريق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى