مشروعات أميركية جديدة في المشرق العربي .. لماذا وكيف؟

سيّار الجميل

ليس هناك أيّ تفسير أميركي بشأن ما يطرح من مشروعات تخّص العالم أجمع، ولكن ثلاثة مشروعات كبرى تتصل بمنطقتنا العربية بشكل أساسي تعمل كي تنزع مشكلات قديمة، لتزرع بدلا منها مشروعات جديدة تثير مشكلات أكبر وأعمق بطبيعة الحال، فواحدها أخطر من الآخر. وعلى الرغم من تكريس هذه “المشروعات” الثلاثة في منطقتنا، التي تشمل العراق وبلاد الشام أساساً، إلا أن لها تأثيراتها في العالم كلّه، أو أنها وجدت تنفيذاً للمصالح التي سيكون عليها العالم في النصف الأول من هذا القرن. وليست هذه “المشروعات” صهيونية، وإنما أميركية تصبّ في مصلحة إسرائيل التي كانت ولا تزال في خدمة تلك المشروعات الأميركية في العالم.
يأتي مشروع “الإبراهيمية الجديدة” كي يقوم بإحياء فكرة قام بها من قبل جمال الدين الأفغاني، ولم تلق أي استجابة قبل أكثر من قرن! جمع الأديان السماوية الثلاثة في محفل واحد تحت غطاء الإبراهيمية الجديدة خدعة كبرى لبعض الساذجين، كما اتخاذ العراق كعبة لها، كون أصل أبي الأنبياء إبراهيم من العراق. وعلى الرغم من اعتراف الأديان السماوية الثلاثة بإبراهيم، إلا أن هذا “المشروع” سياسي، وكانت زيارة البابا فرنسيس إلى العراق، في مارس/ آذار الماضي، جزءا منه، فقد صلّى في قدّاس مسيحي في صحراء أور، إذ لا يعرف مطلقا بوجود معبد أو ضريح أو أي رمز يوحي بالإبراهيمية الجديدة، وسط مباركة السذج أو الضالعين، ناهيكم عن أن الأديان السماوية الثلاثة يختلف واحدها عن الآخر في فهم ما جاء في كل واحد منها عن إبراهيم. ألا ترون أن “للمشروع” سذاجته لسحب رمز مختلف عليه، وجعله وسيلة لحل مشكلات العصر ومعضلاته في منطقتنا العربية؟
ولنبقى في إطار البحث عن الذي يكمن وراء هذا المشروع، والتفكير بإحياء الأساطير اليوم. والأمر الآخر: لماذا تندرج مشروعاتٌ أخرى وبرامج وزيارات شخصيات مهمة، مثل بابا الفاتيكان، لتعزيز مثل هذا “المشروع”؟ وما النتائج التي تأمل أميركا أن تتاح لها؟ من يصفّق لمثل هذا “المشروع” كون إبراهيم أبو الأنبياء، ولأنه يريد أن يكون في اصطفاف واحد بين أبناء الأديان الثلاثة، ساذج وقاصر الفهم، ويقدّم خدمة غير منظورة لهذا المشروع وأصحابه! وثمّة تفاصيل عن نشأة “المشروع” وتبلوره وأهدافه، وربما كانت هناك ثمّة أهداف أخرى غير منظورة في المستقبل المنظور، وهي تصبّ في مشروع آخر، يقع في إطار الحرب الباردة بين أميركا والصين اليوم.
وينقسم الشرق الأوسط أيضاً حيال مشروع آخر، هو “طريق الحرير”. وربما كان الأتراك والإيرانيون أذكى من العرب في فهم طبيعة الصراع حوله بين الشرق والغرب. ومن المعروف أيضا أن بوابته العربية أيضاً هي العراق الذي تتجاذبه كلّ الأطراف. وبالتزامن مع صعود الاقتصاد الصيني، أصبحت السياسة الخارجية للصين أكثر حزماً من أي وقت في الماضي، لتحقيق وعد “الحلم الصيني”، فأوجدت مشاريعها الجديدة بواسطة “طريق الحرير الجديد”، برا وبحرا، فصلًا جديدًا من علاقات الصين مع مجتمعاتٍ دولية. ومع ذلك، تمثل أجندة الصين الخفية خطرا جديدا، والتحدّيات التي تواجهها في تحقيق أهدافها، وكيفية استجابة المجتمعات الدوليّة للسياسة الخارجية الصينية المتزايدة، والتي لم تتم مناقشتها بحثيا بعد على نطاق واسع في العلاقات الدولية. وهنا يدعو هذا المقال إلى تحديد “البحث” بشكل معمّق نظريا وتطبيقيا، وتسليط الضوء على أهمية فهم سياق تحولات الصين الاستراتيجية في عصر شي جين بينغ، ومعرفة ما الذي تريده بالضبط.
تراقب الصين التطورات الحاصلة في العراق وسورية بعين سياسية وأخرى اقتصادية، وتتأهب لبدء سباق إعادة الإعمار لتأذن لشركاتها العملاقة، كما هو تنّينها، الرمز المحبّب للشعب الصيني وحكومته، للانطلاق في رحلة استثماراتٍ كبرى نحو بلدين مزّقتهما الحروب، ساعيةً إلى كسب صفقات إعادة الإعمار من بوابة طريق الحرير. وقد فشلت صفقة رئيس وزراء العراق السابق عادل عبد المهدي مع الصين، ولكن بشار الأسد رحّب بالصين ترحيباً مبالغاً فيه. وكلّ من العراق وسورية يدوران معا في فلك إيران إقليمياً. المشكلة أن العرب لم يستوعبوا بعد متغيرّات العالم لكي يحددّوا لهم موقفاً جماعياً حيال خروجهم من عنق الزجاجة أولاً، وموازنتهم في الاستجابة للتحديّات، بعيدا عن إيران وأجندتها الإقليمية ثانياً. وليدركوا أن للصراع الإقليمي علاقة مباشرة بالصراع الدولي القائم والذي تقوده الولايات المتحدة منذ سنوات، من دون أن تعلن عن أهدافها.
المشروع الثالث، عودة اللاجئين ليس إلى فلسطين، بل إلى الأرض الإبراهيمية، فهو مشروع أميركي، تنضم إليه دول كثيرة، ولكنه مرتبط أيضا بمشروع سمّي “الوطن البديل”، الذي ترفضه القيادة الأردنية رفضا قاطعا، كونها تعلم أن ثمنه هو عرش الأردن أولا، وأنه سينهي حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه التاريخية والوطنية ثانيا. يريد الأردن، في محنته اليوم، أن يتوكأ على كلّ من يساعده للخروج من المأزق الذي حشر فيه من أجل إرضاء إسرائيل. ولا يمكن للأردن الاعتماد على إيران، كون الأخيرة جعلت من العراق وسورية مجرّد تابعين لسياستها في المنطقة مع التنسيق مع حزب الله اللبناني، وما يهمها أولا وأخيرا مد نفوذها تحت مسمّيات شتى.. مع الاقتصاد المترنح والتحدّيات الجديدة في المنطقة، ينبغي التحذير من أن كبار المسؤولين العرب في السلطة لا يرقون إلى مستوى التحدّيات الحالية.
لن تتوقف القوى السياسية عن الحديث عن “الوطن البديل”، بسبب المصالح السياسية الضيقة. ويرقص بعضهم على إحداث فجوة الثقة بين الحكومة والشعب التي يأملون أن تأخذ في الاتساع بمعدل ينذر بالخطر، أو الرهان على انقسام البيت الهاشمي الحاكم، لتتمّ الضربة القاضية عليه، علماً أن شرائح واسعة جداً من مجتمعاتنا باتت لا تثق ألبتة في الحكومات، ولا تثق بالمؤسسات، فما الذي سيرسمه لنا المستقبل المنظور؟ دعوة متواضعة إلى التأمل.

 

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى