بدأ تاريخه معارضًا في حزب الدعوة وانتهى عميلًا للسي آي إي!
يعلم المتابعون للشأن العراقي أن كل من ساعد الاميركيين في غزوهم للعراق عام 2003 ولو بوظيفة مترجم، ردوا له الاحسان بأحسن منه، ومنحوه الحصانة ، وضمنوا له ، الصعود الى اعلى مناصب السلطة في بغداد ، حتى ولو كانت مؤهلاته لا تؤهله . والدليل على ذلك رئيس البرلمان العراقي الحالي محمد الحلبوسي الذي عمل مترجما للأميركيين فوصل للرئاسة الثانية في الدولة بفضل خدمته للغزاة . وها هو الدليل يتكرر مع ترشيح عدنان الزرفي للرئاسة الثالثة ، رئاسة الحكومة !
طبعا هذا الأمر يتساوى مع منهج الغزاة الايرانيين أيضا، والجميع يعلم أن إيران تكافىء حلفاءها واعوانها في العراق بالمناصب العليا ليواصلوا خدماتهم لها ، حسب الطلب . هذا التشابه في سلوك الغزاة نمطي ومعتاد منذ قديم الزمان , ويطبق اليوم في العراق ، بتفاهم الطرفين ، لأن المصالح ما زالت الى اليوم متقاطعة بينهما ، وتتم وفق قاعدة ثابتة : إذا كان المرشح لرئاسة المنصب عميلا للأميركيين ، فلا بد أن توافق ايران عليه ، أو على الأقل ألا تعترض عليه ، والعكس بالعكس ، فإذا كان المرشح عميلا لايران ، فلا بد أن يوافق عليه الاميركيون ، أو على الأقل ألا يعترضوا عليه .
عادل عبد المهدي ، رئيس الوزراء السابق كان مرشح ايران ، ولم يعترض عليه الاميركيون في حينه ، والمرشح الحالي عدنان الزرفي ، أميركي فاقع ، ولا بد أن توافق عليه ايران حتى يمر الى المنصب .
عدنان الزرفي ، شيعي طبعا , وكنه أميركي يحمل الجنسية الأميركية وعاش عشر سنوات في اميركا ، وعاد مع دباباتها للعراق ، عمل مترجما مع قواتها مثله مثل الحلبوسي ، ثم أصبح مقاتلا شرسا ( كاوبوي ) لحسابها ، ضد الإيرانيين وعملائهم ، وهذا هو مؤهله الرئيسي ، فهو لم يتلق تعليما عاليا في حياته !
وعلينا أن نلاحظ أن أولى ردود الفعل على ترشيحه ، صدرت من أهالي النجف التي ينتمي لها الزرفي ، والمدينة التي حكمها أكثر من 12 سنة محافظا لها ، حاكما بأمره ، مطلق الصلاحيات ، فكتب أحدهم على وسائط التواصل الاجتماعي ( أإلى هذا الحد عقم العراق بالشرفاء والاكفاء ؟! ) وكتب آخر ( اختيار الزرفي مفاجأة المفاجآت ، لا بد أن التاريخ غائب) !
منذ ستة شهور والبحث جار عن مرشح غير حزبي وغير متهم بالفساد والعمالة للخارج ويتميز بالكفاءة ويقبله الشارع ، ولكن الجهود فشلت بسبب تعسر التفاهم بين الدولتين الوصيتين . كانت آخر المحاولات انتهت ليلة الاثنين 16 مارس ، وأعلن عن فشل زعماء الكتل الشيعية على الاتفاق على مرشح يتفق عليه زعماء المكون الشيعي . وفي الواحدة ليلا أعلن عن تكليف رئيس الجمهورية ( الموالي للولايات المتحدة ) لعدنان الزرفي رئيس ما يسمى حركة الوفاء التي لها نائبان فقط في البرلمان ، أحدهما الزرفي .
هذا يعني أن فشل الكتل الشيعية للمرة الثالثة منذ استقالة عادل عبد المهدي فتح الطريق لرئيس الجمهورية برهم صالح ليرشح من يختاره دون التشاور مع كتل البرلمان الكبرى . وبناء على هذا الحق الدستوري جاء اختيار الزرفي الذي لا يحظى بتأييد الكتل المحسوبة على ايران ، ويعني أن الترشيح تم بإيحاء من الاميركيين بعد فشل الموالين لايران ، وفقا للقاعدة السارية المفعول .
السجل الشخصي والسياسي للمرشح وماضيه يدعمان علاقته بالولايات المتحدة . فالزرفي كان ينتمي لحزب الدعوة ومعتقلا في سجون النظام ، وهرب منه ومن العراق عام 1991 بعد ما يسميه الايرانيون ( الانتفاضة الشعبانية ) التي حدثت في البصرة بعد هزيمة الجيش العراقي في الحرب أمام التحالف الدولي ، وثبت أنها كانت بتدبير المخابرات الايرانية ، لجأ الزرفي الى السعودية ، فوضعته هذه مع غيره في معسكر للاجئين العراقيين ، فقتل أحد اللاجئين أيضا ، وظهر بعدها فجأة في اميركا عام 1993 وظل فيها الى أن عاد الى العراق مع الدبابات الاميركية ، وعمل مترجما للمحتلين لأنه تعلم وأتقن الانجليزية خلال عشريته في اميركا .
تبوأ الزرفي المحارب القديم في حزب الدعوة منصب محافظ النجف ثاني أهم محافظة بعد بغداد ، بفضل مكانتها الدينية ، ومواردها الهائلة . ومن هذا الموقع أمسك بميزانية كبيرة ، وأدار المحافظة كما لو أنه الحاكم بأمر الله ، فشارك كل مستثمر أجنبي ، أو عراقي في مشاريعهم بحصص ثابتة ، اضافة لنهبه الذي ذاع صيته للميزانيات الحكومية . ويكفي أن يضع الباحث عن خلفيته اسمه على محرك البحث غوغل حتى تفاجئه آلاف القصص التي كتبها أبناء النجف والعراق عن فساده وسرقاته وجرائمه ، إذ اتهمه خصومه بإنشاء جهاز استخبارت خاص به ، لمراقبة اعدائه السياسيين والاقتصاديين ، وتمتع بحماية اميركية تامة طول مسيرته . وكان خصما عنيدا لنوري المالكي ومقتدى الصدر , وبقية الجماعات الايرانية ، وشارك في مقاتلة قوات الصدر التي قاتلت الاميركيين ، ويقال إنه مسؤول عن كثير من المعارك وعمليات القتل والنسف التي حدثت في النجف ، وكان قريبا ومؤيد لإياد العلاوي . ويعتقد أنه يحظى الآن بدعم أصدقاء اميركا من الكرد والعرب السنة والتركمان المعادين لإيران ، وله علاقات عميقة مع الأتراك .
ويسود اعتقاد أن أطرافا كثيرة عملت على افشال الاتفاق بين الشيعة على رئيس وزراء منهم ، للوصول الى مرشح ( كاوبوي) ! لأن الولايات المتحدة تريد تعزيز مواقعها الآن لمواجهة التصعيد الايراني ، دون أن يتجاوز الطرفان القاعدة السارية المفعول بينهما منذ 17 سنة ، فزيارة علي الشمخاني الى بغداد قبل اسبوعين حملت حسب مصادر عراقية عديدة رسالة ايجابية لأي مرشح أميركي لا يهدد النفوذ الايراني ، قصد بها طمأنة الأميركيين وتهدئة التوتر معها.
ومع أن قادة الطبقة السياسية وضعوا في الفترة الاخيرة شرط ألا يكون المرشح لرئاسة الوزراء حاملا جنسية غربية ، فإن تكليف الزرفي المزدوج الجنسية يثبت امكان تجاوز كل القوانين والتفاهمات ، فهو يحمل الجنسية الاميركية وعمل مع قواتها ومع أجهزتها الأمنية ( ويؤكد كثيرون عمالته السافرة للسي آي إي ) ويحتمي بمظلتها ودعمها التام، وله شقيقان ، عماد ومازن ، يحملان الجنسية الاميركية ، وعاشا في اميركا سنين طويلة ، وكلاهما تورطا في جرائم اختلاس واحتيال بالملايين وتعرضا للملاحقة القضائية !
في العراق ليس مهما أن تكون وطنيا، وليس مهما أن تكون مؤهلا وكفؤا , إذ يكفي أن تكون لصاً وعميلاً لايران أو أميركا حتى تصل الى رأس السلطة . فاللصوص مهما اختلفوا سياسياً يستطيعون التفاهم واقتسام المحاصصات والمناصب!
المصدر: مجلة الشراع اللبنانية