مع تزايد حدة الصراع الأميركي- الإيراني، في العراق، يبدو أن أبرز ما يعقد مشهد إمرار عدنان الزرفي في البرلمان هو علاقته بالولايات المتحدة الأميركية، إذ تتمسك الكتل الشيعية القريبة من طهران، بالاعتراض عليه مطالبة باستبداله وتكليف شخصية أخرى، فيما عدت التكليف تجاوزاً على استحقاقها في ترشيح شخصية للمنصب.
ويبدو أن مخاوف القوى القريبة من إيران من وصول الزرفي إلى منصب رئيس الوزراء تتمحور حول كون المنصب يلعب الدور الرئيس في تحديد علاقات العراق الخارجية وموقفه من الصراع الأميركي- الإيراني. ما قد يشكّل مأزقاً كبيراً بالنسبة إليها، خصوصاً مع مواقف الزرفي السابقة المناهضة للفصائل المسلحة، فضلاً عن إعلانه نيته استعادة ثقة المجتمع الدولي بالعراق.
صراع غير محسوم
تقود الجبهة الرافضة تكليف الزرفي صراعاً محموماً منذ أيام لدفعه إلى التخلي عن هذا التكليف، وقد وصفته أطراف عدة من القوى الموالية لطهران بأنه “صنيعة أميركية”، فضلاً عن أوصاف أخرى كان أبرزها أنه “جوكري” كناية بالأوصاف التي أطلقتها تلك الجبهة على عدد من المحتجين العراقيين، فيما هددوا بكشف قضايا “فساد” تورط بها الزرفي.
فيما عد ائتلاف “النصر” بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي حراك الأطراف الشيعية الرامي إلى استبدال الزرفي، بأنه “غير قانوني”.
في السياق ذاته، تشير تسريبات إلى أن تلك القوى تسعى إلى إدامة حكومة عادل عبد المهدي أطول فترة ممكنة، مستغلة أزمة انتشار فيروس كورونا، إلا أن هذا الخيار قد يواجه برفض واسع على المستوى الشعبي والسياسي.
ولم تحسم حتى الآن حظوظ الزرفي بنيل ثقة البرلمان، ففي حين يسعى الفريق السياسي المقرّب من إيران إلى إفشال نيله للثقة، معتمداً على تأثير تحالف “الفتح” بزعامة هادي العامري فضلاً عن كتلة “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، وكتلة “عطاء” بزعامة فالح الفياض، لم يبد زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أي اعتراض عليه، فضلاً عن دعم ائتلاف “النصر” الذي ينتمي إليه الزرفي. فيما ينتظر زعيم تيار “الحكمة”، عمار الحكيم، نتائج المفاوضات بين الكتل. أما بالنسبة إلى الأطراف الأخرى خارج البيت الشيعي، فلم تصدر حتى الآن اعتراضات واضحة من قبل الكتل السنية والكردية.
“جوكر غير نزيه”
إلى ذلك، اتهم النائب عن تحالف “الفتح” كريم المحمداوي، في تصريحات صحافية الزرفي، بأنه “أميركي بحت وهو الجوكر الأميركي، وله تأثير في خراب العراق، وتبنى الجوكرية في ساحات التظاهرات”.
أضاف “لهذا السبب، هناك معارضة سياسية شيعية ضد الزرفي، ولا يمكن تمرير حكومته، خصوصاً مع وجود هذه المعارضة، التي لها تأثير في القوى السنية والكردية”.
وأشار إلى أن “الأسباب الأخرى التي تدفع إلى رفض الزرفي، أنه شخصية غير نزيهة ومثيرة للجدل، ويواجه معارضة إقليمية، فمهما حاول لن ينال ثقة البرلمان العراقي”.
الزرفي يرد
في غضون ذلك، كشف الزرفي عن أولويات عدة سترتكز عليها حكومته في حال مررت في البرلمان، وأبرزها “استعادة ثقة المجتمع الدولي ومحاسبة قتلة المتظاهرين”. فيما أبدى حرصه على اشتراك جميع القوى السياسية في حكومته.
ورد الزرفي، في حديث مع عدد من الإعلاميين، على مقولة أنه خيار أميركي، بالقول “إنني خيار عراقي أولاً وأخيراً”. ورفض المنطق الذي يخوّن كل من “اضطر في فترة من حياته إلى الذهاب إلى هذا البلد أو ذاك… فإن هذا منطق لا يقبله العقل”.
يضيف “ما يهمني بالدرجة الأولى هو بناء علاقات متوازنة مع جميع دول المنطقة، سواء كانت عربية حيث أن محيط العراق هو عربي، أم إسلامية حيث أن محيط العراق هو إسلامي أيضاً، إضافة إلى إقامة علاقات متوازنة مع القوى الدولية على قاعدة المصالح المشتركة مع أولوية لمصالحنا الوطنية”.
يتابع أن “برنامجي الحكومي مختصر طبقاً للتحديات الأساسية التي نواجهها، وهي التحدي الخارجي بما في ذلك مجلس الأمن والتحالف الدولي، إذ إن الموقف من العراق يبدو سلبياً، وربما نتعرض إلى عقوبات ما لم نأخذ ذلك في الاعتبار”.
ازدواجية لم تعد مقبولة
في السياق، يقول الكاتب أحمد الشريفي إن “الازدواجية السابقة بين مجاملة أميركا وإيران لم تعد مقبولة ويجب تحديد المواقف، لذلك يطرح الزرفي موقفاً واضحاً بالاقتراب من الغرب وتعزيز العلاقة مع أميركا وجعلها في معيار المصالح المتبادلة”.
يضيف لـ”اندبندنت عربية”، “هذا الاقتراب من الغرب سيخلق له حالة اشتباك مع القوى الراغبة في تقوية النفوذ الإيراني”، مبيناً أن “تلك القوى لن تنجح في إفشال الزرفي والاحتمال الأكبر هو أن يمر”.
ويلفت إلى أن “إيران تتمسك بالعراق، لكنها تدرك حقيقة خسارتها الميدان الاجتماعي وفي طريقها لخسارة الميدان السياسي، وتخشى من الخسارة الاجمالية”، مردفاً “ستبقي إيران على نوع من الحوار لإبرام صفقة”.
يتابع أن “القوى القريبة من إيران قد تمضي في اتجاه التصويت على الزرفي شريطة الحصول على حصص وزارية”.
انهيار التأثير الإيراني
من جانبه، يرى الكاتب والإعلامي فلاح الذهبي أن “قبل هذه الفترة عندما كانت إيران أكثر نفوذاً والقوى القريبة منها كانت مسترخية اقتصادياً وتمتلك سطوة على مفاصل الدولة كان بالإمكان التأثير في الخيارات السياسية، لكن انهيار قوتها وقوة حلفائها يجعلها لا تملك قدرة إملاء الخيارات السياسية”.
يضيف لـ”اندبندنت عربية”، “انتشار فيروس كورونا والظرف الاقتصادي واحتمال عدم قدرة الدولة على الإيفاء برواتب الموظفين، أمور خلقت نقمة شعبية أكبر على هذه القوى وباتت خياراتها ضئيلة”.
ويرجح أن تسمح القوى القريبة من طهران بإمرار الزرفي إذا قدّم ضمانات بعدم “ملاحقتهم قانونياً وإعطائهم بعض المناصب”، لافتاً إلى أن “الزرفي سيكون مرناً في هذا الجانب كي يتمكن من الانسحاب من تلك التعهدات”.
ويرى أن “لا خيارات حقيقية متاحة أمام القوى القريبة من طهران سوى استخدام الصواريخ والعنف وهذا الخيار سيقلب الشارع عليهم بشكل أكبر”.
ويشير إلى أن “الإشكال المركّب الذي وقعت فيه تلك القوى هو أنها أمام خيارين، إمرار الزرفي أو ذهاب السلطة إلى رئيس الجمهورية” (برهم صالح)، لافتاً إلى أن “تلك القوى تعوّل على انسحاب الزرفي من التكليف للضغط على رئيس الجمهورية لتكليف شخص آخر قريب منهم”.
نكسة
أما الكاتب والإعلامي جبّار المشهداني، فيعتقد أن “تكليف الزرفي شكّل نكسة سياسية كبيرة للقوى الموالية لطهران، وكانت غايتها المماطلة للإبقاء على عبد المهدي لأنها رغبة إيرانية”.
ويضيف لـ”اندبندنت عربية”، “إذا نجحوا في إفشال مهمة الزرفي سيكون خيارهم الوحيد المتاح عبد المهدي، مستغلين ظرف البلاد الحالي نتيجة انتشار فيروس كورونا”.
ويشير إلى أن “الميليشيات الرافضة تكليف الزرفي لا تمتلك خيارات كثيرة، وربما تلجأ إلى اغتياله سياسياً أو من خلال التصفية الجسدية”، مبيناً أن “التهديدات السابقة قبل تكليفه كانت واضحة”.
وانقضى نحو أسبوع على مهلة تشكيل الحكومة البالغة شهراً كاملاً، في وقت تعيش البلاد أزمة مركبة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، على وقع الانتشار الكبير لفيروس كورونا عالمياً.
المصدر: اندبندنت عربية