معتقلات ليست كالمعتقلات لا من حيث روادها ولا من حيث جلاديها تسع سنوات مرت ومازالت معتقلات القتلة في دمشق تعج بالأحرار والحرائر الذين ذاقوا كل أنواع العذاب وبكل أشكاله وطرقه وأساليبه لم يتبقى طريقة لإهانة الإنسان إلا واستخدموها ولم يتبقى طريقة لكسر إرادة الأحرار إلا وتوغلوا بها ولم يبقى أسلوب من أساليبهم الشيطانية لإركاع المناضلين إلا ومارسوه ومن بقي من هؤلاء لا شك أن حياته كالجحيم الذي تستعر نارها يوماً بعد يوم.
منذ بداية الثورة المباركة لم تتردد أجهزة المخابرات الأسدية بل وجيشه في استخدام العنف حتى الموت مع من قام عليهم ناشداً الحرية التي يتوق لها كُلَ سوري حُر نعم منذ البداية كان البطش بالشعب الثائر وبكل قسوة وليس كما هي عادة الأنظمة الشمولية باستخدام القوة المتدرجة فالقتل في الشوارع والساحات بدا منذ اليوم الأول ومن كان ينجوا من الموت ويقع في قبضة الجلادين يتمنى لو أنه مات قبل تمكن هؤلاء المرتزقة منه، كان الحقد على الشعب السوري واضحا وضوح الشمس لا بل كان مبرمجا وذو خلفية عقائدية زرعها في نفوس هؤلاء الأسد الأب والوريث القاصر حيث أقنعهم بأن سقوط عائلة الأسد يعني فناء كامل للطائفة العلوية في سوريا، وقد ظهر هذا جلياً من خلال بعض الشعارات التي طرحتها أجهزة الإعلام الأسدية وعملاء مخابرات الأسد الذين اخترقوا صفوف المتظاهرين من خلال رفع شعار ” العلوي على التابوت والمسيحي على بيروت”، ويمكن أن نقول أن السبب الآخر والرئيس لتعامل أجهزة المخابرات وعناصر وضباط الجيش الأسدي بهذه القسوة مع المتظاهرين والذي من المفروض أن يكون هؤلاء شعبهم وأهلهم ومن واجبهم حمايتهم لا قتلهم والتنكيل بهم هو الشعور السائد لدى هؤلاء بان الشعب السوري ينتمي إلى طبقة القطيع التي لا ينتمي لها هؤلاء ومن المستحيل ولا يجوز مطلقاً أن يتمرد العبد على سيده، نعم إلى هذا الحد من النرجسية المفرطة، إذ كانوا يعتبرون أنفسهم السادة والشعب السوري عبيد يعملون في مزرعة الأسد وأعوانه ومن والاه.
كل هذا انعكس على ممارسات عبيد الأسد وأدواته في المعتقلات وقاموا بممارسة أفعالهم الشنيعة والتي كانت أغلبها مبرمجة وتصب في هدف حددته القيادة وهو إذلال الشعب المنتفض إلى أقصى درجة ممكنة، وهذا ما كان يُترجم من خلال الاستقبال الحافل للمعتقل منذ اللحظة الأولى لاعتقاله، وأيضاً من خلال طرق التعذيب التي تبدأ غالباً بالضرب المبرح بكل أنواع الأدوات المتوفرة ومروراً بالتعذيب بالطرق التقليدية أثناء التحقيق مثل الشبح وحرق الأعضاء التناسلية وتقليع الأظافر وصولاً إلى ثقب الجسد بالمثقب الحديدي وعلى الأغلب تنفيذ الاغتصاب بأدوات صلبة للرجال والاغتصاب الجماعي للمعتقلات وبشكل متكرر، وبعد كل هذا وذاك يأتي دور الطعام الشحيح والشراب المشروط بشروط جهنمية تجبر الغالبية العظمى للامتناع عن الشرب كثيراً من الأحيان أو الخروج إلى الحمامات نتيجة التعذيب الذي يرافق هذا في الذهاب والإياب، ناهيك عن عدم الاكتراث بالنظافة الجماعية كتزويد المعتقلين بحرامات شديدة القذارة مليئة بالحشرات المؤذية كالقمل والتي تفتك في جسم المعتقل وتمنعه على الغالب من النوم، وأيضا النظافة الشخصية والتي ينتج عنها الكثير من الأمراض المعدية كالجرب وأمراض الجهاز التنفسي كالربو والذي كان يصيب أغلب المعتقلين، هذه فكرة مصغرة عن الأحوال المعتادة للمعتقلين في سجون الطاغية، وإذا قسنا هذا الواقع المزرى وانعدام كل مقومات النظافة الشخصية والعامة في هذه المعتقلات بما يحصل حاليا من انتشار وباء الكورونا المميت لوجدنا أن من يعيش في هذه الظروف لابد أن يصيبه هذا المرض القاتل وبالتالي يمكن أن من لم يُقتل بكافة أساليب التعذيب السابقة سيقتل بسبب هذا الوباء الذي من أهم أسباب الإصابة به هو انعدام النظافة الشخصية والعامة، وأعتقد جازماً أن هذا الوباء سيكون طوق النجاة للأسد وعصاباته وفرصة لتبرير تغييب المعتقلين وقتلهم خاصة من تم تصفيته في الأعوام التسعة السابقة، وبهذا يكون الأسد قد أسدل الستارة عن فصول رواية طالما كانت تؤرقه إذا بُحث معه موضوع المعتقلين من أي جهة كانت محلية أو دولية، ولا أعرف حقيقة هل هذا البلاء الفتاك جاء ليساعد المجرم على طمس جريمته وليضيع حق هؤلاء المساكين الذين لا ذنب لهم سوى أنهم طالبوا بالكرامة والحرية كما والعيش كما يعيش بقية شعوب المعمورة؟ ولهذا كله من واجبنا أن ننشط ونرفع الصوت عالياً في هذه الظروف الدقيقة لنضغط ونُسمع العالم صوت هؤلاء المظلومين وبكل الطرق المتاحة للإفراج عنهم من سجون القتلة وأعتقد أن هذه فرصة مناسبة جداً وفي ظل غياب تام لما يسمى المؤسسات الإعلامية والحقوقية الرسمية للثورة ليتصدى لهذه المهمة الحقوقيين والإعلاميين الأحرار عبر كل الوسائل والطرق المتاحة وأنا على يقين بأن مشيئة الله أقوى من المجرمين ومن يساندهم وإن طال الزمن لابد أن تنجلي الحقيقة ويحاكم القتلة في محاكم الشعب السوري قبل محاكمتهم عند أعدل العادلين.