العرب وإيران… الخيار المُرَّ!

جمعة الدبيس العنزي

لا يختلف عاقلان اثنان على أن وضع العرب الراهن وضع مهين؛ مزر، يحاكي تلك الحقبة التي سبقت عهد “ذي قار” ببضع سنوات حيث انشطر العرب إلى شطرين؛ الشطر الأول تابع لكسرى الثاني (أبرويز) آخرُ ملوك الإمبراطورية الساسانية، والشطر الآخر لـفلافيوس أغسطس (هرقل) إمبراطور الإمبراطورية البيزنطية، ونحن الآن ننتظر فقط أن يرسل أحد نظراء هؤلاء العلوج في طلب (هنـــد) بنت النعمان، أو بنت أي بائع فلافل عربي، لعله يبعث فينا روح شيخ بني شيبان (هانئ بن مسعود) فتكون (ذي قار) العصر الحديث!

 وحيث أن الفقرة الأخيرة تندرج في إطار أضغاث الأحلام الناجمة عن مشاهدة نشرات أخبار الساعة قبل النوم؛ فإن ذلك لن يحدث ولن تكون هناك ذي قار جديدة.

على مدى العقود الأربعة التي خلت زعم العرب أنهم بصدد محاربة (المد الفارسي) المقنع بوجه ثورة إسلامية قادها (الخامنئي) عام 1979م، ذلك أن معممو (قم) عملوا بدأب ومنذ الأيام الأول على تصدير الثورة إلى خارج حدود إيران وسخروا كل إمكانات “الدولة النفطية” لهذا الهدف، وهم بذلك يرتكزون إلى فلسفة ومبادئ ثورتهم، وهدفهم البعيد هو السيطرة على الكرة الأرضية بانتظار خروج (الإمام الغائب) ليذهب بالبشر جميعاً إلى الفردوس بعد أن يبيد الأشرار ويطهر النفوس الآثمة.     فشل العرب فشلاً ذريعاً في مقاومة هذا المد، ولم تكن ناجعة حرب السنوات الثمان بين العراق وإيران لأن (نصف) حكام العرب كانوا يقفون سراً أو علناً مع إيران، ولأن الغرب الذي ساهم في إشعال أوار هذا الحرب لم يكن نزيهاً ولا محايداً، حيث كانت كل دولة تتعامل مع الواقعة من وجهة نظرها ووفقاً لأجندتها التي من ضمنها عوائد بيع السلاح وشراء النفط بثمن بخس وإضعاف الطرفين المتحاربين… الخ.

السبب الآخر هو أنه لم يتم الإعداد للحرب بعناية، ولم تحظ باتفاق ودعم العرب جميعاً كما سلف، وغلبت هنا النزعة الفردية والرأي الواحد المتفرد بالقرار العسكري والسياسي… وأخيراً وبعد غزو العراق للكويت اعتذر العراق لإيران عن (خطأ) بسيط كلف عشرات الآلاف من الضحايا ودمار هائل لمقدرات العراق حينها؛ ولغاية اليوم.                                                          وإذا ما أغفلنا الجانب العسكري والحروب وهذه لها أهلها وظروفها وعواهنا، وعدنا للعرب المسالمين الوادعين (الحبابين) الذين يولون السلم والنوايا الحسنة أهمية قصوى ويحرصون على تنمية بلادهم وإعادة كل ثرواتها البرية والبحرية والجوية إلى شعوبها ليعم الرخاء والأمن ويعيش العربي في بحبوبة عزيزاً كريماً في وطنه، هؤلاء انتهجوا نهجاً أثبتت التجارب أنه لا يسمن ولا يغني عن جوع متناسين المثل الذي يردده أجدادهم (ما حك جلدك مثل ظفرك) و(من اعتمد على زاد غيره طال جوعه) فهرولوا للغرب بحثاً عن (ظفره) ليحكوا به جلودهم، و(زاده) ليسدوا رمقهم، فكانت الطامة!

كانت -وما زالت- استراتيجية العرب ممن لا يوالون إيران في العقيدة والهوى؛ هي أن نبقى نحن ضعفاء وتبقى إيران كذلك وبذلك نأمن شرها وبوائقها، والأسلوب الذي انتهجه هؤلاء هو تسخير الثروات العربية لرشوة الغرب بأمل مساعدتنا على ذلك وإبقاء إيران ضعيفة.

ما حصل هو أن الغرب ابتلع ثرواتا وحرياتنا؛ بل واحتل أجزاء من بلادنا احتلالاً مباشراً على الطريقة القديمة، وفوق ذلك فإن إيران لم تبق ضعيفة!

شئنا أم أبينا لا نستطيع أن نحجب حقيقة ساطعة سطوع الشمس في كبد السماء مفادها أن إيران تسيطر بالمطلق على العراق ولبنان، ولها الكعب الأعلى في سورية واليمن، ولها الكلمة الفصل في نصف (دولة فلسطين) ولها أخلِّاء في البحرين والكويت وشرق السعودية… والخافي أعظم.

إيران اقتربت من صنع قنبلة نووية بشهادة الغرب، وإسرائيل التي أتاها هدهد سليمان بنبأ يقين، ومسلسل المفاوضات العبثية في الملف النووي بين إيران ومجموعة 5+1 للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا بشأن العودة إلى الامتثال لاتفاق لوزان النووي لعام 2015، الذي أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب الانسحاب منه في عام 2018، سوف يستمر إلى ما قبل الانتخابات الأمريكية ببضعة أشهر وتتوج المفاوضات أخيراً باتفاق جديد على مقاس الطموحات الإيرانية، ونشاهد حينها “جواد ظريف” أو خليفته بابتسامة عريضة أخرى مع خليفة “فيدريكا موغريني”.

وخلال هذه الفترة الماراثونية ستكون إيران في غاية السعادة والجذل، فمنذ أن أعلنت إدارة “بايدن” عن إستراتيجيتها في التعامل مع إيران وأنها ستنتهج النهج (الدبلوماسي) انفرجت أسارير ملالي قم ودهاقنة فارس وقالوا لبايدن: (هيت لك) فنحن أرباب الدبلوماسية والدهاء!

لم تتوقف إيران يوماً عن متابعة حلمها المنشود في صنع سلاح نووي، قبل الاتفاق النووي، وخلاله، وبعده، ونحن العرب نعرف الفرس أكثر من الغرب، ولو سألت راعٍ للأغنام في بادية السماوة أو راعٍ للإبل في عالية نجد: هل ستمتثل إيران للاتفاق النووي وتتوقف عن تخصيب اليورانيوم وتمسي قطة أليفة فقط لأنها وقعت على بضعة وريقات في لوزان؟

سيقول لك وبدون تردد: لا؛ لن تتوقف، والفارق بين الاتفاق النووي من عدمه هو العوائد المالية الهائلة التي ستعود على إيران بالاتفاق، هذه العوائد ستضيفها إلى أموال (الخُمس) والنفط وتخطط لفنائنا.

أخيراً يا سادة؛ أيها العرب: سينصحكم العبد الفقير لله نصيحة واحدة لن يكررها، أمامكم ثلاثة خيارات لا رابع لهن:

الأول: أن تجتروا الصبر وتعقدوا معاهدة سلام وحسن جوار مع أحفاد كسرى لاكتفاء شرهم ومحاولة التعايش معهم حتى يقضي الله امراً كان مفعولا، وبذلك توفروا قليل من كثير مما تهدرون من هبات وعطايا وتبادل منافع مع الغرب الذي يعدكم بكبح جماح إيران وإبقاءها ضعيفة، ولن يمنعكم ذلك من تطوير أنفسكم كما ينبغي ومن ثم تستذكرون القول المأثور المنسوب إلى عمر بن الخطاب (ليت بيننا وبين الفرس جبلاً من نار لا ينفذون إلينا ولا ننفذ إليهم).

الثاني: السير بشكل جدي وفاعل في طريق تحقيق التوازن الإستراتيجي مع إيران، يعني بالعربي “المشرمح” أن تمتلكوا سلاحاً نووياً يردع خصومكم ويحمي وجودكم، وهذا الخيار صعب المنال حالياً في ظل تشرذمكم وانكشاف كل ظواهركم وبواطنكم واختلاف أوضاعكم اختلافاً بنوياً هائلاً مرده دون شك الأنظمة لا الشعوب!

الثالث: أن تبقوا كما أنتم الآن بحيث يستمر تمزقكم وتفرقكم وانحداركم، ويستمر صعود إيران إلى أن تضمحلوا وتتناهبكم الأمم فتمسي العروبة اثراً بعد عين لا تصلح إلّا لمتردم يردد:

لِخـــــــــــَوْلَةَ أطْلالٌ بِبُرْقَـــــــــــــة ثَهْمَـــــدِ

تلُوحُ كَبَاقِي الوَشْمِ فِي ظَاهِرِ اليَــــــــــــــدِ                                                            

                                                                                                   

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى