العراق العربي في الميزان الإيراني

حسن فحص

حدثان سيطرا على النقاشات السياسية في الداخل الايراني، وحظيا بالمتابعة الدقيقة من مختلف الاوساط الاقتصادية والسياسية والامنية، هما الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الى المملكة العربية السعودية وما رافقها من مواقف وتفاهمات واتفاقيات ثنائية ووعود مستقبلية لتعاون اوسع وأعمق بين البلدين على مختلف الصعد. وبالأهمية نفسها يأتي حدث التوقيع على التفاهم الاستراتيجي الاقتصادي بين ايران والصين والتأثيرات التي من المفترض ان تنتج عنه في ما يتعلق بالعلاقات الايرانية مع المجتمع الغربي، خصوصا تلك المتعلقة بالتعامل الايراني مع الضغوط الامريكية وازمة اعادة تفعيل الاتفاق النووي ومعضلة العقوبات الاقتصادية، بالاضافة الى التحفيز الذي سيشكله على خط تفعيل التعاون الاستراتيجي بين ايران وروسيا، وامكانية توصل الاطراف الثلاثة (ايران – الصين – روسيا) الى ارساء تحالف استراتيجي سياسي اقتصادي امني في آسيا عموما، ومنطقة غرب آسيا تحديدا في مواجهة الاحادية الامريكية العائدة بقوة ووضوح اكبر الى سياسة التصدي للطموحات الصينية والروسية في معركة تقاسم الادوار على الساحة الدولية، والذي قد يكرس حدود وابعاد الدور الايراني في هذه المنطقة عامة وفي الشرق الاوسط خاصة.

القراءة الايرانية لما يمكن ان تخرج به زيارة الكاظمي وحراكه العربي قد يكون من الصعب التعامل معه بعيدا عن النظرة المستقبلية لتأثيرات التفاهم مع الصين والرؤية الاسيوية التي طرحها المرشد الاعلى للنظام الايراني في رسالته الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل شهرين، لجهة ان العراق يشكل مفصلا اساسيا ونقطة محورية في اي تعاون بين طهران وبكين على الاقل في الجانب الاقتصادي للتفاهم الموقع بينهما في اطار استكمال مشروع ( الطريق والحزام) والربط البري الذي يبدأ من الصين ويمر في طهران وصولا الى سواحل البحر الابيض المتوسط. وبالاهمية نفسها، تحتل الجغرافيا العراقية موقعا متقدما في المشروع الروسي الاستراتيجي الذي يسعى لتكريس دوره الشريك للولايات المتحدة الامريكية في الملفات الشرق اوسطية والاقتراب من مصادر الطاقة وطرق وخطوط الامداد الدولية للغاز والنفط وما تحمله من وعود كبيرة للاستثمار والمصالح الاقتصادية.

وعلى الرغم مما تحاول طهران الايحاء به في ما يتعلق بدورها ونفوذها على الساحة العراقية وامساكها بالمفاصل الحيوية التي تقطع الطريق على اي تطور غير متوقع او أي تأثيرات سلبية حقيقية على حدود هذا الدور، الا ان الحراك العراقي الذي يقوده الكاظمي باتجاه عدد من العواصم العربية تراقبه طهران بشيء من التوجس والقلق وما قد يحمله من تحديات تضع الدور والوجود والنفوذ الايراني على الساحة العراقية امام اسئلة حقيقية حول قدرتها في استيعاب الشراكة مع هذه الدول على هذه الساحة، وما قد يؤسس له هذا الانفتاح من اعادة تشكيل عمق عربي حاضن للعراق في وجه ايران. وهو حراك بدأ بالظهور مع القمة الثلاثية العراقية المصرية والاردنية التي عقدت في عمان على مستوى قيادات هذه البلاد، ولا ينتهي بالزيارة الاخيرة التي قام بها الى السعودية.

من هنا، فان طهران تعتقد بان هذه الزيارات وهذا الانفتاح العراقي الذي يقوده الكاظمي يأتي في ظل ضغوط امريكية لتفعيل دوره العربي واستعادة التعامل مع العمق العربي على حساب تراجع علاقاته مع ايران ودورها، والسعي لتأمين دعم عربي لسياسات الحكومة العراقية في التعامل مع الاستراتيجية الايرانية الهادفة الى فرض انسحاب القوات الامريكية من هذا البلد من خلال الضغوط السياسية والدور الذي تقوم به الفصائل والاحزاب والقوى السياسية العراقية الموالية لها والتأثير الذي تملكه داخل الدولة والحكومة التي جاءت الى الحكم بناء على تسويات بين هذه الفصائل وتعتبر نفسها القوة الحاملة لهذه الحكومة ورئيسها الذي من المفترض ان لا يخرج عن الدور المحدد له في قيادة المرحلة الانتقالية واجراء انتخابات مبكرة وانهاء حالة المظاهرات والاعتراضات في ساحات المحافظات وما تشكله من اداة ضغط شعبية تستغلها امريكا وبعض العواصم العربية لمحاصرة هذه القوى وما تمثله من دور وعمق ونفوذ إيراني.

وتعتقد طهران، خاصة مؤسسة حرس الثورة الاسلامية المعنية بالساحة العراقية وتتحمل مسؤولية ادارتها والتعامل معها، بان التوجه الذي يقوده الكاظمي نحو العمق العربي، يشكل هدفا وحاجة لدى الكاظمي الذي يجد نفسه محاصرا في الداخل، ويسعى لاستخدام هذا الانفتاح لعزيز مواقعه ومواقفه في مواجهة القوى السياسية التي تتحكم بمفاتيح القرار العراقي، بالاضافة الى انه بهذا الحراك يفتح الطريق امام تحويل العراق الى ساحة تنافس وصراع مستجد بين طهران وعدد من العواصم العربية، خصوصا الرياض وابو ظبي، الساعية لمحاصرة الدور الايراني واخراجه من دائرة التأثير في العراق، تعتقد بان العودة الى العراق واستقطابه مجددا الى الحضن العربي يضرب المشروع الاقليمي لايران في الصميم ويخفف الضغط الذي يمارسه المحور الايراني على الوجود الامريكي في العراق وسوريا وكل منطقة غرب آسيا.

ولا تتردد طهران بتحذير الكاظمي مما تسميه الدور المخرب للسعودية على الساحة العراقية، وان فتح المجال لنفوذ سعودي قد يؤدي الى عودة التوتر بين المكونات العراقية كمدخل لتغليب طرف على حساب اخر. تداعيات هذه العودة العربية – السعودية لن تقف عند هذه المخاوف، بل ستحسم الموقف الايراني في التعامل مع الكاظمي والتعامل معه من منطلق الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، وبالتالي قد يضع مسألة استمرار الكاظمي او امكانية عودته الى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات المرتقبة سواء كانت مبكرة – وهي مستبعدة – او في موعدها الطبيعي عام 2022 في دائرة الابهام، وقد تصيب طموحه السياسي والاستمرار بلعب دور فاعل في السلطة والحياة السياسية باضرار لا يمكن تعويضها وقد تخرجه من لعبة السلطة.

من هنا، فان اي تقارب عراقي سعودي وبناء علاقات قوية بينهما، يجب ان تمر حسب اعتقاد طهران، عبر الشروط السعودية التي تطلب من السلطة العراقية تقليص علاقاتها الاقتصادية والسياسية والامنية والعسكرية مع ايران، بما يضمن للرياض دورا فاعلا على الساحة العراقية، لجهة ان محاصرة الدور الايراني يعني تحجيم نفوذ وتأثير المكون الحاضن للفصائل والاحزاب الموالية لايران والتي تشكل رأس الحربة في الامساك بالقرار العراقي بالنيابة عنها. وهذا ما لن تسمح طهران بحصوله، لما يشكله ذلك من اعطاء نصر مجاني لخصمها العربي والاقليمي الاول في وقت بدأت تحصد نتائج ايجابية في معركتها مع الضغوط الامريكية والعقوبات الاقتصادية من بوابة الازمة النووية بالتزامن مع التفاهم الصيني والحوار الاستراتيجي مع روسيا وما يشكلانه من درع استراتيجي لها على الساحة الدولية.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى