بينما كان المسؤول الدبلوماسي في “الحزب الشيوعي الصيني” يانغ جيتشي وسكرتير الدولة وانغ يي يغادران مدينة أنكوراج في ولاية ألاسكا عقب يومين من المباحثات “الصعبة” مع وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، كان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، يجري مباحثات في نيودلهي، التي تعتبر نقطة التوازن الجديدة في المحيطين الهندي والهادئ.
كانت الهند تقليدياً حليفة لروسيا مزودتها الأساسية بالسلاح. وفي مرحلة المنافسة بين الاتحاد السوفياتي السابق والصين، ضمن المعسكر الشيوعي الواحد، كانت موسكو تدعم الهند في مواجهة بكين الماوية.
اليوم، وبعدما دار الزمان دورته، انقلبت المواقع، فإذا بالهند تصير مقصداً للولايات المتحدة، الراغبة في إحداث توازن مع الصين وروسيا معاً. وفي الاشتباكات الحدودية الأخيرة الصيف الماضي بين الصين والهند في جبال الهيمالايا، ساندت واشنطن نيودلهي وزودتها بمعدات تتناسب ومعارك على هذا العلو.
وقبل أكثر من أسبوع، عقد قادة الولايات المتحدة والهند وأستراليا واليابان، وهي دول تشكل ما يعرف باسم مجموعة الحوار الأمني الرباعي “كواد”، اجتماع قمة هو الأول من نوعه، وتعهدوا العمل معاً لضمان حرية الملاحة في المحيطين الهندي والهادئ والتعاون في مجال الأمن البحري والإلكتروني في مواجهة التحديات التي تشكلها الصين، كذلك تعهدوا تقديم مليار جرعة من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا لدول المنطقة بحلول نهاية العام، وذلك في مواجهة اللقاح الصيني.
وباتت الهند محور أي تحرك أميركي في المنطقة في المواجهة الأوسع مع الصين وروسيا. وفي هذا السياق، يبحث الجانبان في خطط الهند لشراء طائرات مسيّرة مسلحة من الولايات المتحدة، وكذلك صفقة ضخمة تضم أكثر من 150 طائرة مقاتلة لسلاح الجو الهندي للمساعدة في تضييق الهوة مع الصين. وتعتبر شركتا “بوينغ” و”مارتن لوكهيد” الأميركيتان في طليعة الشركات المتنافسة على عقود الطائرات المقاتلة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
لكن قصة “الشراكة الدفاعية” الجديدة بين أميركا والهند لا تنتهي عند هذا الحد. فقد طلب أوستن خلال المباحثات التي أجراها مع كبار المسؤولين الهنود، العزوف عن صفقة مع روسيا لشراء صواريخ أرض – جو من طراز “إس-400”. وفي تحذير مبطن من إنجاز هذه الصفقة، ذكّر الوزير الأميركي بالعقوبات الأميركية التي تستهدف أي بلد يشتري أسلحة روسية، لكنه أضاف أن الهند غير معنية بالموضوع طالما لم تتسلم بعد هذه الصواريخ. ومعلوم أن الهند دفعت العام الماضي 800 مليون دولار عربوناً للصفقة التي من المقرر أن يبدأ تنفيذها هذا العام.
ويضغط مشرعون أميركيون بارزون في مقدمهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الديموقراطي بوب منندنيز من أجل منع إتمام الصفقة.
والضغط الأميركي يمضي نحو إحداث نقلة كاملة في الموقع الجيوسياسي للهند مع تعاظم النفوذ الصيني وعودة روسيا إلى الساحة الدولية بقوة في السنوات الأخيرة.
ومع التصميم الذي تظهره إدارة الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، في مقارعة النفوذين الروسي والصيني في أوروبا وآسيا، وفق ما جاء في إرشادات الدليل الموقت للبيت الأبيض حول استراتيجية الأمن القومي الأميركي، فإن الهند هي الحصان الآسيوي الرابح الذي ستراهن عليه واشنطن، لاحتواء الصعود الصيني من جهة، ولتقويض العلاقات التاريخية بين نيودلهي وموسكو، وذلك بالاستعداد لإبرام صفقات تسليح أميركية، توفر بديلاً من المصدر الروسي، وتحرم موسكو في الوقت نفسه من سوق واسعة كانت تشكل مصدر دخل مهم للخزينة الروسية.
لا شك في أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، تمر بتحولات متسارعة يغذيها التنافس الحاد بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والصين وروسيا من جهة ثانية. ومن الطبيعي أن تميل الكفة في الاتجاه الذي ستميل نحوه الهند، في خضم أعتى صراع جيوسياسي في القرن الحادي والعشرين.
المصدر: النهار العربي