معادلات دولية وإقليمية جديدة في الشرق الأوسط؟ 

محمد خليفة

يشهد الشرق الأوسط حراكًا ديبلوماسيًا نشطًا متعدد الأقطاب، يغطي المنطقة من شرق المتوسط الى الخليج، أبرز محاوره ومعالمه:

1 – التقارب الروسي – الخليجي المفاجئ الذي مثلته زيارة سيرغي لافروف الى الرياض وأبو ظبي والدوحة، وهي زيارة مفاجئة وغير مبرمجة.

2 – الحوار التركي – المصري الذي خرج من الديبلوماسية السرية الى العلنية، والذي أوقف التدهور العسكري في المتوسط، وفي ليبيا، وساعد على إنضاج الحل السياسي بين الأفرقاء الليبيين.

3 – عودة الاتصالات بين أنقرا وكل من الرياض، وأبو ظبي، بعد توتر مستمر منذ أربعة أعوام، بمحاذاة النزاع الذي انفجر عام 2017 بين الدوحة والعواصم العربية الأربع المنامة والرياض والقاهرة وأبو ظبي.

4 – حصة السوريين من هذه التحركات يتمثل في اللقاء الذي جرى بين وزير خارجية التركية والمعارض البارز الدكتور رياض حجاب في الدوحة، وتلاه فورا حوار لقناة الجزيرة معه، تركز على إطلاق تصريحات، تتضمن تأكيد لنهاية قريبة للأسد، وقوله إن كل الأطراف منهمكة في البحث عن حل سياسي في سورية.

وبمقابل هذه التطورات نلاحظ على المقلب الآخر:

1 – غياب إيران عن التحركات المذكورة رغم أنها تجري على مقربة منها.

2 – تصعيد عسكري هائل في اليمن ، من الحوثيين ، ذراع ايران . ويوازيه تصعيد مواز في العراق من قبل المجموعات الولائية ، وتصعيد اسرائيلي في سورية ضد التموضعات الايرانية وأذرعها .

3 – تهديدات متبادلة بين حزب الله واسرائيل ، واعتراف حسن نصر الله بأنه يشارك في التصعيد الحوثي – الايراني ضد المملكة العربية السعودية .

4 – مؤشرات قوية على اتساع مسرح المواجهة بين اسرائيل وايران من سورية الى مياه الخليج والبحر المتوسط ، واحتمال أن تمتد الى البحر الأحمر .

 5 – تفاقم الأزمة الاقتصادية الخطيرة في سورية ولبنان الى مستويات تهدد بانهيار كامل في الدولتين .

6 – زيارة وفد رفيع من قيادة حزب الله الى روسيا بناء تلبية لدعوة من لافروف بعد عودته من الخليج العربي

فما طبيعة وحقيقة هذه التحركات ، وما أهدافها ؟ وما صلتها بالقضية السورية ؟ وهل تنطوي على عناصر إيجابية ؟

قبل الإجابة على هذه التساؤلات ، ينبغي لفت الإنتباه الى أن الولايات المتحدة غائبة رسميا عن المشهد على المقلبين ، دون أن يعني ذلك غيابها الفعلي ، بأي حال . فهي موجودة وفاعلة سلبا أو ايجابا في جميع الساحات . إذ ما كان للتحسن الحاصل في ليبيا أن يتم لولا دور أميركي قوي واستبعاد واضح للدور الروسي ، وضغط قوي على تركيا بدأ بالانذار المصري لتخفيف وجودها ودورها العسكري في ليبيا وشرق المتوسط . كما إن التحركات الروسية – الخليجية ، هي بصورة أو أخرى رد فعل على الخطوات والمواقف المتسرعة التي اتخذتها ادارة واشنطن الجديدة في اليمن ، وتجاه السعودية . كما إن أميركا فاعلة ، وحاضرة في التطورات العسكرية والسياسية في العراق ، فضلا عن الحرب الاسرائيلية الجديدة ضد السفن الايرانية في مياه المتوسط ، وهو تطور ينذر بتطورات كبيرة ، ستنعكس على واردات الطاقة الايرانية لكل من حليفيها السوري واللبناني ، واشعال حرب قد تنعكس على الممرات الدولية عبر البحار .

أبرز التطورات الايجابية هو المراجعة التركية لسياستها الخارجية ومواقفها وعلاقاتها مع الدول العربية الثلاث الكبرى التي كانت متوترة معها طوال سنوات غير قليلة ، ولا سيما مصر والسعودية ، ومن الواضح أن الجانبين يرسلان اشارات ايجابية لتصحيح العلاقات ، ولكن الوصول الى فكفكة العقد قد يستغرق طويلا بسبب كثرة العقد والاشكالات بين أنقرا والعواصم العربية الثلاث ، ولكن أولى النتائج الايجابية ظهرت في ليبيا بردا وسلاما . وقد تظهر في الساحات الاخرى في سورية والعراق والخليج ، لا سيما أن الجانبين العربي والتركي يواجهان إدارة أميركية لا تكن ودا للطرفين ، وقد تتفاقم الخلافات في علاقاتها مع الطرفين التركي والعربي . ولا شك أن دعوة لافروف لزيارة الخليج جاءت بغرض تذكير الرئيس بايدن بأن دول الخليج ليست أسيرة تحالف من طرف واحد مع الولايات المتحدة .

  وفي خلفيات المشهد وثناياه يتضح اتجاه مشترك عربي – تركي – روسي لتنسيق الجهود لإيجاد حل مقبول من الجميع للأزمة السورية ، وتخفيف النفوذ الايراني الهدام في سورية ولبنان ، والخليج . ولا شك أن تركيا من خلال مراجعتها لسياستها الاقليمية ، وتقاربها مع العرب الذين يواجهون ايران ترسل اشارات سلبية لايران ، كما ترسل الى ايران وروسيا رغبة تركية بإيجاد حل يطوي صفحة الأسد . ولا شك أنه إذا ما استعادت انقرا والعواصم العربية علاقاتها التي كانت قبل 2016 ، وشكلت محورا ” سنيا ” فإنه ينطوي على امكانية بناء حاجز صد وسد قوي في مواجهة ايران وأذرعها .

ولا بد من الاشارة الى أن التحركات الدولية حاليا تتقاطع في عملية البحث عن حل واقعي وعملي لا يلتزم حرفيا ببنود الحل الأممي السابق وفق قرار 2254 ولكنه يحقق إزاحة بشار الأسد ، والاتفاق على ايجاد سيناريو حل تتولى روسيا تنفيذه بدعم أميركي – اسرائيلي – عربي – تركي ، يتضمن اخراج كل القوات الاجنبية ، باستثناء القوات الروسية التي تقول مصادر كثيرة أميركية واوروبية أنها ستبقى لتقوم بمهمة تنظيف سورية من الميلشيات الأجنبية وتدعم مهمة ( المجلس العسكري ) الذي يجري عمليا تشكيله بقيادة الجنرال السابق مناف طلاس ، وايجاد مجلس سياسي مواز وداعم للأول يترأسه رياض حجاب .

هذا السيناريو يشبه الى حد ما سيناريو الحل الذي انطلق في ليبيا . وهو حل يستهدف أولا إنهاء حالة ( الدولة الفاشلة ) التي وصلتها سورية الأسد ، قبل أن تقع كارثة الجوع وانهيار الدولة بسبب العجز الاقتصادي ، لا على قاعدة أهداف ومطالب الثورة ، ولكن على قاعدة إنقاذ ما يمكن إنقاذه ، وقد يشبه الحل الذي فرضه الاميركيون في البوسنة عام 2015 لإنهاء الحرب بين البوشناق والصرب والكروات، وقد أشار له مؤخرا بعض المسؤولين في أميركا ، متحدثين عن إمكانية تكراره واستنساخه في سورية !

لا بد من فترة انتظار حتى تتضح معالم سياسة بايدن تجاه ملفات المنطقة المعقدة، ولا بد من فترة انتظار ليتضح مدى جدية الأطراف التي التقت في الدوحة، وجدية روسيا المشكوك فيها جدا تجاه المطالب العربية والأزمة السورية قبل أن نتفاءل بتحولات عميقة وبنشوء معادلات دولية واقليمية مختلفة في الشرق الأوسط.

المصدر: المدار نت    

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى