بعد مضي عشر سنوات على ثورتنا السورية للأسف مازالت الكارثة الإنسانية في سورية مستمرة.
أولًا. لم يكن يعلم السوريون .عندما خرجوا يطلبون الحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية. أنهم يدفعون هذا الثمن الإنساني الهائل لثورتهم. نعم كانوا يدركون أن النظام الاستبدادي الوحشي لن يسلّم بسهولة.وأنه بامتداده العائلي والعصبي وفي الطائفة العلوية. وكثير من الانتهازيين والمصلحيّن والمنتفعين من كل فئات المجتمع ومكوناته؛ لن يسلموا. ونعلم أن النظام المستبد يستند على جيش كبير، يصل تعداده إلى مليون إنسان ومثلهم أمن وشرطة. وان هؤلاء من المفترض انهم رصيد سورية في حربها مع (اسرائيل) لاسترداد الحقوق وعلى رأسها الجولان المحتل. كنا نعرف ذلك لكن قانون التطور الإنساني بالانتقال للحكم الديمقراطي. الاقرب لمصلحة مجموع الناس، محققا لهم الكرامة والحرية والعدالة وفرص الحياة الأفضل، وأن ذلك تحقق ويتحقق عند أغلب اهل الارض عبر القرن الأخير وما قبله أيضا. واننا نحن العرب والسوريون لسنا نشاز عن بقية الشعوب في تحقيق هذه الحقوق
ثانيا.لكن وعندما وصل الحراك الشعبي الى مرحلة غير مسبوقة . حيث وصل تعداد التظاهر السلمي المطالب بإسقاط النظام وإحقاق الحقوق وإلغاء المظلومية المجتمعية وبناء الدولة الديمقراطية في شهر ثورتنا السابع .إلى أربعة ملايين انسان في أقل تقدير و سبعة ملايين في أحسنها . هذا يعني أن واحد من اصل خمسة اشخاص من الشعب السوري خرج للشارع لاسقاط النظام. وهذا ما لم يحصل في اي بلد واي زمان. وكان من المفروض ان يسقط النظام او يتنازل ويدخلنا في عصر الديمقراطية العظيم…لكن؟
ثالثا.لم يكن النظام في أي وقت وخاصة بعد ثورتنا يملك أي شرعية ومشروعية. وكان آيلا للسقوط. ولكنه وهو مدجج بالسلاح وبين يديه ملايين من الجنود والأمن والشرطة. مع وجود السند الدولي من حلفائه الدوليين و الإقليميين؛ روسيا وإيران وحزب الله والمرتزقة الطائفيين. ووجد صوتا عاليا من الغرب.؟!!، وفعلا معدوما. كذلك حال بقية انصار الشعب السوري. وأفعالا جديْة غائبة.؟!!. الغرب وحلفائه الإقليميين ركزوا على مصلحة اسرائيل بتدمير سورية واضعافها، والحفاظ على المصالح الغربية من نفط وغيره .والحفاظ على الانظمة العربية المستبدة التابعة من طوفان الربيع العربي، بما فيهم النظام المستبد السوري وما قدم للنظام العالمي من خدمات في كثير من ملفات المنطقة، مثل القضية الفلسطينية والتدخل في لبنان والصراع مع العراق سابقا. كل ذلك قدّم للنظام الورقة الخضراء ليفعل ما يشاء في سورية وشعبها . من هذه المعطيات بدأت الكارثة الإنسانية في سورية.
رابعا.كان قرار النظام المستبد الطائفي المجرم. بالتعامل العنيف بكل الوسائل لإنهاء الثورة. وبدأ هدر الدم السوري. عبر القتل العلني في مواجهة المتظاهرين بالسلاح الحي. وتطور العنف ليضرب كل البلدات والمدن الثائرة قصفا بالصواريخ والدبابات والمدفعية والطائرات والبراميل المتفجرة . وبدأت حملة الاعتقالات التي ابتلعت كثير من شبابنا بين شهيد ومغيب ومعلول. وتطور الحال ليصل إلى الحاضنة الشعبية وليطال الشجر والحجر وكل وسائل الحياة…لندخل للتفاصيل.
خامسا.اسوأ الكوارث كان ما يتعلق بحياة البشر التي هي اغلى رأس مال في الوجود، ومصانة بالأعراف الدينية والوضعية. عدد الشهداء المعترف بهم والموثقين يتجاوز الخمسمائة ألف إنسان، لكن الحقيقة أنهم تجاوزوا المليون انسان. لأننا ومن واقع الميدان نعرف ان كل شهيد موثق .هناك شهداء غير موثقين يقتلون في المعتقلات او الحواجز او بالقصف أو بالخطف يصل لخمسة اضعاف. فالشهداء في سوريا تجاوزوا المليون شهيد على أقل تقدير. هذا ويجب ان نضيف لهم مليون من المعتقلين والمغيبين قسريا او المخطوفين سواء بيد النظام او داعش او النصرة او الانفصاليين الأكراد حزب العمال الكردستاني . حيث بدأت تتكشف المقابر الجماعية عند داعش، وغيرها. الثورة السورية دفعت أغلى ثمن تاريخي من حياة شعبها لتحقيق مطالبها بالحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطية، والمعركة لم تحسم بعد.
سادسا.ومن الكوارث أيضا واقع المعتقلين الذين هم مشاريع شهادة، عاشوا ويعيشون في ظروف اعتقالهم الذلّ والظلم والبطش والمعاناة النفسية والجسدية والتجويع والقتل في كثير من الأحيان. كذلك المصابين والمعاقين من نتائج حرب النظام على الشعب، عشرات آلاف الجرحى والمشوهين جسديا ونفسيا. كلها حمولة قاسية على الشعب وأصحاب العلاقة المباشرة وذويهم.
سابعا.واذا تحدثنا عن النازحين داخل البلاد واللاجئين خارجها، فنحن أمام أكثر من نصف الشعب السوري، ما يزيد عن ١٣ مليون إنسان. ليضمنوا حياتهم تاركين وراءهم كل شيئ؛ منازلهم وامتعتهم ووسائل عيشهم. فبين عشية وضحاها، تحول الملايين إلى عالة على الآخرين والمجتمع الدولي. لقد تحولنا إلى متسولين على باب العالم المجلل بعاره، الصامت عن فعل النظام وظلمه بحق الشعب السوري. فبدل أن ينصرنا العالم بتحقيق أهداف ثورتنا يعمل ليؤمن لنا رغيف خبز أو خيمة أو بطانية او مكان لجوء. إن الكارثة الفلسطينية تتكرر بحق السوريين، بدل حل اصل المشكلة، يعالجوا تبعياتها.
ثامنا.لم يسلم الحجر والشجر ايضا. فلسان حال النظام المسكوت عن فعلة يقول .عودوا عبيدا او موتوا جوعا وقتلا؛ بالتدمير والمرض والحصار والاذلال الدائم. ها هي المدن السورية اغلبها مدمر. حلب و حمص وكذلك ريف دمشق و المعضمية و داريا والغوطة الشرقية….الخ. مدمرة بلادنا وخاوية تنتظر حضور أهلها المرحلين عنها. كل مكان خرج منه النظام مهزوما عمل على تدميره وحصاره ومن ثم تهجير أهله. إنه يمتلك القوة ولايجد الرد المناسب والعالم صامت. نعم ملايين المنازل وما فيها دمر و.ملايين الأشجار قطعت وقلعت. والبنية التحتية كاملة صارت أثرا بعد عين..فلا خدمات ماء ولا كهرباء ولا صرف صحي. لسان حال النظام يقول كل مكان ليس تحت سيطرتي لا يصلح للحياة ومن فية معرضين للموت دوما.
تاسعا. شعبنا المشرد في الداخل والخارج فاقد لأبسط وسائل العيش وهو دائما ضحية للذل وفقدان لقمة العيش و أدنى أسباب الحياة. لقد فرض التشرد ونقص كل شيء حاله على ناسنا، فانتشر بينهم المرض والامية والفساد والرذيلة. لقد حوّل العالم قضيتنا لكارثة تتطلب المحسنين. وحولت بعض دول الجوار العربي؟ !، حالتنا لمبرر للتشكي وللحصول على المعونات. والسطو على القليل الذي يأتي لنا. وتصرفوا معنا بمنطق الأمن لدولهم وليس مواجهة الكارثة الإنسانية التي اصابتنا .اعتبرونا عبئ عليهم ويعبرون بشكل علني عن وجودنا الضار بهم. فتارة يغلقون الحدود وأخرى يعيدوا الناشطين للنظام لحجج واهية ليقتلهم. وباستثناء تركيا ومن وصل إلى أوروبا والغرب عموما. فحال شعبنا اسوأ من الحال في سورية. إلا القلة القليلة التي خرجوا معهم بعض ما وفروا يعتاشون منه. وهو آيل للنفاذ مع طول الوقت وغلاء المعيشة وتحولهم جميعا إلى مشردين.
عاشرا. كارثتنا لها وجه علمي بدخول جيل أو أكثر في الأميّة، وهذا يعني ان ما يُقتل ويُدمر ليس السوريين في حاضرهم فقط؛ بل مستقبلهم ايضا. وان تفشي الأمراض السارية والمعدية والتي أصبحت غير موجودة في باقي المجتمعات، قد عادت الى مخيماتنا اضافة لمأساة الشتاء والبرد ونقص التدفئة والإغاثة، وزاد البلاء بجائحة كورونا التي لم يعطى أي حماية أو وقاية او علاج للسوريين خاصة في المخيمات كذلك الداخل السوري. يعني اننا هنا ندفع ثمنا من حياتنا المباشرة و مستقبلنا . مثال ذلك إعادة انتشار مرض شلل الأطفال وغيره. ومن الكارثة الانسانية ايضا ان لا حل في الأفق. فإننا سنصبح قريبا مشاريع ارهابيين ؟!. ومافيا دولية؟!. متهمين بكل ما هو مريب وارهابي. ويصبح السوري والشر صنوان دوليا. وان عدنا لسورية كائنا ما كانت من الغد. فإننا نحتاج لعشرات السنين لنعيد بناء ما هدم ونتجاوز آلام وجراح الشهداء والتضحيات. وهل سنستطيع تجاوز البنية الطائفية المعمّدة بالدم. هل سنخرج من دائرة الثأرية؟ !. هل سنقبل بالمحاسبة؟ !. وهل ستحصل اصلا؟ انسانيا مستقبلنا مظلم.
حادي عشر: اننا وبعد مضي عشر سنوات على ثورتنا، لا بد أن نتفاءل فإن اهلنا السوريين الذي استطاعوا الوصول الى تركيا و اوروبا و امريكا وكندا والغرب عموما. بعد تجاوزهم لعقبات كان بعضها احتمال الموت غرقا.. ان اغلبهم استطاع أن ينغرس حيث وصل وصنع حياتا نموذجية رائعة، تؤكد اننا ان اخذنا حقنا بالعيش الكريم ومن الحرية والكرامة وتأمين لقمة العيش، فنحن قادرون على الإنجاز والإبداع وصناعة الحياة الأفضل. هذا بعض عزاء للسوريين انهم عادوا كما نعرفهم مبادرين سباقين لصناعة الحياة بكل ابعادها الانسانية الخيرة المعطاءة.
اخيرا الحديث طويل..وموجع وارجو ان لا يتحول تحليلي إلى بكائية على الوضع السوري. لنعترف :ان الوضع اسوأ من كل التصورات. لذلك علينا ان نشد العزم وان نوحد الصف ونكون عند حسن ظن الشعب بثورته .وان ننجز توحدنا كثوار وسياسيين وان تنصب جهودنا على الانتصار واسقاط النظام ومحاسبته وبناء دولتنا الديمقراطية. موقفين تداعيات الكارثة الانسانية التي نحن بها. ومتقدمين لعلاج حالاتنا اول بأول ، كلنا مسؤولين وكل بموقعه لنشعل الشموع، نوقد الشعلة، ننير الطريق ونصنع النصر.