إيران ترفع ثمن النووي

بسام مقداد

حين أقر مجلس النواب الإيراني، بعد مقتل محسن فخري زاده، القانون الذي ألزم حكومة روحاني التخلي عن إلتزامات نص عليها البروتوكول الملحق بإتفاقية “الصفقة النووية، وقفت الخارجية الإيرانية ضد هذا القانون، وصرح روحاني، بأن القانون بمثابة قتل للدبلوماسية. وكان الرجل يدرك، أن القانون هو قتل للصفقة النووية، التي تمثل إنجازه الرئيسي خلال كل فترة حكمه، وضربة قاتلة لأي أمل متبق لدى الإصلاحيين في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة. وعلى الرغم من أن القيادة الإيرانية كانت تشيع وسط الشارع الإيراني آمالاً كبيرة على الإدارة الأميركية الجديدة، إلا أن التصعيد في الخطاب الإيراني، خلال الشهر المنصرم على تسلم إدارة بايدن السلطة، يكاد يتخطى رفع الثمن الإيراني للعودة الأميركية إلى المفاوضات بشأن الصفقة، ويقوضها مع الجهود الدبلوماسية، كما توقع روحاني.

موقع التلفزة الروسية “InoTV” التابع للمجمع الإعلامي الرسمي “RT”، نقل عن صحيفة “الغارديان” في 19 من الجاري قولها، بأن “ضغط إيران يضع مستقبل الصفقة النووية على المحك”، ودعت الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إعتماد نهج “الخطوة خطوة” في العودة إلى الصفقة وإلغاء العقوبات. وجاء مقال الصحيفة قبل 21 شباط/فبراير الجاري، نهاية فترة الشهرين، التي منحها القانون الإيراني المذكور لحكومة روحاني، وألزمها بإنتاج 120 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب حتى 20% والحد من نطاق عمل مفتشي وكالة الطاقة النووية. ونقل الموقع عن الصحيفة قولها، بأن هذه التدابير،ـ التي تهدد بتنفيذها إيران، هي “ضغط على البيت الأبيض”، ودعت وزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى الإسراع في الإتفاق مع وزير الخارجية الأميركي على كيفية الرد على مخططات إيران.

موسكو، التي كانت قد حذرت إيران من أن تصعيد خطابها يعقد العودة إلى الصفقة، رحبت  بشدة بنتائج زيارة المدير العام لوكالة الطاقة النووية إلى طهران في 21 من الشهر الحالي، أي في اليوم عينه، الذي حددته إيران لوقف العمل بالبروتوكول الملحق بإتفاقية الصفقة، والذي ينص على تفتيش المراكز النووية الإيرانية. وعاد مدير الوكالة من زيارته لطهران بإلإتفاق على التمديد ثلاثة أشهر لصلاحيات مجتزأة لمفتشي الوكالة في إيران. وقالت الخارجية الروسية على موقعها، بأن الإتفاقات، التي أسفرت عنها الزيارة، ترمي إلى إستمرار التعاون البناء بين إيران والوكالة، ومواصلة النشاط الرقابي للوكالة. كما تؤمن هذه الإتفاقات “مستوىً رفيعاً” من شفافية البرنامج النووي الإيراني، مع الأخذ بالإعتبار متطلبات القانون الإيراني بشأن الإجراءات الإستراتيجية لإلغاء العقوبات وحماية الشعب الإيراني. وقالت الناطقة بإسم الخارجية ماريا زاخاروفا، بأن هذه الإتفاقات سوف تساعد في تحسين الوضع السياسي العام حول إيران وبرنامجها النووي، وتساعد في نزع التوتر، الذي يغذيه أعداء الإتفاق مع طهران.

وبعد أن تشيد زاخاروفا بالنهج “الحكيم والمدروس” للجانب الإيراني، ومهنية نشاطات قيادة الوكالة، تقول بأن الطرفين قدما مساهمة إيجابية ملموسة في خلق الظروف، للبدء بمفاوضات موضوعية بين الولايات المتحدة والشركاء الحاليين في الصفقة، بشأن عودة واشنطن إلى “الصفقة النووية”، وإلتزامها بمندرجاتها المثبتة في قرار مجلس الأمن الدولي 2231. وبالمقابل تتراجع طهران عن كل الإجراءات الطوعية، التي جمدتها، بما فيها المتعلقة بالشفافية.

الخارجية الأميركية، وكما نقلت نوفوستي في 24 من الجاري عن الناطق بإسمها نيد برايس، لم يتحدث عن زيارة مدير وكالة الطاقة، وما أسفرت عنه، بل تحدث عن نفاد صبر الولايات المتحدة من إيران.  قد يكون هذا التجاهل الأميركي للأمر، يندرج  في سياق تعزيز الموقف في المفاوضات مع إيران، وتسفيه تصعيدها الكلامي، وسعيها لرفع كلفة العودة الأميركية إلى المفاوضات بإشراف الإتحاد الأوروبي، ومشاركة إسرائيل والسعودية. لكن برايس قال، بأن هدف الولايات المتحدة من “كل ذلك”، هو ضمان أن تكون لدى الولايات المتحدة من جديد “قيود دائمة على البرنامج النووي الإيراني وقابلة للتحقق منها، كي لا تتمكن إيران من حيازة السلاح النووي”.

وقالت نوفوستي، أن برايس رفض التعليق على الخلاف مع إيران، حول ما إذا كان على أي من الطرفين تقديم تنازلات بشأن المسألة النووية، وقال، بأن الإقتراح بشأن المفاوضات مطروح على الطاولة منذ ما يقرب الأسبوع، وأن مثل هذه المسائل من الإفضل مناقشتها على طاولة المفاوضات.

وأشارت الوكالة، إلى أن ممثل إيران الدائم في مكتب الأمم المتحدة في جنيف إسماعيل بكاي شامان صرح  بأن دعوة طهران من قبل واشنطن للتطبيق الكامل لشروط الصفقة النووية، هي دعوة سخيفة، لأن واشنطن نفسها هي خارج إتفاقية هذه الصفقة.

مركز كارنيغي موسكو رأى  أن يقارب مسالة النووي الإيراني من زاوية أين تلتقي واشنطن وموسكو، وأين تفترقان  في مسألة الصفقة النووية، ونشر في 19 من الجاري نصاً بعنوان “هل تتفق روسيا والولايات المتحدة حول إيران”. قال النص، أنه بعد مرور شهر على تسلم الإدارة الأميركية الجديدة السلطة في واشنطن، لم تفصح بعد عن خطتها في كيفية إحياء المفاوضات مع إيران للعودة إلى الصفقة النووية. وفي هذه الأثناء، يبدو أن طهران عازمة على اللعب على التوتير وهي تتخلى عن إلتزاماتها في البرنامج النووي.

وقال المركز، أن وزير الإستخبارات والأمن القومي الإيراني محمود علوي، أدلى في 9 شباط/فبراير الجاري، بتصريح غير مسبوق بتشدده قال فيه، بأن تزايد ضغط الغرب على إيران قد يدفع بها إلى إنتاج سلاح نووي. وقال علوي مبرراً كلامه، بأن “القط المحاصر في زاوية”  يتصرف على نحو مختلف عن القط الطليق. ويقول المركز، بأن موقف إيران الإستفزازي هذا، أثار قلق ليس الغرب فحسب، بل وموسكو أيضاً.

ويشير المركز، إلى أن روسيا تساند إيران في الخلاف على مشروعها النووي منذ، أن أعلنت إدارة ترامب العام 2018 عن إنسحاب الولايات المتحدة من الصفقة النووية. وحين حاول وزير الخارجية السايق مايك بومبيو الحصول على دعم دولي لتوسيع الحظر على تصدير الأسلحة إلى إيران، ردت موسكو، بأن الولايات المتحدة تحاول الجلوس على كرسيين.

يعدد المركز الحالات، التي وقفت فيها موسكو إلى جانب إيران، ويقول بأنها كانت تصر دوماً، على حق طهران بإمتلاك مشروعها النووي الخاص، لكن بشرط أن تضمن رقابة الوكالة الدولية للطاقة طابعه السلمي. لا تتفق الولايات المتحدة وروسيا على الوسائل، مثل ضرورة الضغط بالعقوبات، إلا أنهما تتفقان بشأن الهدف النهائي، على أن إيران لا ينبغي أن تمتلك سلاحا نووياً. ويقول، بأن روسيا تعتبر، أن إيران ملزمة بتنفيذ البروتوكول الملحق بالصفقة النووية، وإذا ما رفضت ذلك واستمرت بالتصعيد،  فإن صبر موسكو سوف ينفد. ويقول، بأن تصلب إيران في الرد على عروض الغرب البناءة، قد يؤدي إلى تشديد موقف روسيا منها، كما جرى في حالات سابقة. وذلك لأن موسكو هي أيضاً قلقة بشأن عدم إنتشار الأسلحة النووية، وتسعى للحفاظ على منصة 5+1. ويقول، بأنه، حتى إذا شعرت إيران بأنها “قط محاصر في زاوية”، فإن التصعيد والخطاب المتشدد للغاية، قد يدمران علاقاتها، حتى مع حلفائها المقربين في مجلس الأمن الدولي.

 

المصدر: المدن

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى