أفضى اجتماع لقوى سياسية عراقية مقرّبة من إيران ليل أمس الثلاثاء، إلى اتفاق على رفض خطوة رئيس الجمهورية برهم صالح تكليف محافظ النجف السابق وعضو البرلمان عدنان الزرفي بتشكيل الحكومة الجديدة، معلنين معارضتهم ما سموه آلية تكليفه.
وتبرز كتل وتحالفات مختلفة في هذا المعسكر، أبرزها “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، و”الفتح” بزعامة هادي العامري، وهو الجناح الذي يمثل مليشيات “الحشد الشعبي” سياسياً، عدا عن كتل أخرى صغيرة متحالفة معها، في وقت أصدر “تيار الحكمة” بياناً قريباً من ذلك، قال فيه إنه يرفض طريقة التكليف، من دون التحدث عن شخص رئيس الوزراء المكلَّف، في تراجع واضح عن موقفه الأول.
ويرجع مراقبون عراقيون ذلك إلى تجاهل صالح لتلك القوى وتحفظاتها على الزرفي، باعتباره قريباً من المحور الأميركي ويحمل جنسية أميركية وله مواقف رافضة أو داعية لتفكيك الفصائل المسلحة، عدا عن أن عدم كونه خياراً إيرانياً سبب كافٍ لتعلن تلك القوى رفضها له.
في المقابل، يحظى الزرفي بدعم من قوى شيعية أخرى مهمة مثل “سائرون” بزعامة مقتدى الصدر، و”النصر” بزعامة حيدر العبادي، فضلاً عن القوى السنية والكردية والأقليات، وهو ما يجعل سيناريو رفضه، على غرار رفض محمد توفيق علاوي، مطلع الشهر الحالي، وارداً، وقد يؤدي اتساع الخلافات بين القوى المختلفة لأزمة سياسية أكبر، قد تمتد لأجنحة الأحزاب المسلحة أيضاً.
وفي وقت متأخر من ليل الثلاثاء – الأربعاء، أصدرت 4 كتل برلمانية بارزة هي تحالف “الفتح”، و”ائتلاف دولة القانون”، وكتلتا “النهج الوطني”، و”العقد الوطني” بياناً مشتركاً رفضت فيه قيام الرئيس العراقي بتكليف الزرفي، موضحة أن هذا التكليف تجاوز لجميع السياقات الدستورية والأعراف السياسية، وذلك من خلال رفض تكليف مرشح الكتلة الأكبر، ثم تكليف مرشح آخر من دون موافقة أغلبية الكتل المعنية بذلك، ملوحة باستخدام “جميع الطرق والوسائل القانونية والسياسية والشعبية لإيقاف هذا التداعي”.
كما أبدى “تيار الحكمة”، في بيان منفصل، اعتراضه على آلية رئيس الجمهورية في تكليف الزرفي، مؤكداً تحفظه على الطريقة التي اعتُمدت في هذا التكليف، بنحو عكس عدم الاكتراث لعدد مهم من القوى السياسية.
وبحسب العرف السياسي السائد في العراق منذ أول انتخابات أجريت عام 2005، فإن القوى السياسية الشيعية الرئيسة تقوم بطرح مرشحها على رئيس الجمهورية ليقوم بتكليفه، إلا أن برهم صالح خرج عن هذا العرف، واستند إلى الدستور الذي يمنحه حق ترشيح رئيس الوزراء إذا فشلت الكتلة الأكبر في البرلمان بذلك، وهو ما أيدته المحكمة الاتحادية المختصة بالفصل في النزاعات الدستورية. إلا أن نواباً بتحالف “الفتح” الرافض لترشيح الزرفي، اعترضوا على شرعية قرارات المحكمة الاتحادية، كالنائب عن التحالف نعيم العبودي، الذي قال في تغريدة على موقع “تويتر” إنّ “قرار المحكمة الاتحادية حول إعطاء صلاحية لرئيس الجمهورية لاختيار رئيس الوزراء باطل لأنه قرار معدوم قانوناً لأنه صدر باشتراك العضو محمد رجب الكبيسي الذي ألغى القضاء عضويته، وبالتالي نصاب المحكمة أصبح 8، وهذا يجعلها غير مكتملة النصاب ولا يُعتدّ بأي قرار يصدر عنها”.
في المقابل، قال عضو البرلمان عن تحالف “سائرون” المدعوم من التيار الصدري رياض المسعودي، إنّ صالح استند إلى المادة 76 من الدستور عند تكليفه للزرفي، موضحاً، في مقابلة متلفزة، أن دعم تحالفه للزرفي جاء من أجل تحقيق مطالب الشعب التي تتطلب شخصية قادرة على تلبيتها من خلال إجراء انتخابات مبكرة. وبيّن المسعودي أن الزرفي كان من بين الأسماء التي ناقشتها اللجنة السباعية التي لم تتمكن من الاتفاق على مرشح بسبب الخلافات بداخلها، مبيناً أن الطبقة السياسية الحالية لا يمكن أن تتغير من دون انتخابات.
وتعهد رئيس الوزراء العراقي المكلف في أول خطاب له بعد تكليفه، بإجراء انتخابات مبكرة، وملاحقة قتلة المتظاهرين، ومحاربة الفساد، ومواجهة تفشي وباء كورونا، والعمل على رسم سياسة خارجية عراقية متوازنة.
وقال مصدر سياسي مقرب من الزرفي لـ “العربي الجديد”، إن الأخير سيبدأ غداً الخميس حوارات مكثفة يبدأها مع المعارضين لتكليفه، موضحاً أنه سيعمل مبكراً على ضمان أغلبية مريحة في البرلمان لتمرير حكومته كي لا يتكرر الإخفاق الذي تسبب بفشل منح الثقة للمكلف السابق بتشكيل الحكومة محمد توفيق علاوي. واستدرك “إلا أن مهمة الزرفي لن تكون سهلة، في ظل وجود قوى مهمة ولديها ثقلها في البرلمان تعترض على تكليفه”، مبيناً أن رئيس الحكومة المكلف سيجري مباحثات أيضاً مع قوى كردية وسنية، بهدف إقناعها ببرنامجه للحكومة الانتقالية، والذي سيركز، كما أوضح في خطابه، على أمور عدة يتقدمها التحضير لإجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة”.
واعتبر الخبير بالشأن السياسي العراقي علي عفات، أنّ الصراع والتنافس السياسي في العراق دخل مرحلة جديدة تهدّد بأزمة كبيرة للغاية، وصلت إلى التشكيك بقرارات المحكمة الاتحادية، وحتى تفسير الدستور. ويضيف عفات، لـ”العربي الجديد”، أن مفهوم تقديم التنازلات من الكتل والقوى السياسية غائب تماماً، وهناك شخصنة واضحة في الأزمة، خصوصاً بين القيادات والزعامات السياسية الشيعية، مع إصرار النجف على النأي عن الدعم أو التنصل، وضعف البدلاء الذين تقدمهم إيران عن قاسم سليماني ليحلّوا محله ويتولوا مهامه.
وبيّن أن السيناريو الحالي الأقرب هو بقاء عادل عبد المهدي مدة مفتوحة، في حال استمرت الأزمة السياسية، وهو ما تريده أيضاً القوى المقربة من إيران.
المصدر: العربي الجديد