أسماء مصطفى كمال، كاتبة مصرية، وهذا أول عمل أقرؤه لها. نساء داعش، سبايا ومحظيات، كتاب يتحدث عن تجربة الكثير من النساء اللواتي كنّ في كنف داعش، سواء اللاتي أتين اليها تحت دعوى العمل الجهادي، او النساء اللواتي وجدن ان بلادهم في العراق الموصل وما حولها وسورية الرقة وغيرها، وعائلاتهم وقعت تحت إحتلال داعش منذ ٢٠١٤م حتى ٢٠١٧م. وكنّ ضحايا وسجينات، كما تتحدث عن الأزيديين المعتبرين من عبدة الشيطان، المستقرين في منطقة سنجار في العراق منذ مئات السنين، وكيف هاجمتهم داعش، وعاملتهم على أنهم كفّار قتلت الرجال، واستعبدت النساء وجنّدت الأطفال في حربها وأعمالها الإرهابية.
اعتمدت الكاتبة في الكتاب على البحث عن مصادر عربية وأجنبية، تتحدث عن شهادات عمّا فعلته داعش عموما؛ وخاصة مع النساء. أغلب مصادر الكاتبة من الصحف الغربية وخاصة الفرنسية، قامت هي بترجمتها، لذلك تبدو النصوص وكأنها لقطات صغيرة مقتطعة من فيلم سينمائي لا نعرف أوله من آخره.
لم تتحدث عن داعش من هم ؟. من أين أتوا؟، ما هي أفكارهم؟. لماذا يعتمدون العنف والقتل والذبح؟. وما علاقة ذلك بالإسلام؟. وما علاقة ذلك بحراك الربيع العربي والثورة في سورية وفي العراق على اقل تقدير؟. كل ذلك غير حاضر، تتحدث الكاتبة بنصوصها المترجمة وكأنها مجرد ناقلة معلومات لا علاقة لها بمحتواها. مثلا صاحب النص الأصلي يحاول أن يسيئ للإسلام والمسلمين، دون وضوح للأسباب سوى الفوبيا الغربية، لا يقتربون من ظروف القهر والتخلف والاستبداد للأنظمة التي ثار أهلها وأثمرت بعد ذلك داعش، وبفعل فاعل، من أجل شيطنة ثورات الربيع العربي وتبرير قتلها…الخ. كل ذلك غائب عن الكتاب.
يتناول الكتاب موضوع النساء عند داعش على ثلاث مستويات:
الاول: الأزيديين عموما مع نسائهم وأطفالهم.
الأزيديين هم مجموعة دينية صغيرة العدد بالآلاف متواجدة في منطقة سنجار وما حولها في شمال العراق، يعبدون الشيطان الذي يسمونه طاووس ملك، ويعتبرونه رئيس الملائكة هو وسيطهم إلى الله، ينقسم المجتمع الأزيدي الى طبقة المشايخ وبعدهم الأعوان وهم طبقة وسيطة بين المشايخ والعوام، ومن ثم العوام وهم عموم الناس. هناك تمايز مجتمعي بين هذه الفئات، فلا تداخل بالتزاوج والأدوار والمهن بين هذه المجموعات الثلاث، لهم طقوسهم الدينية، وصلواتهم التي يتوجهون بها للشمس، ولهم مشايخهم، ولهم حجّهم إلى مركز رئيس طائفتهم “الشيخ بابا”؛ يعقد القران ويحلل لهم أعمالهم، ويعطيهم مع طبقة المشايخ التابعين له الشرعية الدينية. هم مجتمع مغلق على نفسه، متوائمون، يعيشون منذ مئات السنين على هذه الحال، متصالحين مع من جاورهم من المسلمين السنة والأكراد، ويتبادلون معهم المصالح. هكذا كانت حياتهم الى أن تواجدت داعش وقويت في العراق وسورية، سيطرت على الموصل وما حولها في العراق وتمددت باتجاه سنجار ووصلت إلى أهلها الازيديين، كانوا قد علموا بأن داعش قادمة، بدؤوا بالهرب الى مناطق الشمال العراقي حيث سيطرة الأكراد، استطاع البعض الهرب، والبعض الاخر وصلت إليهم داعش في بلداتهم وقراهم والبعض قبضوا عليهم في طريق الهروب. كانت معاملة داعش مع الأزيديين وحشية، يعتبرونهم كفار، مهدوري الدم والكرامة. فرزوا الرجال عن النساء والأطفال، قتلوا الرجال ذبحا أو بالرصاص، واعتبروا الاطفال والنساء غنائم حرب وسبايا. ادخلوا الأطفال في عمليات غسل دماء وعلموهم المبادئ الإسلامية الأولية وجهّزوهم ليكونوا أشبال الخلافة الاسلامية، ثم يكونوا مقاتلين في حروب داعش وعملياتها الانتحارية، أما النساء فقد اعتبروهنّ سبايا، تقاسمهنّ مقاتلي داعش ليكونوا محظياتهم يغتصبنهنّ ويمارسن معهنّ الجنس، بحكم كونهم يمتلكنهنّ كعبيد، فهم ضحايا للجنس والعمل حيث يريد المالك الداعشي، وإن مللنّ منهنّ يلجأن لبيعهنّ في سوق نخاسة حقيقي. في الكتاب الكثير من الروايات عن ماعاشت النساء الازيديات من ظلم وقهر وامتهان، البعض منهنّ متنّ، والبعض هربنّ، كنّ يحملن من مالكيهم الدواعش و يجهضنّ دون أي اعتبار لإنسانيتهنّ. لم تنتهي محنة النساء والاطفال الأزيديين إلا عندما بدأت تنهزم داعش امام التحالف الدولي، وبدأن بالتحرر، لكنهنّ لم يستطعن أن يتحررن من معاناتهنّ مما عاشوا، وكذلك من صعوبة تقبل اهلهم وذويهم ومجتمعهم لهنّ، خاصة بعد أن وقعن ضحية اغتصاب دائم، والبعض منهنّ عادت لاهلها وهي حاملة. قرر الشيخ بابا أن يعتبرهنّ ضحايا ويغفر لهنّ وقوعهنّ ضحايا الإغتصاب، لكن لم يقبلوا أي حمل لأي إمرأة فقاموا باجهاض كل النساء الحوامل. وهكذا انتهت قصة النساء والأطفال الازيديات مع داعش بعد أن عشنّ حياة أقرب للجحيم.
الثاني: النساء المسلمات والمسيحيات اللواتي وقعن وأهلهن تحت سيطرة داعش.
كانت البلدات الشيعية او السنية التي تصل اليهم داعش وتحتلها، تقتل رجالها وتسجن نساءها، و تأخذ أطفالها لتغسل دماغهم وتزرع فيهم الفكر الداعشي وتدربهم على السلاح واستعمال المتفجرات، وتعدهم ليكوا انتحاريين في عملياتها الإرهابية. أما النساء فيحتجزوهن في بيوت مثل السجون تسمى بيوت الضيافة برعاية سجانات داعشيات، وتكون هذه البيوت موزعة في مناطق سيطرة داعش. تُمنع المرأة عن المغادرة، حيث تسكن مع نساء أخريات.
يتردد على بيوت الضيافة رجال داعش باحثين عن نساء للزواج من تلك النساء. وتقبل أغلب النساء ذلك، للخروج من حياة قاسية ومن حرمان الحرية، على أمل بتغيير حالهنّ وحياتهنّ نحو الأفضل. لكن واقع الحرب والصراع يؤدي لمقتل أغلب الأزواج، ومن ثم تعود المرأة الى بيت الضيافة تنتظر زوجا آخر، وقد تكن قد انجبت، تعود ومعها اولادها. وقد لا تستقيم حياتهم بعد الزواج او يملّ الداعشي منها فيطلّقها، وتعود إلى بيت الضيافة مجددا. كما أن هناك ظاهرة تعدد زوجات الداعشي الى حدود الاربعة، هذا غير الأزيديات التي يشترينهنّ من سوق النساء المعتبرات سبايا “الكفار”. و قد يكن للنساء اطفال من حياتهن السابقة على وقوعهنّ تحت سيطرة داعش ، فيفصلوا عنهنّ، ويعشنّ حياتهنّ بجحيم الفراق عن اولادهنّ، طبعا بعد ان تمّ تقتيل الأهل والاخوة والأزواج، وقتل النساء الكبيرات بالسن. عاشت النساء المسلمات هذا الجحيم، وكثير من النساء المسيحيات، أما المسلمات الشيعة فمعاملتهنّ أسوأ باعتبارهم مرتدات و يستباح دماء اهلهنّ ورجالهنّ.
وهكذا استمر واقع هؤلاء النساء الى أن استطاع بعضهنّ الهرب من مناطق داعش والبعض مُتنّ بسبب أو آخر قبل ذلك، او صبرنّ الى ان هزمت داعش، وعدن الى حياتهنّ السابقة، واغلبهن مشوهات نفسيا و عاجزات عن التحرر مما حصل معهنّ.
ثالثا: النساء والفتيات اللواتي اتين متطوعات للجهاد مع داعش.
لقد كان للدعاية التي اقترنت مع وجود داعش وتطور نشاطها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في النت، دورا كبيرا في استقطاب الكثير من الفتيات والنساء للتحول للدين الإسلامي عند البعض، والالتزام الديني عند المسلمات، و التأثر بفكرة بناء دولة الإسلام كما تطرحها داعش، وكان يتم ذلك عبر الكثير من الشباب الداعشي الذي يقوم بعملية غسل دماغ للفتيات، ودفعهنّ لمغادرة أوروبا وبقية دول العالم، والتوجه الى حيث داعش في سورية والعراق. كانت حياة النساء الخاوية أو المأزومة أو التي أصبح لها قضية تناضل من أجلها، أو حصل حب وانتماء الى داعش عبر داعشي. كل ذلك جعل الكثير من النساء يأتين طواعية ويصلن إلى مناطق داعش في الرقة او الموصل، ويتزوجن ممن شجعهنّ على الحضور، لكن بعد مضي الوقت ومعاشرة الرعب والقتل والخوف، يجعلهنّ بعد فترة يصحون الى واقع مختلف عن احلامهنّ، قد يقتل الزوج الحبيب في معارك داعش الكثيرة، قد يشاهدن اعدامات بالذبح، ويشاهدن حالات مظلومية لنساء اخريات من الازيديات او النساء المحتجزات في بيوت الضيافة. ويؤدي ذلك لخيبات أمل، ومع الوقت تبدأ هذه الفتيات بالتفكير بالهرب، بعضهن حاملات بأبناء من آباء دواعش قتلوا، أو تطلقن منهم. والبعض أصبح لديهم أبناء وأصبحن خائفات عليهم. خططوا للهرب، نجح البعض وعاد ليحكي قصته كاملة للعالم، البعض لم يتحرر تماما من التعبئة الفكرية، وقد يعدْنّ الى مناطق داعش، ويشاركن في عمليات ارهابية، والبعض منهنّ يحتجنّ لمتابعة طبيب نفسي ليتستطعنّ تجاوز ما عاشنّه. والاغلب لم يستطعنّ الهرب فكان مصيرهنّ بعد سقوط مناطق داعش بيد قوات التحالف، وحصل شبه اندثار لداعش، حيث يعتقل الرجال، وتم وضع النساء والاطفال في مخيمات معزولة اشبه بسجون، يحاسبن وكأنهن داعشيات، اغلبهن ترفض دولهن استقبالهم، وبقين يعشن في حياة الجحيم. اعدادهن بالآلاف ولا حل لهن للآن، وهناك مخيم الهول الذي يقع تحت سيطرة “قسد” فرع ال ب ك ك حزب العمال الكردستاني في سورية، وفيه الآلاف من النساء والاطفال الذين لم يحسم أمر احتجازهنّ للآن.
هذه هي نماذج لكثير من النساء التي ذكرن في الكتاب.
في تحليله نقول:
٠ إضافة لما تحدثنا به ضمن سياق سرد محتوى الكتاب، نعتبر الكتاب غامضا في تنوير واقع داعش وظهورها وسبب تمددها وافعالها، وصولا إلى انحسارها. ونحن نحاول التوضيح.
لقد حصل الربيع العربي الذي طالب به الشعب في سورية ومصر وليبيا وتونس واليمن، بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية واسقاط الاستبداد ومحاربة الفساد وتأمين الحياة الافضل. وكانت مواجهة الثورات العربية مهمة عاجلة للأنظمة العربية والغرب، وكان من أساليب اسقاط الربيع العربي أن يتم اعتباره سببا لتواجد التيار الديني المتطرف الذي أفرز القاعدة سابقا ومن بعد ذلك داعش؛ النسخة الأحدث والاسوأ. لقد اعتمد النظام العراقي خليفة المستعمر الأمريكي على خلق مظلومية، أفرزت مقاتلين من بقايا خلايا القاعدة التي جاءت لتقاتل الامريكان والحكم التابع لها، وتطورت لتكون الدولة الاسلامية في العراق والشام داعش، التي أخذت برؤية متطرفة للإسلام والتي اعتمدت العنف وكانت الخنجر الذي طعن ثورة العراق وسورية في الظهر، سورية التي كانت قد تحرر أغلبها من سيطرة النظام المستبد المجرم الذي كان قد واجه الشعب بالقتل والتدمير، وادى هذا للجوء الثوار للقوة العسكرية، وعندما اقترب اسقاط النظام جاءت روسيا وإيران لتنقذه بالقوة العسكرية، واُخرج معتقلي القاعدة والاسلاميين من السجون السورية والعراقية، حيث إنتهزوا الفرصة و شكّلوا جماعات مسلحة، ولنجد قوى اقليمية ودولية تقدم لهم المال والسلاح، ليعيدوا إسقاط المناطق المحررة من النظام ليأخذوها وليكونوا السلاح الذي يقتل الثوار، ويحصل الوضع الذي يدخل القضية السورية والعراقية في دهاليز محاربة الإرهاب، ويتم انقاذ النظام بدعوى اولوية محاربة داعش.
هكذا ولدت داعش وهذا هو دورها الذي نجحت به.
٠ أخيرا إن معاناة النساء بما حصل لهن مع داعش، رغم رفضنا المطلق له، و معرفة آثاره على كل المستويات، مع ذلك فهو لا يغطي معاناة شعبنا السوري من ظلم النظام السوري المجرم، ولا يبرر الصمت الدولي عنه. الضحايا أكثر من مليون إنسان والمصابين والمعاقين أكثر من مليون والمشردين نصف الشعب السوري، وسورية اغلبها مدمر، ومستعمرة من ايران وروسيا وامريكا، مع تواجد تركي في الشمال السوري. إن وضوح الحالة هذه يظهر كون داعش تفصيل اسود من تاريخ قتل الربيعين السوري والعراقي.