
لا يبدو أن تحركات الطيران الأردني/ العربي الذي استهدف معاقل ومواقع مصنعي وتجار (الكبتاغون) في الجنوب السوري، كان هدفه ضرب تجارة المخدرات ومجموعاتها في محافظة السويداء فحسب. كما لا يبدو أنه ليس هناك من تنسيق حقيقي بين الحكومة السورية والمملكة الأردنية الهاشمية في موضوع هذه الضربات ومآلاتها بالضرورة على مجمل خريطة الواقع الميداني في محتفظة السويداء.
ورغم حرص السوريين حكومة وشعبًا على سلامة أهل السويداء الوطنيين السوريين الشرفاء الذين يشهد تاريخهم وحاضرهم أيضًا بانتمائهم الوطني السوري الأصيل الذي لا يقبل التفكير خارج الوطنية السورية، وأهمية ان يبقى الحوار مفتوحًا مع القوى الحية والنخب الثقافية والوطنية في السويداء وجبل العرب، إلا أن ما جرى ويجري في السويداء من حالات انتشار مهربي الكبتاغون وانتعاشهم بعد تحركات ظاهرة الهجري، وبقايا فلول الأسد ممن هربوا الى تلك المنطقة إبان سقوط نظام بشار الأسد، باعتبارها جغرافيا سورية خارج سيطرة الدولة السورية، ثم اتكاء على ما جرى من أخطاء جسيمة مع تحرك العشائر نحو السويداء، وتلك الدماء السورية الطاهرة التي نزفت بدون حق في حينها . إلا أن الحق يقال في أن السماح لمجموعات عسكرية فلولية وهجرية وبدعم إسرائيلي معلن وواضح لم يعد خافيًا على أحد يحتاج إلى حلول ميدانية عسكرية، تحافظ على أهل السويداء، لكنها في الوقت نفسه تنهي ظاهرة تجار المخدرات، والمجموعات العسكرية التي بات همها الوحيد العبث في النسيج المجتمعي لمحافظة السويداء، وإقامة علاقة مع إسرائيل، يمكن الاستفادة منها ماليًا وكبتاغونيًا. ولعل ما جرى الحديث عنه مؤخرًا في الصحافة الغربية من أن هناك دعم مالي مستمر من قبل إسرائيل لهذه المجموعات العسكرية، هو حقيقة واضحة وظاهرة للعيان، ولابد من إنهائها.. ويبدو أن الدولة الأردنية قد بدأت بالفعل في عملية القيام نيابة عن الحكومة السورية وبالتنسيق معها لإنهاء هذه الغدة السرطانية، وكل هذه المجموعات المدعومة إسرائيليًا، التي تريد الذهاب بالجنوب السوري إلى غير ما يريده السوريون في السويداء وخارجها.
وضمن هذه السياقات يبدو كذلك أن الإسرائيليين قد بدأوا يتخلون تدريجيًا عن جماعة الهجري ضمن مصالحهم الأوسع التي لا يبدو أنها باتت موافقة على إقامة دولة درزية في المنطقة خوفًا من أن تمتد مستقبلًا إلى داخل فلسطين المحتلة، وكذلك وضمن هذا السياق تلك الضغوط الأميركية الموجودة، والتي أكدت على حرصها المستمر من أجل توفر الاستقرار في سوريا كي يترك أثره الإيجابي على المنطقة برمتها، وليس على أوضاع السوريين فحسب.
الحوار هو الحل دائمًا والعودة إلى فتح أقنيته من جديد وعلى أسس جدية وجديدة، هو الملاذ المنطقي والعقلاني في سياق حالة التفاؤل في حل الكثير من معوقات الوحدة الوطنية السورية سواء كان ما يتعلق فيها بالجنوب السوري أوفي حل إشكالات شمال شرق سوريا
المشهد السياسي والعسكري في الجنوب السوري يشير إلى أن ظاهرة الهجري مرفوضة شعبيًا على نطاق واسع من قبل أهل السويداء عمومًا، وأن الجميع بات يدرك تمام الادراك المآلات الصعبة التي من الممكن أن يأخذ بها حطمت الهجري أهل السويداء إلى مالا تحمد عقباه، وأن شعب السويداء يمتاز بوطنية سورية لا غبار عليها، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتماشى مع مشاريع هجرية مقلقة ومفتتة للوضع السوري، ومن ثم يمكن أن تكون خارج نطاق الوطنية السورية. وضمن هذه الاعتبارات والتغيرات الدراماتيكية التي تحصل وعلى وقع قصف الطيران الأردني/ العربي وتأثيراته، لابد من أن تتحرك الحكومة السورية عاجلًا وغير آجل، وبالتوازي مع ما يجري أيضًا من حوارات مع تنظيم (قسد) أن تتحرك الحكومة السورية الجديدة نحو إعادة فتح الحوار الوطني الشفاف والحقيقي الواسع، مع نخب السويداء وجبل العرب والفاعلين الوطنيين في هذه المحافظة، من أجل محاصرة وإنهاء ظاهرة الهجري ومجموعاته العسكرية، وطبعا سيكون هذا التحرك ضمن دعم إقليمي عربي، وكذلك دولي أميركي وغربي.
الحوار هو الحل دائمًا والعودة إلى فتح أقنيته من جديد وعلى أسس جدية وجديدة، هو الملاذ المنطقي والعقلاني في سياق حالة التفاؤل في حل الكثير من معوقات الوحدة الوطنية السورية سواء كان ما يتعلق فيها بالجنوب السوري أوفي حل إشكالات شمال شرقي سوريا، أو كذلك على وقع ما جرى في الساحل السوري والشمال الغربي.
لعل التحديات أمام الحكومة السورية ما زالت كبيرة وكثيرة، والاشتغال فيها وعليها، وعلى وقع ومسارات كل الجهات ليس سهلاً. لكن الصمت وحالة المراوحة بالمكان واللا جدوى حركيًا لن تكون الحل بأي حال من الأحوال. إذ أن الحل الوطني كان وسوف يبقى حلًا وطنيًا وحدويًا بامتياز، بدون أفكار تقسيمية وبدون تشظيًا أثنيًا أو طائفيًا هنا أو هناك. ومن ثم العمل طويلاً من أجل انبعاث العقد الاجتماعي الوطني السوري الجامع، الذي سيكون المخرج الحقيقي للسوريين من كل هذه الترهلات وحالات الفوات الوطني، التي تعوق نهوض سوريا وتمنع القيام بمداميك وأساسات عام التنمية القادم عام 2026 المزمع، حسب تصريحات وزير الخارجية أسعد الشيباني المتواصلة.
لا غرو أن الأوضاع السورية الحالية صعبة وشاقة في ‘طار العمل عليها، لكن فتح باب الحوار الصريح والشفاف سوف يكون بمثابة فعل القطيعة النهائية مع كل المشاريع الانفصالية، التي كان يريد منها البعض وما يزال تفتيت سوريا، وإحالتها إلى مشارف الدولة الفاشلة اقتصاديًا وسياسيًا ومجتمعيًا، التي دأب نظام حافظ الأسد وابنه الفاشيستي على العمل فيها وفي إطارها خلال 54 عاما من حكم آل الأسد، عندما تم خطف الوطن السوري إلى التموضع ضمن أدوار وظيفية خارج السيادة الوطنية لسوريا، حيث كان يريدها حافظ الأسد عبر المصالح الضيقة وغير الوطنية والتي كانت تنهل من معين حالات ما قبل وطنية.
فهل سيكون العام القادم الذي سيدخل بعد أيام قليلة عامًا للوحدة الوطنية السورية؟ وهل سيتجاوز السوريون عنق الزجاجة ويعيدوا بالتالي بناء سوريا الوطن الواحد الموحد الذي ضحى أبناءه بما يزيد عن مليون شهيد، حتى يكون لهم الموقع الاستراتيجي المهم داخليًا وخارجيا؟
المصدر: تلفزيون سوريا






