في مراجعة مفهوم الحزب السياسي

  معقل زهور عدي

حين تصدر السلطة قانونا للأحزاب فهي تقصد السماح بترخيص الأحزاب مع وضع الضوابط وتقنين عمل الأحزاب أيضا .

لكن علينا نحن أن نفكر مليا بمفهوم الحزب السياسي في ضوء التجربة الحزبية التاريخية لسورية وفي ضوء المرحلة التي تمر بها البلاد وأخيرا في ضوء المفهوم الديمقراطي العالمي للحزب .

فمفهوم الحزب السياسي الايديولوجي الثوري الانقلابي قد انتهى وسقط تاريخيا , وماهو أمامنا هو مفهوم الحزب السياسي ضمن الدولة الديمقراطية , بالتالي لايمكن تصور حياة حزبية بدون نظام ديمقراطي وهذه معضلة ينبغي ادراكها في ظل تردد الادارة السياسية الحالية في مسألة التحول الديمقراطي .

وفي حين يرتبط مفهوم الحزب الثوري بالايديولوجيا ارتباطا عضويا , فإن مفهوم الحزب السياسي الديمقراطي يرتبط بالنظام الديمقراطي ارتباطا عضويا أيضا .

وهناك العنف الثوري وثيق الصلة بالايديولوجيا والحزب الثوري الانقلابي , ولابد من حظر الحزب السياسي الذي يبيح العنف الثوري باعتباره خطرا على المجتمع مثلما ينبغي حظر الحزب السياسي الذي لايلتزم بالنظام الديمقراطي التزاما صريحا وتاما .

أما المرجعية الفكرية للحزب فيفترض أن لاتكون عقبة في قبول الحزب طالما ظلت بعيدة عن العنصرية والطائفية وعن أي دعوة للانفصال وتقسيم الدولة .

وبالعودة لصلب موضوعنا في مفهوم الحزب السياسي , فالحزب السياسي في عصرنا هو واحد من الأطر القانونية للعمل السياسي المنظم ومن بين الأطر الأخرى كالنقابات والجمعيات فهو يمثل العقل السياسي في المجتمع وهو المسؤول عن إنتاج السياسة والكوادر السياسية , والحياة السياسية الديمقراطية تتكثف في تنافس الأحزاب ببرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية للفوز بالسلطة عن طريق الانتخابات الديمقراطية .

صحيح أن الحياة السياسية أوسع من مجرد النشاط الحزبي حين نأخذ بالاعتبار مشاركة المجتمع المدني بكل هياكله التنظيمية لكن الحياة السياسية تعود لتتكثف في الأحزاب السياسية إلى حد كبير .

حين نتحدث عن الحزب السياسي فنحن نتحدث عن تنظيم ينتمي لفئات اجتماعية محددة إلى هذا الحد أو ذاك وبالتالي يأخذ على عاتقه الدفاع عن مصالحها الاقتصادية والمعيشية , ويتكفل النظام الديمقراطي بايجاد التوافق بين المصالح المختلفة للفئات الاجتماعية المتعددة وهذه الصفة للحزب السياسي ينبغي أن لاتغيب عن البال منذ بداية تشكيل الحزب .

يمثل ماسبق نظرة عمومية للحزب السياسي في وظيفته ضمن مجتمع مستقر , ويصلح ذلك ليكون هدفا ” بوصلة ” يظهر جزءا عضويا من بنية الدولة الديمقراطية المنشودة , لكن ماذا عن المرحلة الانتقالية الراهنة ؟

لايمكن انتاج حزب سياسي حقيقي من حياة سياسية شبه معدومة , فمع تصحير الحياة السياسية يصبح الحزب السياسي مظهرا مخادعا للنزعات العصبية ماقبل الوطنية ويمكن أن يكرس واقع تلك النزعات بإضافة البعد السياسي للانقسامات الطائفية – القبلية فما العمل ؟

من وجهة نظر المجتمع المدني لايمكن منح الحزب السياسي في واقعنا الراهن الوظيفة ذاتها التي ينهض بها حزب سياسي في دولة مستقرة تتمتع بحياة سياسية غنية , بالضرورة سيكون الحزب السياسي إحدى أدوات إحياء الحياة السياسية وليس نتاج الحياة السياسية شبه المعدومة , بالتالي فوظيفة الحزب السياسي في المرحلة الراهنة هي نشر الوعي السياسي , فتح الحوارات وتنظيمها على مختلف المستويات الاجتماعية , الدفع باتجاه تعميق وتجذير الحريات العامة والدفاع عنها وكذلك الدفاع عن سيادة القانون ومواجهة النزعات الطائفية والتعصبية , الحزب السياسي في مرحلتنا الراهنة هو أحد الشركاء في إحياء المجتمع المدني والحياة السياسية .

من هذه الوظيفة يتحدد شكل الحزب السياسي المطلوب , فهو ليس حزبا مركزيا يتمتع بعلاقات داخلية صارمة بل حزب ديمقراطي يحتمل وجود آراء متعددة , تجمعه إرادة إحياء الحياة السياسية والدفاع عن الحريات ونشر القيم الديمقراطية والوطنية والدفع باتجاه التحول الديمقراطي عبر النقد وشتى أشكال المعارضة السلمية الديمقراطية .

الحزب السياسي المطلوب هو أداة فعالة لملء الفراغ السياسي وايجاد توازن بين السلطة والمجتمع .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى