الصحوة العربيّة المنشودَة  

  أحمد ذبيان

العرب، منذ الأزل، أصحابُ نخوةٍ وهِمّةٍ ونهوضٍ وصحوات. هم قومٌ لا ينهزمون مهما تكرّرَت خساراتُهُم ونكَساتُهُم ونوائبُ الدهر فيهم؛ فقبل المسيح بمئات السنين خسروا جزءًا كبيرًا من أرضهِم الممتدّة، آنذاك، من جنوب تركيّا، مرورًا بالعراق والشام إلى جنوب فلسطين، حيث خسِروا آخر معاركهِم حوالي سنة ٦٠٠ قبل الميلاد في غزّة هاشم وانكفأوا إلى الصحراء لحوالي ١٢٠٠ سنة.

ظهر الإسلام في القرن السابع الميلاديّ فشكّل قوّةَ بعثٍ ونهوضٍ شاملة، كاملة ومُتكامِلة جعلت من العرب أعظم قوّة على وجه الأرض في ذلك الزمن حيث قاموا بفتح معظم البلاد المأهولة في ذلك العصر وحكموها لمئات السنين .

اعتمدت بعثة النبي والرسول والقائد ، عليه الصلاة والسلام ، على وحدة العرب وقِيَمِهم – التي أقرّها وثبّتَها الإسلام العظيم – فأحدَثَ نهضة لم يعرف التاريخ القديم لها مثيلا في كلّ ميادين الحياة حيث تحوّلت دمشق ومن بعدها بغداد والقاهرة إلى حواضر للعلم والثقافة والتقدُّم والازدهار ..

بعد ذلك ، دخلت الأمّة في متاهات الصراعات والتجزئة والشرذمة، ثمّ الانحطاط والتخلُّف ثمّ وقعت تحت الاحتلال وتجزئة المُجَزّأ وتعميق الجهل والتبعيّة للخارج إلى أن جاء عصر النهضة الحديث فأخذت تتململ لتُبَلوِر مشروعها الوحدوِيّ على أيدي أحزاب وجماعات وشخصيّات تجسّدت جهودُها بظهور جمال عبد الناصر كزعيم ذي شعبيّة عارِمة لم يشهد تاريخ البشريّة لها مثيلًا ، ولا لصدقِيَّتِها وزخمِها واستمرارِيّتها .

شكّل عبد الناصر العصب الحقيقيّ لتوحيد الوجدان العربيّ في العصر الحديث من خلال زعامتِهِ الكاريزميّة ومشروعهِ العروبيّ الوحدويّ المتكامل وسعيِهِ الدؤوب لنهوض العرب والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينيّ وقضايا الحقّ والعدل ومناهضة الاستعمار في كلّ أنحاء العالم من خلال آليّات دوليّة مثل دول عدم الانحياز ومنظمة العالم الإسلامي ، وغيرها ، ومن خلال الدعم المباشر وغير المباشر لحركات التحرُّر الوطنيّ في البلاد العربيّة وحول العالم ..

لم ينجح عبد الناصر في توحيد العرب في دولة واحدة لأسباب كثيرة ، خارجيّة وداخليّة وموضوعيّة ، لكنّه نجح نجاحًا باهرًا في توحيد الوجدان العربيّ وتوجيه بوصلتِه في الاتِّجاه الصحيح ووضع العرب على خارطة العالم الحاضر ..

اليوم، وبعد ٥٥ عامًا على رحيلِه، لا بدّ من إحياء العمل على تطوير المشروع العربيّ وجعله يتناسب مع مُتطلِّبات العصر ومستلزماتِه وآفاقِه وشراسة القوى التي تتحكّم في قراراته ومساراتِه . هذا المشروع يتطلب لقاءات مصريّة سعوديّة سوريّة ، ولاحقًا عراقيّة ، لبلورة الخطط الاستراتيجيّة الكفيلة بولادة تضامُن عربيّ صلب يجمع العرب على أهداف مشتركة يعملون بثبات وعزم وحزم وإصرار على تحقيقها مهما كانت العقبات وطال الزمن ..

هذه تكون أقيَم وأعظم هدِيّة لروح جمال عبد الناصر وكلّ شهداء الأمّة الذين أفنوا حياتَهم في سبيل وحدتِها وعزّتِها وكرامتِها – بغضّ النظر عمّن يقوم بهذه الخطوة من ملوك ورؤساء وأصحاب شأن ونُفوذ ..

_ أيلول ٢٠٢٥

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى