ثالثا: الربيع المغربي
يتحدث الكاتب باستفاضة عن المغرب العربي ما قبل الربيع الذي وصل إليه امتدادًا للربيع العربي. موضحا أن الحالة السياسية في المغرب العربي قد شهدت تطورا نوعيا اتجاه مزيد من تفعيل دور القوى السياسية كاملة من جميع الأطياف الإسلاميين والليبراليين واليساريين في عهد الملك محمد السادس في إصلاحات تجاوزت عهد والده الملك الحسن الثاني وما شابها من قمع واستبداد. وأدخلهم في عملية ديمقراطية جعلتهم يشاركون في الحكم وفي قيادة البلاد. ومع ذلك كان الوضع في المغرب يحتاج لمزيد من الإصلاحات ومزيد من الحقوق للشعب وقواه السياسية. سواء على صعيد تعديل الدستور او الانتقال الى الملكية الدستورية التي تجعل الملك يملك ولا يحكم على نمط بريطانيا وغيرها. لكن أغلب القوى السياسية سكتت عن ذلك، سواء لتعدد اجنداتها واختلافاتها العقائدية، أو عدم وجود دعم شعبي لمطالبها.
عندما حصل الربيع المغربي ونزلت قوى الشباب الى الشارع تحت مسمى (حراك ٢٠ فبراير) وبدأت تطالب بالحد الاقصى من الحقوق، كان لاستجابة الملك لهذه المطالب عامل ايجابي في مزيد من الحقوق السياسية والمجتمعية التي حصلها الشعب المغربي، برعاية الملك نفسه، أدت لمزيد من التنازلات لصالح الشعب المغربي وقواه السياسية على كافة الصعد. وهكذا كانت الربيع المغربي مقدمة لقفزة نوعية لمزيد من قوننة الملكية واستحصال الحقوق وتعديلات في الدستور خدمت كلها الشعب المغربي الذي حصّل من الربيع العربي أفضل ثماره: التقدم الواقعي والموضوعي والعملي الى مزيد من الأداء الديمقراطي ولتحقيق حقوق الشعب المغربي.
هذا واقع حال المغرب العربي.
رابعا: الثورة الليبية.
يتوسع الكاتب بالتحدث كثيرا عن الواقع الليبي، داخلا في تفاصيل وصول القذافي الى السلطة في ليبيا عام ١٩٦٩م، واستمراره فيها حتى أسقطته الثورة عام ٢٠١١م.
اربعين عاما كان فيها القذافي نموذجا للرئيس المصاب بجنون العظمة، الذي كان وبالا على الشعب الليبي قاطبة. استحوذ على البلاد كاملة حوّل الناس الى اتباع مطيعين كعبيد، وأعداء قتلهم وسجنهم وشردهم في العالم. هدر الموارد المالية الكبيرة لليبيا النفطية، في شراء الولاء والمؤامرات والصراعات العبثية. ألغى أي إمكانية لبناء مجتمع يتطور اقتصاديا واجتماعيا. لا ملكيّة، لا أعمال، بل مجتمع قطيعي بكل معنى الكلمة. اربعين عاما والشعب يعيش ضمن بناه التقليدية القبلية والبدوية والجهوية والعائلية. كان القذافي مدججا بسلاح وجبروت وقوات تخوض مغامرات خارجية فاشلة، وترسخ استعباد الشعب الليبي داخليا. كان الشعب الليبي عاجزا عن اي شكل من الحراك ضد القذافي الذي صنع من نفسه إلاها في ليبيا. لكن الربيع العربي وصل الى ليبيا وخرج الشباب الليبي يطالب بالإصلاحات والحقوق وثم اسقاط النظام عندما لم يجد أي استجابة من القذافي. الذي تصرف من موقع الإله المسيطر الذي يحيي ويميت، وقرر أن يفني الشعب الذي ثار عليه. أطلق تعابير لم يسبقه لها أحدا، واصفا الشعب الثائر بالجرذان، وعودوا الى جحوركم، واعتمد على القوة العسكرية الباطشة لإنهاء الثورة. ولأن المجتمع الدولي كله ومعه الدول الاقليمية لم تكن ترى في القذافي حليفا تنصره في مواجهة شعبه، فقد كانت تنتظر هكذا فرصة لإسقاطه. لذلك سارعت لدعم الثورة الليبية في مواجهة عنف وبطش القذافي، وسرعان ما اصدرت قرارا دوليا لحماية الشعب الليبي استند عليه حلف الناتو ليساعد الثورة الليبية حتى أسقطت نظام القذافي بقوة السلاح على كامل الأرض الليبية.
تنتهي الفترة التي يغطيها الكتاب عندما تم إلقاء القبض على القذافي وقتله في ظروف سيئة جدا. حيث أكد الكاتب على أن قتل القذافي كان عملا خاطئا كان أولى أن يحاكم ويقرر الشعب الليبي مصيره. كما لفت أن قتل القذافي قد اغلق ملفات اربعين عاما مليئة من حياة القذافي وعلاقاته وأعماله وتواصلاته الدولية والإقليمية كان يجب أن تُعرف ومن خلال مقتله ألقي عليها الستار.
واستمرارا لواقع الثورة الليبية التي انتصرت على القذافي وقتلته واستلمت السلطة في ليبيا، لكن ذلك لم يضبط الواقع الليبي وقواه المتنازعة على السلطة فيه. تلك القوى المسلحة التي قاتلت وحصّلت الكثير من السلاح، وهي في بنيتها وعقليتها المناطقية القبلية ونظرتها الضيقة لم تقبل أن تمتثل لسلطة دولة ديمقراطية تقود البلاد وفق القانون وعبر الطرق الشرعية. ساعد على خلق الحرب الاهلية الممتدة منذ تسع سنوات للآن، والتدخلات الخارجية للقوى الدولية والإقليمية كل من موقعه ومصالحه. هناك فريق من القوى الدولية والاقليمية يرى أن الربيع العربي جاء وبالا على الدول العربية وحكامها، وأن القوى التي فرزتها الشعوب لقيادة الدول الثائرة معادية لهذه الدول ومصالحها، خاصة التي كانت باللون الإسلامي، لذلك عملت بعض دول الخليج والعدو الصهيوني وأمريكا وبعض الدول الأوروبية لدعم الصراع في ليبيا واعادة استنبات سلطة استبدادية تأتمر لأمريكا وحلفائها في المنطقة واحضرت (حفتر) ضابطا سابقا من مخلفات النظام الليبي ليقود صراعا مع الطرف الأقرب لخيارات الشعب الليبي والذي حظي بقبول هيئة الأمم المتحدة ويستمر الصراع بين الطرفين تغذيه قوى دولية واقليمية على حساب الشعب الليبي وإمكاناته الاقتصادية وبناه المجتمعية ودماء ابنائه من الطرفين.
رسالة الحالة الليبية تقول لنا أن مصير الربيع العربي في أي دولة هو إما أن يصنع نظاما تابعا للغرب او بديله الحرب الاهلية والدولة الفاشلة. طبعا الوضع المغربي والتونسي استثناء لذلك… قد يكون الى حين؟
خامسا: الثورة اليمنية.
تحدث الكاتب بتفصيل كبير عن اليمن وسلطة رئيسه علي عبد الله صالح وهيمنته وعصبته العائلية المطلقة على البلاد والعباد، لكن الشعب اليمني تحرك في مواجهة حكم علي صالح المطلق وصنع ثورته التي امتازت بسلميتها، وامتدادها لكامل التراب اليمني عابرة للتقسيمات بين شمال وجنوب و متجاوزة الانتماءات الطائفية بين زيدية وسنية، كانت ثورة حقوق ومطالب مشروعة بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والعيش الكريم وفرص الحياة الأفضل، اليمن الذي كان ضحية تخلف واستبداد وهيمنة مطلقة جعلت الشعب يعيش بين مستسلم لقمع السلطة او مهاجر يبحث عن لقمة عيش في دول الخليج المجاورة. رغم قوة اقتصاد اليمن وجدارة الانسان اليمني وكفاءته في عمله الدؤوب والجاد للحياة الافضل.
لم يستطع علي صالح وعصبته الصمود أمام الحراك الشعبي الثوري، حيث انشق عنه الكثير من الضباط المهمين وكذلك الجنود وأصبح قاب قوسين من السقوط. هنا دخلت السعودية ودول الخليج على خط ما يحصل في اليمن عبر مبادرة لحل الوضع فيها من خلال دعوة علي صالح وبعض ممثلي الثورة للبحث عن حلول ممكنة متجاوزين حالة الإقصاء الكاملة التي كان يفكر بها علي صالح او الثوار. حصلت اللقاءات واظهر علي صالح حالة تلاعب مستمر على الوقت والاتفاقات بحيث لا تصل الاتفاقات الى مداها.
تنتهي فترة السنة التي يغطيها الكتاب وما تزال الحالة اليمنية تنوس بين تلاعب علي صالح وتردده في الدخول الجدي في حل يخدم الشعب اليمني.
استمرارا منّا في تغطية الحالة اليمنية منذ عام ٢٠١٢م إلى الآن عام ٢٠٢٠م في هذه السنوات حصلت متغيرات كثيرة نفصلها هنا.
لم يقبل علي صالح بأي من الحلول المقترحة من أجل تنازلات يقدمها للثورة وأن يكون هناك حالة سياسية جديدة في اليمن، وعاد أخيرا الى اليمن مستندا لبعض قوى الجيش اليمني حيث فرض نفسه بالقوة مجددا. وهذا ادى الى عودة الامور الى حالتها الصراعية السابقة ومن خلال العنف المسلح. الذي ادى بعد ذلك الى مقتله، وقامت حكومة شرعية يمنية برعاية خليجية، على رأسها عبد ربه منصور هادي، ولكن لم يستطع أن يبسط كامل سيطرته على اليمن التي دخلت في حرب اهلية مديدة مستمرة للآن.
كيف ذلك؟
لا بد هنا من التحدث عن لاعب إقليمي في منطقتنا العربية سيكون له دور كبير في اليمن وسورية والعراق ولبنان، ألا وهو إيران. التي كانت قد صنعت لها دورا امبراطوريا استراتيجيا منذ ثورة الخميني في أواخر سبعينيات القرن الماضي. صنعت دولة دينية على المذهب الشيعي الإثني عشري، وقدمت نفسها على انها العدو الاول لأمريكا وللكيان الصهيوني في فلسطين ودعمت النظام السوري تحت دعوى أنه مقاوم (لإسرائيل) وساعدت في ولادة حزب الله اللبناني الذي كان اداة فعل يخدم سياسة النظام الايراني والسوري من بوابة شرعية مواجهة (إسرائيل). وكان من سياسة إيران التغلغل بالمكونات الشيعية العربية وخلق قيادات لها تتبع السياسة الإيرانية وتنفذ أجندتها. عبر جميع وسائل الدعم العقائدي والمالي والعسكري كل حسب الحالة. نفذت ذلك في العراق ولبنان وسورية واليمن التي لم يكن فيها شيعة اثني عشرية بل شيعة زيدية وهناك فروق عقدية وفقهية بين المذهبين، لكنهم دخلوا من باب العداء لإسرائيل وأمريكا وعبر الدعم المالي والسلاح وتغلغلوا في اليمن عبر سنوات طويلة. كان حصاد ذلك ان الزيديين بقيادة عبد الملك الحوثي لم يقبل بالدولة الجديدة التي جاءت تحت الرعاية السعودية. حيث تعتبر السعودية أن أجندة إيران الطائفية تستهدف دول الخليج ايضا عبر دعمها للشيعة السعوديين والخليجيين الذين تغلغلوا بهم عبر مسميات أحزاب الله، وكان لهم أعمال عسكرية وقتالية داخل دول الخليج نفسها، لكن السعودية استطاعت ان تسيطر على امتداد إيران داخلها أمنيا، واستمرت تعتبرها عدوا استراتيجيا. هذا عدا عن احتلال إيران للجزر الإماراتية طنب الكبرى والصغرى وأبي موسى وعدا عن تدخلها السافر في الشأن البحريني، عدا عن الصدام في السياسات المتناقضة في لبنان بين السعودية وإيران. ولا يفوتنا الموقف الأمريكي الذي عادى إيران علنيا لكنه تركه مطلق اليد في كل المواقع، بحيث كان الحضور الإيراني والروسي بعد ذلك هو الوجه الآخر لطرفي الصراع في بلاد الربيع العربي والعراق. من هنا نفهم أن الحوثيين المدعومين من إيران ماليا وعسكريا خاضوا حربا ضد الشرعية الجديدة، التي استدعت الدعم الخليجي، وحضرت القوات السعودية والاماراتية وتمت حرب استنزاف للأطراف جميعها. ولم ينتصر أحد والضحية الوحيدة هو الشعب اليمني وحياتهم المهدورة ومستقبلهم الضائع تحت اقدام المتصارعين وبدماء اليمنيين أنفسهم. هذا هو المشهد اليمني للآن ومآل الثورة اليمنية المغدورة.