
يوحي خطاب الرئيس الشرع على اختصاره أننا أمام مرحلة جديدة تماما , مرحلة تقتضي مراجعة شاملة للسياستين الداخلية والخارجية , فقد انكشف الآن بصورة لاتقبل الجدل أن الرؤية الاسرائيلية لسورية لاتتفق مع سورية موحدة ولا مع سورية قوية ناهضة بل مع إنهاك سورية وقطع الطريق عليها نحو الوحدة والنهوض , وكل ماعدا ذلك لايعدو أن يكون ذرا للرماد في العيون , والأخطر أن السياسة الأمريكية ليست بعيدة عن هذه الرؤية , وأن مواقفها الأخيرة لاتعدو أن تكون مواقف تكتيكية مصممة لخدمة تمرير التطبيع مع اسرائيل قبل كل شيء وفوق كل شيء وبطريقة الفرض والاكراه تحت التهديد . .
هذا الانكشاف الذي أحدثته الصواريخ التي دمرت أحد أهم رموز السيادة السورية دون مبرر وكأننا أعلنا الحرب على اسرائيل يظهر كم هي مستعجلة الحكومة الاسرائيلية لجر سورية نحو خيارين إما مواجهة عسكرية غير متكافئة تنتهي بكسر الدولة السورية عسكريا وفرض شروط المنتصر عليها أو بإذعان النظام للارادة الاسرائيلية وتنفيذ تفكيك سورية بيده قبل أن يتم الاستغناء عنه .
أوضح الرئيس الشرع أننا لن نقبل بالاستسلام للخيارات الاسرائيلية , وعدم القبول بها لايعني الانزياح نحو سياسة متهورة وغير واقعية , ولا معاداة الدول الكبرى , بالتالي فإن بناء موقف سياسي واقعي ووطني ضمن الظروف الموضوعية التي تمر بها سورية مسألة غاية في الدقة , وتحتاج لمهارة غير عادية ومرونة فائقة , لكنها قبل ذلك بحاجة لما هو أهم وهو الوحدة الوطنية ورص الصفوف , وايجاد الحلول التي تعالج عوامل الانقسام الراهنة .
سورية بحاجة للديمقراطية , بحاجة للانتهاء من غلبة اللون الواحد , بحاجة لطمأنة جميع فئات الشعب ومكوناته , ولمشاركتها الفعلية في إدارة الدولة . لقد أصبح واضحا أن الاعتماد على الدعم السياسي الخارجي وإرضاء الدول الكبرى ليس كافيا لبناء الدولة السورية , فسياسات الغرب وبصورة خاصة الولايات المتحدة تتصف بالتقلب , وتتأثر بالسياسة الاسرائيلية التي أصبحت الآن على درجة كافية من الوضوح وهي في تقلباتها تلتمس الفرصة للتدخل بالشأن السوري من خلال الوضع الداخلي وهذا يعيدنا للضرورة الماسة لاغلاق الأسباب والذرائع أمام تدخلها الذي يحمل في كثير من الأحيان تنفيذ مخططات التقسيم الاسرائيلية .
لاتستطيع الادارة الحالية النهوض بإنقاذ البلاد في هذه الظروف الصعبة للغاية مالم تستند لحالة شعبية داعمة ومتماسكة , وجبهة داخلية غير منقسمة ولاتنفع في ذلك سوى الحلول التي تنطلق من الايمان بالشعب , وتمنحه الفرصة والامكانية لاظهار قواه الكامنة .وفي سياق مراجعة شاملة للسياسة الداخلية فإن الانتهاء من الملفات المعلقة مثل العدالة الانتقالية والانتهاء من التحقيق في الجرائم التي ارتكبت في الساحل وتشكيل لجنة للتحقيق في الانتهاكات التي حصلت في السويداء , وتحديد موعد للانتخابات العامة بعد سنة أو سنة ونصف , والتأكيد على الصفة الانتقالية المؤقتة لمجلس الشعب المنوي تشكيله وعلى وظيفته التشريعية المحدودة. وإجراء انتخابات بلدية , وإصدار قانون الأحزاب , ورفع أية رقابة عن النقابات , والحرص على سيادة القانون , كل ذلك لابد من إعادة النظر فيه بكل الجدية وروح المسؤولية الوطنية .
سورية تعيش مرحلة خطيرة تهدد وجودها , وتستدعي تكاتف كل الوطنيين الغيورين , وتغليب مصلحة الوطن فوق كل مصلحة , فنحن لسنا قادرين على ممارسة ترف الانقسامات الايديولوجية والفئوية , في حين أن الذئاب تدور حولنا , والمؤامرات تحاك ضدنا , ومن يعتقد أنه قادر وحده على الخروج سالما والحصول على حصة من جسد سورية فهو واهم إلى حد كبير فإما أن ننجو جميعا أو نغرق جميعا لاسمح الله . إنها لحظة تاريخية فارقة فلتكن صواريخ العدو الاسرائيلي جرس انذار لنا جميعا .
المصدر: صفحة معقل زهور عدي