
بدأت مفاوضات النووي بين الولايات المتحدة وإيران بهدف التوصل إلى اتفاق جديد، وعُقدت الجولة الأولى في عُمان في 12 إبريل/ نيسان الماضي، ووُصفت بأنها بناءة. تلتها بعد أسبوع جولة ثانية، بوساطة عُمانية أيضاً، في روما، ثم استمرت الجولات، حتى تحدّد موعد جولة سادسة اليوم الأحد في مسقط. وكان الرئيس الأميركي ترامب قد أعطى مهلة شهرين لهذه المفاوضات لتنتهي باتفاقية، وفي حالة الفشل، أكّد أن إيران ستكون في خطر شديد. عملياً، انقضت هذه المدّة، فجاء الهجوم الإسرائيلي الكبير على إيران أول من أمس الجمعة، وسط حالة من الهرج سادت الإقليم كله، بعد إشاراتٍ تصعيديةٍ صدرت عن كل الأطراف. لم تخفِ إسرائيل رغبتها في مهاجمة إيران وفوراً، ورفعت إيران أيضاً من صوتها الإعلامي بتصريحات متحدّية ليست مسبوقة، ومن مسؤولين عسكريين من الصف الأول، واعتُبرت التصريحات من جميع الأطراف نوعاً من رفع السقف التفاوضي، لأن الجلسة السادسة كانت تحمل عناوين حاسمة للكل.
ووسط هذا الضباب، ظهر ترامب قبل الهجوم بساعات ليعطي إشاراتٍ متعاكسة هو الآخر، فقد قال إنه لن يقبل بوجود سلاح نووي إيراني، لكنه، في الوقت نفسه، قال إنه يتطلع إلى علاقات تجارية مع إيران ويريد مساعدتها، وبدا مطمئناً عندما خفّف من وطأة التصريحات الإسرائيلية والإيرانية المهدّدة بقوله إن هجوماً إسرائيلياً على إيران قد يحدُث، ولكنه لن يكون وشيكاً، بمعنى أن ثمّة فرصة أمام إيران لتخرج من الجولة السادسة باتفاق أو أنها ستواجه ضربات إسرائيلية، ثم تبيّن بعد أن غادر ترامب مؤتمره أن كل شيء كان قد أعد لتوجيه الضربة التي تبدو مكملة لما بدأته إسرائيل في المنطقة منذ حربها على غزّة بعد هجمات 7 أكتوبر.
جرى تفكيك محور المقاومة بالتدريج، وتطورت الأساليب بكثير من الفاعلية، فكانت استراتيجية التفكيك تضرب الأطراف بقوة وتتابع، وقد شاهدنا فصولاً في غزّة التي تلقّت هجوماً جارفاً أتى على كل شيء، بما في ذلك قدرات “حماس”، الفصيل المحاذي لإسرائيل، وقد خلطت الحركة أجندة محلية بأخرى إقليمية تابعة لإيران، ولم يكن من السهل التفريق بين الحالتين. بعد ذلك، فتحت إسرائيل جبهة أخرى مع حزب الله الذي تهاوى بسرعة، حين ضُربت قواته بقسوة وقُضي على قياداته، وأجبر على اتخاذ مواقف عسكرية وسياسية، فمرّر انتخاب الرئيس جوزاف عون، ومن بعده رئيس الوزراء نواف سلام، كما تراجع ميدانياً إلى ما وراء الليطاني مسلّما كامل مواقعه إلى الجيش اللبناني تحت عيون إسرائيلية قريبة. ويجرى حالياً تطويق ما بقي له في الداخل، ولكن الضربة القاصمة التي تلقّاها المحور كانت بإسقاط نظام بشار الأسد، وقد استُخدم إرثُه الوحشي ضد الثورة السورية لتبرير ضرب قواته وحلفائه على الأرض، بعد تحييدٍ فعليٍّ لداعمه الروسي، ولم تبق إلا قاعدة المحور الأساسية في إيران.
رأت إيران ما حدث لحلفائها الواحد تلو الآخر، ولم تكن في يدها نجدتهم، وراقبت أحجار الدومينو تتساقط من دون أن تُبدي مقاومة كبيرة. ولم تدرك، فيما يبدو، أن لهذا الطريق نهاية واحدة وهي القضاء على برنامجها النووي الذي رعته منذ انتصرت ثورتها الإسلامية، وكانت ترغب بأن تقبض ثمنه بعد كل تلك السنوات، ولكن دورها جاء قبل أن تتمكّن من قطف أي من ثماره. من الطبيعي أن إيران لا يمكن أن تسقط بسهولةِ سقوطِ حلفائها، فهي دولة كبيرة ولديها قدرات عسكرية هائلة. وعلى هذا الأساس، بدت الولايات المتحدة متمهّلة رغم نزق ترامب المعهود، فقد أظهر معها هدوء أعصاب، حتى اقتنع بأن ضربة موجعة لها قد تجعل الأمور تمضي بسلاسة أكبر، وقد عبر عن ذلك قائلاً: ليس واضحاً إن كان قد بقي لدى إيران برنامج نووي، لكن لا يزال بإمكانها إبرام اتفاق، لم يفت الأوان بعد.
المصدر: العربي الجديد