الأقوال والأفعال.. ما هو المطلوب من السوريين؟

محمد شيخ يوسف

لم يكن شهر أيار/مايو مجرد أيام عادية في مشوار سوريا الحديثة ما بعد النظام الزائل، شهر شهد أحداثا هامة كثيرة لا يمكن حصرها بعدة أسطر، تمثلت باعتراف أمريكي صريح وواضح لا لبس فيه بحكومة الإدارة الجديدة، ورفع العقوبات المفروضة على البلاد، الأمر الذي يساهم في أخذ نفس عميق كبير، حيث إن عقبات إعادة الإعمار وتوسيع الاستثمار وإعادة تأهيل البنية التحتية قد أزيلت، وتبع ذلك قرارات مماثلة من دول وأطراف أخرى، أهمها من قبل الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل اهتمام الشركات يتوجه مجددا إلى سوريا، وتكلل ذلك باتفاقيات في مجال الطاقة والكهرباء، مع شركات من قطر والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا.

مرحلة طال انتظارها رافقها احتفالات للسوريين في مختلف المحافظات، على أمل أن تجلب لهم الأيام القادمة مزيدا من الرفاهية والاستقرار بعد سنوات الحرب، ونتيجة للتطورات التي حصلت والمواقف الإيجابية من أبرز الدول الداعمة لسوريا وهي تركيا وقطر والسعودية، فإن الأنظار أيضا توجهت للسوريين في عموم البلاد من أجل العمل يدا بيد لبناء سوريا الحديثة الجديدة التي يرغب بها جميع السوريين ويحلمون ويكونون عند حسن الظن، فعلى صعيد الخارج والدول الداعمة والراعية واضح أن الدعم كبير وغير محدود وهناك رغبة كبيرة في بناء سوريا مجددا، ولكن ماذا يقع على عاتق السوريين كي يتحلوا به في الفترة المقبلة من أجل تكاتف الجهود المشتركة مقارنة مع الدعم الكبير غير المحدود.

يتوجب في المرحلة المقبلة دعم الإدارة الجديدة، عبر منحها الوقت الكافي لاستكمال جهودها في المرحلة الانتقالية في عملية إعادة البناء وتشكيل مؤسسات الدولة، وإعادة هيكلة الوزارات والمؤسسات المختلفة.

من المؤكد أن سوريا الآن في مرحلة انتقالية، وشهدت حوارا وطنيا وتشكيل حكومة وإعلانا دستوريا، وينتظر أن يشكل برلمان مؤقت، وهناك مرحلة كتابة الدستور السوري وإقراره وصولا إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية وتولي حكومة جديدة، وتدور بذلك عجلة الديمقراطية في البلاد بشكل دائم ومستمر، ولحين استكمال ذلك يتوجب بناء الدولة بشكل يريح المواطنين ويقدم لهم الخدمات اللازمة ويساهم في عودتهم، وتحسين وضعهم المعيشي، والوصول لكافة الخدمات المتوقفة، وبدء الاستثمار والعمل تتحول البلاد معها إلى خلية نحل من إعادة البناء وتأسيس البنية التحتية وتقديم الخدمات، وخلق فرص العمل وتحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

وبالتوازي مع ذلك، يقع على السوريين واجبات عديدة هامة من أجل تكاتف الجهود، وأن تكون مرحلة رفع العقوبات والدعم الإقليمي والدولي ذات أثر مهم لديهم، من خلال إعطاء الرسالة الواضحة بشكل كاشف دون أدنى شكل، باستحقاق السوريين لكل ما حصل ويحصل وسيحدث مستقبلا، وحقهم بالحياة والبناء والديمقراطية، ولا بد من أن يضع السوريين يدهم بيد، كتفا بكتف، من أجل تجاوز هذه المرحلة الانتقالية والحساسة، وترسيخ أركان الدولة الجديدة وأن يكونوا الجزء الهام في مرحلة البناء، والحجر الأساس الذي يبنى عليه الوطن.

وأولى الخطوات الهامة المطلوبة في هذا الإطار، هو تخفيف التوترات الحاصلة في البلد، حيث إن السوريين هم في وقت أحوج فيه إلى الاحتواء المتبادل وضبط النفس والصبر بشكل كبير، والهدوء الذي يجلب السلام والاستقرار، وتخفيف التوترات الحاصلة تتوجب تعزيز فكرة المواطنة بين السوريين، من خلال المساواة وعدم التمييز، ومعالجة أي حوادث تؤدي إلى التوترات، والابتعاد عن التعميم في الحوادث الفردية، كل ذلك يساهم في تخفيف التوترات الحاصلة، وتؤدي إلى التركيز على مسألة بناء الدولة، ويقلل من أي احتقان قد يحصل بين بعض النفوس.

ومن الخطوات الهامة مسألة منح الفرصة لقضية العدالة الانتقالية، حيث تم تشكيل هيئة من أجل ذلك، تتولى النظر في الدعاوى والشكاوى المقدمة، من أجل محاسبة المتورطين في أي جرائم ارتكبت خلال سنوات قمع النظام السابق، وممارساته التعسفية بحق الشعب، وقصف المدن والبلدات، فأي متورط بهذه المجازر يجب تقديم البيانات والدلائل التي تدينه للهيئة ومحاسبته لاحقا قضائيا على ما تم ارتكابه، ومن الضروري عدم اللجوء إلى حالات انتقامية تزعزع أمن البلاد وتقوض عمل السلطات الرسمية، لهذا يجب الابتعاد تماما عن الحالات الفردية وتقديم الدعم لمسار العدالة الانتقالية، ومن المعروف أن آلام السوريين كبيرة والجميع تألم ولا يمكن تقليلها ولا الاستخفاف بها، بل هي مطلب محق وعادل بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات والجريمة من جميع الأطراف، فلزام استكمال مرحلة العدالة الانتقالية، وهي مطلوبة وأساسية ويجب فسح المجال لها بعيدا عن التحرك الفردي في هذا الإطار.

يجب تعزيز إحساس الشراكة في الوطن من قبل الجميع، فلا يمكن لأي منطقة أو طرف أو مدينة أو مكون بناء سوريا بشكل منفرد، وممارسات النظام البائد هو خير دليل على أن الإقصاء ليس هو الحل.

كما يتوجب في المرحلة المقبلة دعم الإدارة الجديدة، عبر منحها الوقت الكافي لاستكمال جهودها في المرحلة الانتقالية في عملية إعادة البناء وتشكيل مؤسسات الدولة، وإعادة هيكلة الوزارات والمؤسسات المختلفة، وعدم الاستعجال والإلحاح بطلبات تعجيزية، لأن مرحلة بناء ما خربه النظام بشكل ممنهج بحاجة إلى سنوات، لتحسين الاقتصاد، وتعزيز القدرات الشرائية وتحسين الرواتب، وإعادة بناء البنية الفوقية والتحتية، وبالتالي هناك حاجة إلى الصبر والهدوء ومنح الوقت للإدارة الجديدة، وهو ما سيساهم في تعزيز الوحدة الوطنية وعبور المرحلة الانتقالية إلى بر السلام، وبتكاتف الجهود الدولية مع الجهود السورية في بناء الدولة.

ومن الأمور الملحة في تعزيز الجبهة الداخلية في سوريا، هو مسألة المحاكمة بعقل رشيد قبل إطلاق الأحكام، فمن المعروف حاليا انتشار التضليل الإعلامي وممارسة التشويش عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل فلول النظام وأعداء سوريا الجديدة، وكل يوم تقريبا هناك زج لمواضيع وقصص تؤدي للتشويش على المرحلة الانتقالية، وتعرقل عملية إعادة البناء، خاصة أن بعض المشاهد والفيديوهات تكون قديمة فيعاد وضعها على أنها حديثة لمجازر وقضايا مختلفة واتهام شخصيات في الإدارة الجديدة، بالقيام بها، أو محاولات زرع فتن بين مكونات الشعب السوري، ومحاولة إثارة القلاقل والنعرات الطائفية والعرقية، فالحاجة ملحة جدا للمحاكمة والتأني في إطلاق الأحكام، والصبر لمعرفة حقيقة أي شيء يتم تداوله في المجموعات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.

وإلى جانب ما سبق يجب تعزيز إحساس الشراكة في الوطن من قبل الجميع، فلا يمكن لأي منطقة أو طرف أو مدينة أو مكون بناء سوريا بشكل منفرد، وممارسات النظام البائد هو خير دليل على أن الإقصاء ليس هو الحل، بل تشارك الجميع، فالسوريون جميعا في مركب واحد، وعليهم الوصول به إلى بر الأمان، ولا يمكن ذلك إلا عبر الإحساس بالشراكة في الوطن، فجميع المكونات هم شركاء في الوطن، بأعراقهم وقومياتهم وأديانهم وطوائفهم هم جزء مهم في الوطن، والكل مدعو لأن يكون شريكا صالحا يعتز بهويته الوطنية، ويكون له الدور في مرحلة البناء.

وبهذا يتعزز النسيج السوري، ويصبح كل فرد فيه ذا قيمة كبيرة، كل إنسان سوري هو جزء من شعب عظيم يعمل على بناء بيته ووطنه ودولته، يجب تعزيز الشعور الوطني في ظل التحديات الكبيرة، ويقع على السوريين دور كبير في تقبل وحب بعضهم البعض، وهذا يساهم في قطف ثمار المكتسبات التي تحققت مؤخرا، وهي مكاسب مهمة على صعيد العالم، تفتح الأبواب أمام مستقبل زاهر كبير، يجب على السوريين وضع يدهم يد، ولا خيار لهم غير ذلك في قادم الأيام.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى