حول رفع العقوبات وما بعدها

أحمد مظهر سعدو

تنبع أهمية القرار الأميركي في رفع العقوبات عن كاهل السوريين، في أنها ستكون عتبة مهمة في تاريخ سوريا الحديث، تأتي إبان كنس الاستبداد الأسدي، وحالة التغيير الكبرى التي حصلت في سوريا، ويبدو أن إزاحة العقوبات من فوق صدر السوريين، سوف تؤسس لما بعدها، ومن الممكن أن تكون بداية جديدة، ومساحة مهمة متجددة، قد تعادل ماحصل في صبيحة 8 كانون أول/ ديسمبر 2024، من حيث أنها ستفتح الباب على مصراعيه نحو نهضة اقتصادية، وحالة تنموية سورية متميزة طالما حلم بها الشعب السوري، وعمل من أجلها بكل مايستطيع، بعد أن أوصل نظام الفاشيست الأسدي الوضع السوري، والدولة السورية، إلى ما يمكن أن ينطبق عليه بشكل واضح حالة الدولة الفاشلة. ولقد كان أمام الحكومة الانتقالية السورية التي تم تشكيلها بعد الحكومة الأولى المؤقتة، الكثير من المهام والتحديات الصعبة، ليس أقلها الاجابة المباشرة على سؤال يقول: هل من الممكن أن تنهض الحكومة السورية الانتقالية بالاقتصاد المتهالك والخدمات المعدومة، وإعادة لملمة الصفوف السورية، وبناء السور العالي للدولة السورية الطامحة، في ظل وجود عقوبات كثيرة، ليس من ذنب للسوريين أنها موجودة، بقدر ما يتحمل ذلك (بكل تأكيد) نظام الاستبداد المخلوع كل تبعاتها وأسبابها، ومن ثم فإنه من العبث الحقيقي واللاعقلانية في السياسة أن تستمر هذه العقوبات بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث كانت تعيق واقعيًا (بعد سقوط النظام المخلوع) أي عمل نهضوي اقتصادي أو خدمي، أو حتى سياسي، يمكن أن تعمل عليه حكومة الرئيس أحمد الشرع.

والآن وقد زالت هذه العقوبات نظريًا (على الأقل) لمدة 180 يوم حسب التصريحات الأميركية الأخيرة، حيث تحتاج إلى مزيد من الوقت، لتكون ضمن سياقات التنفيذ الفعلي المؤسساتي الأميركي المباشر، قبل أن تمر بما سبق ومرت به قوانين العقوبات أثناء فرضها، من مثل قانون قيصر وسواه، اعتبارًا من أدراج البيت الأبيض والرئاسة الأميركية تحركًا نحو بيروقراطية الكونغرس، ومن ثم وصولًا إلى آليات عمل وتصويت وموافقة مجلس الشيوخ، وبعدها إلى التطبيق العملياتي ثم النفاذ الممارس، وهو الذي سيأخذ بعض الوقت ومع ذلك سوف ينتظره السوريون حكومة وشعبًا، لماله من ضرورات وأهمية، ترتبط به وبها جملة القرارات الحكومية والتحركات الواقعية السورية على طريق بناء الدولة السورية وتحسين الخدمات، وإعادة الاعتبار كليًا أو جزئيًا إلى الليرة السورية، حيث بدأنا نلمس تجلياته في السوق السورية،  تلك الليرة السورية كانت قد التي هوت إلى الحضيض، في ظل وجود نظام العصابات الأسدية، والفساد والإفساد كسياسة ممنهجة اتبعها آل الأسد لأنهم كانوا يعتبرون الوطن السوري بمثابة مزرعة مملوكة لآل الأسد وآل مخلوف وتوابعهما.

لعل مابعد قرار الرئيس الأميركي (دونالد ترامب) من العاصمة السعودية الرياض، برفع العقوبات، هناك المزيد من جولات التفاوض والتحركات على جوانب عملية رفع العقوبات، ليس مع الأميركان في تركيا فحسب، بل لا يمكن أن يكون ما يجري من مفاوضات (غير مباشرة) بين الحكومة السورية الجديدة وإسرائيل، بعيدًا (أو بالتساوق) مع الشروط الأميركية لرفع العقوبات، لأن (دونالد ترامب) يهمه جدًا مايسميه دائمًا بالأمن القومي الإسرائيلي، كما يهمه أيضًا، وضمن عقلية التاجر الأميركي، أن تكون كل الصفقات هذه مرتبطة ببعضها وتؤدي إلى مزيد الفائدة المالية والسياسية، وتساهم في إنجاز وإنفاذ سياسات أميركية في المنطقة العربية والعالم يمكن للرئيس الأميركي (دونالد ترامب) أن يقبض ومعه إدارته الأميركية  الكثير من الأموال على طريقها ولصالح الخزينة الأميركية.

وقد يكون الطريق إلى إنفاذ رفع العقوبات قد أضحى سالكًا وسريعًا كما يبدو عبر وبعد العرض السوري الحكومي بمنح معظم استثمارات عملية إعادة الإعمار في سوريا إلى أهم الشركات الأميركية المستوطنة في دول الشرق الأوسط، على حساب السوريين أو الشركات الاستثمارية العربية الخليحية أو الإقليمية.

إذًا من الممكن أن يكون ما بعد رفع العقوبات عن سوريا ليس أقل صعوبة مما قبله، ومن الممكن أيضًا أن يتابع (العم سام) إرسال المزيد من الطلبات والشروط الأميركية وكذلك الإسرائيلية بالضرورة، كي تستمر مسيرة وإجراءات رفع العقوبات سارية المفعول، ومتحركة إجرائيًا دون معوقات قانونية أو سياسية.

إن مابعد رفع العقوبات الأميركية الكثير من المتطلبات الأميركية، والعديد من انبثاقات المصالح الأميركية، التي لابد من تنفيذها من قبل الحكومة السورية، لتكون مدخلًا جديًا لذلك وحتى تكون عملية الانتقال السوري من العقوبات إلى حالة صفر عقوبات، ماثلة وناجزة في ساحة الفعل والممارسة. ويعلم كل متابع لمسارات السياسة الأميركية في العالم، وكان آخرها زيارات الرئيس الأميركي  (دونالد ترامب) لبعض دول الخليج ( السعودية، وقطر ، والإمارات) وكيف أن ترامب وإدارته، بل وكل الإدارات الأميركية المتعاقبة، ما زالت تمسك العصا من المنتصف، و تلوح بالعقوبات والحسم إن لم يكن هناك من فوائد تعود بالضرورة على الخزينة الأميركية، حيث يشارك مع ترامب وزير الخزانة الأميركية كل جولاته في المنطقة العربية والعالم أيضًا.

من الصحيح القول: إن فرحة السوريين لايمكن أن تعادلها فرحة، شعبيًا وحكوميًا،  بعد قرار رفع العقوبات الأميركية من فوق كاهل وصدر السوريين، وإن التفاؤل كان وما زال متوفرًا وحيًا، إلا أن (ما بعد السكرة تأتي الفكرة ) كما يقال ، أوالعكس،  وهي مسألة لابد من تحمل نتاىجها، حيث يأمل السوريون أن لا تكون النتاىج سلبية على الواقع السوري، وأن تكون هناك أقل الخسائر وليس أكثرها.

ويبدو أن ذلك سوف يبقى مرتبطًا بالضرورة بمستوى أداء الحكومة السورية وجودته، وقدرتها على تحقيق عملية رفع العقوبات، وإنجاز عملية النهوض والتنمية الاقتصادية والخدماتية، بدون أن تعطي للأميركان والإسرائيليين ماتريدانه، ضمن حالة الممكن والمتاح الموضوعية، فمستقبل سوريا المستقرة الموحد والشامخة، هو الأهم، وإعادة عجلة التنمية في سوريا، ضرورة حياتية للناس، بالتساوق مع عملية إعادة الإعمار.

المصدر: تلفزيون سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى