حكومة نواف سلام تحت عنوان “الٳصلاح والٳنقاذ”

يقظان التقي

بعد أكثر من عامين من الجمود السياسي في لبنان، وضع نواف سلام حكومته تحت عنوان” الٳصلاح والٳنقاذ”، وكرس انتقال لبنان ٳلى مرحلة انتقالية، وتعهد الدبلوماسي السابق ورئيس محكمة العدل الدولية الذي التقط اللحظة الخاصة، بالتشديد على الٳصلاحات المالية والاقتصادية وٳعادة الٳعمار وعودة الاستقرار ٳلى الحدود اللبنانية من خلال التزام حكومته بتنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 1701، الذي يهدف إلى استقرار الحدود اللبنانية مع إسرائيل، ومن أجل ٳعادة الثقة بين المواطنين والدولة، وبين لبنان وجيرانه العرب والمجتمع الدولي.

يُنظر إلى هذه المرحلة الجديدة أنها نقطة تحول محتملة، نتيجة لفرصة ٳنقاذ خارجية لمسار داخلي مأزوم في كثير من المشكلات والتحديات وأزمات اقتصادية وسياسية حادّة، وسط التهديدات التي تحيط بالٳقليم. ويبحث اللبنانيون بعد ثلاث سنوات على حكومة تصريف الأعمال لنجيب ميقاتي عن شرعية الخروج من الأفق المسدود والفراغ على الساحة الوطنية خارج سلطة التعطيل وسيطرة حزب الله. وهناك شعور عام عند اللبنانيين أن حكومة سلام ممكن أن تشكل حاجزاً لصدّ الانهيار الشامل، واستمرار الحرب، والجنون والابتزاز الذي يتعرّضون له.

تحترم الحكومة الجديدة معايير الكفاءة والصفات الجديّة والرصينة، والتوازن بين الطوائف اللبنانية، وبين التقليدي والجديد بين أسمائها، بما في ذلك المقرّبون مثل الوزيرين المخضرمين طارق متري وغسان سلامة، اللذين تمّ تعيينهما في منصبي نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الثقاقة.

تحترم الحكومة الجديدة معايير الكفاءة والصفات الجديّة والرصينة، والتوازن بين الطوائف اللبنانية، وبين التقليدي والجديد بين أسمائها

وكاد رئيس الوزراء المكلف أن يتعارض مع الثنائي الشيعي المصمم على الحفاظ على شكل من أشكال السيطرة على البلاد، واحتفظ بحقائبه في الحكومة فجاءت التشكيلة استرضاء له ولو محدوداً. وكان المطلب الأساسي لرئيس مجلس النواب نبيه برّي ٳبقاء حقيبة المالية بيده منذ العام 2014، وتتمتع هذه الوزارة بحق النقض على القرارات الاستراتيجية خلال التوقيع على المراسيم التي تتضمّن بعداً مالياً أو سياسياً، واختير ياسين جابر لهذه المهمة، واعداً بالتركيز على تنفيذ إصلاحات مالية واقتصادية ضرورية. وببرز اسم الخبير الاقتصادي عامر البساط ، وسيكون مسؤولاً عن خطة ٳنعاش قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي المجمّد في غياب الٳصلاحات وصدور قوانين البنى الٳصلاحية.

نجح نواف سلام في الخطوة الأولى. لقيَ تشكيل الحكومة ترحيباً من المجتمع الدولي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك الولايات المتحدة، مع التركيز على أهمية تقليص نفوذ حزب الله في السياسة اللبنانية. وكانت نائب المبعوث الأميركي ٳلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، صرحت من بيروت بالخط الأحمر، بالذي تنوي ٳدارة ترامب الجديدة اتباعه تجاه حزب الله ، “لن يكون قادراً بعد الآن على ترويع الشعب اللبناني، بما في ذلك من خلال كونه جزءاً من الحكومة “، مما أثار احتجاجات بقيت تحت السيطرة، مع عدم رغبة أي فريق، وعدم قدرته على التعطيل حتى ٳشعار آخر.

وعد الرئيس اللبناني، جوزاف عون، بتعزيز احتكار الدولة السلاح، واحترام الالتزامات التي تعهد بها لبنان في ٳطار وقف ٳطلاق النار، والمتمثلة بانسحاب الحركة الشيعية المسلحة من شمال الليطاني ونشر الجيش في جنوب لبنان. وهو يدرك، أن أي مساعدة للبنان رهن تطبيق كامل لقرار مجلس الأمن 1701، وخروج حزب الله من الشق العسكري في المواجهة مع ٳسرائيل. وهذا يعني تغييراً في حجم ٳيران الٳقليمي.

على الرغم من هذه التطورات، لا تزال هناك تحديات كبيرة. لم يدعم حزب الله تكليف نواف سلام، وقد يشير هذا إلى استمرار التوترات السياسية والطائفية، التي قد تؤثر على فعالية الحكومة باعتبارها بداية لتحولات إيجابية في لبنان، خاصة إذا نجحت في تنفيذ الإصلاحات واستعادة ثقة المجتمع المحلي والدولي، ٳضافة ٳلى التوترات الأمنية المستمرة لجهة عدم انسحاب ٳسرائيل في 18 فبراير/ شباط الجاري، ما يعيق ورشة الحكومة، أو الوضع المتفجر على الحدود الشمالية الشرقية. تتطلب هذه الأوضاع جهوداً مستمرّة وتعاوناً بين جميع الأطراف لضمان مستقبل أفضل للبلاد، ولا سيما حزب الله، والشيعيّة السياسية في فرعها اللبناني ما تزال قائمة، رغم سقوط نظام الأسد في دمشق.

لحزب الله وحركة أمل مصلحة في تمويل الحكومة والمجتمع الدولي ٳعادة الٳعمار للحفاظ على قاعدتهما الشعبية

تعدّ مشكلات النظام البنيوية في لبنان العقبة الأكبر أمام أي تغيير جوهري، فالٳصلاح والٳنقاذ كلمتان فضفاضتان، لصالح من، أي أحزاب، وأي فئات اجتماعية؟ تعود هذه المشكلات إلى جذور تاريخية وسياسية واقتصادية عميقة، تجعل أي إصلاح حقيقي صعب التحقيق من دون تغييرات هيكلية واسعة في طبيعة النظام من خلال أطر ديمقراطية غير موجودة، فالنظام السياسي اللبناني قائم على المحاصصة الطائفية، ما يعيق تشكيل دولة مركزية قوية ويُضعف أي حكومة أمام نفوذ الزعامات الطائفية. أي إصلاح جاد يواجه عقبة التوازنات الحساسة بين القوى السياسية التي تستمدّ شرعيتها من الطوائف، لا من برامج وطنية ، ومن الزعامات التقليدية التي تتحكم في مفاصل الدولة، عبر شبكات المحسوبيات والفساد، ما يجعل أي حكومة جديدة رهينة المصالح المتضاربة، وعرضة لضغوط دولية وإقليمية في المساعدات والقروض التي قد تُقيّد قراراتها السياسية.

التغيير الجذري والرهان على فتح أفق سياسي، وٳعادة تجديد الحياة السياسية بعد الانهيار والهزيمة، لا يعني أن لا مواجهات سياسية مقبلة وسجالات ونزاعات. هذه ليست مسؤولية حكومة نواف سلام وفريقه الٳصلاحي فقط، ما يتطلب إعادة النظر في النظام الطائفي. وعليه، سيظلّ أفق التغيير بعد حكومة نواف سلام مرهوناً بمدى قدرتها على تجاوز هذه العوائق البنيوية، وهو أمر يبدو صعباً (من فوق) في ظل التوازنات بأبعادها المحلية والخارجية.

لبنان ليس سويسرا، ولا يمكن تحقيق حياد مطلق في ظل الأوضاع الحالية والصراع مع ٳسرائيل لم ينته. لكن يمكن الحديث عن تحييد نسبي ورد في خطاب القسم الرئاسي عبر تبنّي سياسة نأي بالنفس حقيقية لتعزيز قوة الدولة، وعقد تفاهمات داخلية تضمن ألا يكون لبنان ساحة صراع مفتوحة للأطراف الخارجية. وسيظل لبنان متأرجحًا بين التأثر بأزمات المنطقة ومحاولات الحدّ من تداعياتها، من دون أن يتمكن فعليًّا من تحقيق الحياد الذي يتطلب استقلالًا سياسيًّا واقتصاديًّا لا يزال بعيد المنال، ، ليس فقط بسبب موقع لبنان الجغرافي، بل أيضًا بسبب تاريخه وتركيبته الداخلية التي تجعله عرضة لكل لتأثيرات.

هناك انسداد بسبب فشل الطائفة الشيعية في رؤية تقلص قوتها، ومواجهة مزيج من الجهات السياسية التي تعارض الحكومة

تعرّض لبنان لضربات قاسية، بما في ذلك انهيار مالي أفقر جزءًا كبيرًا من السكان، وانفجار كارثي في مرفأ بيروت، وحرب استمرّت أكثر من عام بين إسرائيل وحزب الله دمرت أجزاء واسعة من البلاد، وتشكيل الحكومة يُعتبر خطوة أساسية جديدة تحت راية التوازن الداخلي.

أظهرت التصريحات والالتزامات من سلام وفريقه نياتٍ إصلاحية وإدراكًا لحجم المسؤولية في معالجة كم هائل من الملفات العالقة. قد يكون هناك انسداد بسبب فشل الطائفة الشيعية في رؤية تقلص قوتها، ومواجهة مزيج من الجهات السياسية التي تعارض الحكومة. مع ذلك، لحزب الله وحركة أمل مصلحة في تمويل الحكومة والمجتمع الدولي ٳعادة الٳعمار للحفاظ على قاعدتهما الشعبية.

يمكن أن يكون اللبنانيون متفائلين بالأصداء الداعمة للحكومة والمشاورات المكثفة لأصدقاء لبنان لتقديم المساعدة، وبثلاثية أعلنها سلام، الٳصلاح السياسي والاقتصادي واستقلال حقيقي للسلطة القضائية، والوضع الآن يدعم القيام بذلك.

المصدر: العربي الجديد

تعليق واحد

  1. قام المستشار “نواف سلام” بتشكيل حكومته تحت عنوان” الٳصلاح والٳنقاذ”، وكرسها لانتقال لبنان ٳلى مرحلة انتقالية بعد جمود لمدة عامين، إحترمت معايير الكفاءة والصفات الجديّة والرصينة، والتوازن بين الطوائف اللبنانية، وبين التقليدي والجديد بين أسمائها، نتمنى لها التوفيق والنجاح بمهمتها بعيداً عن إبتزاز الثنائي الشيعي.

زر الذهاب إلى الأعلى