هل ستكون حلب عاصمة المرحلة الانتقالية؟

أحمد زكريا

يمثل تحرير مدينة حلب نقطة تحول تاريخية في مسار الثورة السورية، إذ يعيد الأمل للسوريين برؤية وطن خال من الطغاة والغزاة، فهذه الخطوة ليست فقط إنجازا عسكريا، بل هي بداية لرسم معالم سوريا الجديدة، حيث ستؤسس لمرحلة انتقالية حقيقية تُعيد للسوريين كرامتهم وتمنحهم فرصة تقرير مستقبلهم بأنفسهم.

ويُعد تحرير حلب إنجازا وطنيا كبيرا، أعاد الروح الوطنية للسوريين ووحد آمالهم بعد سنوات من المعاناة في المخيمات والتهجير، فهذه اللحظة الفارقة تُشكل بداية عودة السوريين إلى أرضهم وديارهم بكرامة، بعيدا عن الانتظار العقيم لقرارات دولية أو مبادرات أممية لم تُجدِ نفعا طوال السنوات الماضية.

ويعلم السوريون جميعًا أن حلب كانت خاضعة لهيمنة إيرانية كاملة، حيث لعبت إيران دور المسيطر الفعلي فيها بدلاً من النظام السوري، لذا، فإن تحرير حلب العظيم يُعد ضربة قاصمة لإيران، ونصرًا يُعيد للسوريين الأمل باستعادة سيادتهم على أرضهم.

كما يعلمون أن تحرير حلب لا يقتصر على تغيير خريطة السيطرة الميدانية أو تهديد أركان نظام الأسد فقط، بل من المرجح أن تمتد تداعياته لتشمل المنطقة بأكملها، مؤسسًا لمرحلة جديدة من التوازنات والتحولات السياسية.

وما يمكن أن يُسجل لفصائل معركة “ردع العدوان” هو استغلالهم فرصة أن حلفاء النظام وداعميه وبالأخص الطرف الإيراني ليسوا بأفضل حالاتهم كونهم يمرون بحالة سيئة جدا، ما أتاح الفرصة لفصائل المعركة لتغيير خرائط السيطرة على الأرض، الأمر الذي بدوره سيكسبها قوة ميدانية وسياسية جديدة، وسيعيد ملف القضية السورية إلى طاولة الحلول مجدداً، كما سيسلط الضوء على القضية السورية لتتصدر المشهد العسكري والسياسي والإعلامي بعد طول غياب.

وعلى مدار أعوام، تعرض السوريون لخيبات أمل متتالية مع استمرار القمع وغياب العدالة، ولكن تحرير حلب يعكس إرادة السوريين في تغيير هذا الواقع المرير، ويؤكد أن القرار بيدهم، بعيدًا عن محاولات فرض أمر واقع يُرسخ سيطرة النظام ويدفع باتجاه إعادة تأهيله سياسيا.

وعلى مدار أعوام، تعرض السوريون لخيبات أمل متتالية مع استمرار القمع وغياب العدالة، ولكن تحرير حلب يعكس إرادة السوريين في تغيير هذا الواقع المرير، ويؤكد أن القرار بيدهم

ويمكن القول إن من يسيطر على حلب يمتلك مفتاح إعادة تشكيل المشهد السوري، إذ أن هذه السيطرة لا تتعلق فقط بالجغرافيا، بل تتعداها لرسم خرائط جديدة للمنطقة ككل، فمدينة حلب بموقعها الاستراتيجي وأهميتها التاريخية، ستكون مركزًا لإعادة بناء الدولة السورية على أسس جديدة.

وما سيحدث بعد تحرير حلب سيكون بمثابة انطلاق عملية سياسية جادة تبدأ بمرحلة انتقالية تتيح للسوريين صياغة دستور جديد واختيار نظام حكم يعكس تطلعاتهم نحو الديمقراطية والمساواة.

وعلى الأغلب فإن تحرير حلب وتنظيفها من النظام السوري وميليشياته سيعطي ثقلاً سياسياً واقتصادياً للثورة، وربما وقد لا نتفاجئ من ذلك مستقبلاُ، أن تدعو المعارضة السورية بكافة مؤسساتها الأطراف الضالعة بإيجاد حل سياسي للملف السوري، إلى إجراء وعقد اجتماعات اللجنة الدستورية في مدينة حلب.

ومن هنا، يمكننا القول إن تحرير حلب لم يكن مجرد معركة عسكرية، بل هو معركة كرامة ترفض الإذلال المستمر، فبعد سنوات من التهجير القسري والأزمات المتلاحقة، اختار السوريون أن يثبتوا حقهم في العودة إلى بلادهم بقوتهم الذاتية، دون انتظار قرارات الأمم المتحدة التي طالما خذلتهم، فالعدالة الإلهية التي يعوّل عليها السوريون تتجلى اليوم في هذا الإنجاز، الذي يحمل رسالة مفادها أن الظلم لن يدوم وأن سوريا للسوريين مهما حاول النظام أو قوى إقليمية ودولية فرض واقع مخالف.

ومن المهم أن نشير إلى أن تحرير مدينة حلب له أبعاد متعددة، إذ تمثل هذه المعركة نقلة نوعية، خاصة أنها تمت بسرعة وحققت مكاسب استراتيجية تعيد ترتيب موازين القوى، ليس فقط في سوريا بل في المنطقة ككل.

 وهنا أقتبس جملة من منشور نشره الباحث الدكتور حمزة المصطفى على حسابه في فيس بوك تزامنا مع تقدم معركة “درع العدوان” في حلب وحماة وأريافها، قال في جزء منه “إذا لم تتدخل قوى دولية لإنقاذ النظام فلا يوجد ما يعيق تقدم عسكري متواصل قد يصل حدودا لا يمكن لأحد تصورها”.

ومن هنا نجد أن تحرير حلب قد يفتح الباب أمام المجتمع الدولي لدعم مسار سياسي حقيقي يقوم على تطبيق القرار الأممي 2254، القاضي بانتقال سياسي شامل، وإقامة دولة ديمقراطية تعددية.

أما من الناحية الاجتماعية، فقد أعاد تحرير المدينة الثقة للسوريين بقدرتهم على تقرير مصيرهم، كما أنه يمثل فرصة لإعادة اللاجئين إلى وطنهم في حال توافر الأمن والاستقرار.

ولكن، رغم هذا الإنجاز الكبير، يبقى التحدي الأكبر هو تحويله إلى مكاسب مستدامة تصب في صالح القضية السورية، ومن هنا يجب على الفصائل الثورية أن تستثمر وعيها السياسي وخطابها المدروس لضمان عدم انحراف مسار الثورة، وأن تسعى لتوحيد الجهود بعيدًا عن الخلافات الداخلية.

ويجب أيضًا التصدي لمحاولات الالتفاف على هذا الإنجاز، سواء من خلال مشاريع التعافي المبكر التي تهدف إلى تثبيت النظام في دمشق، أو عبر خطط توطين النازحين بعيدًا عن أراضيهم الأصلية.

إذن، تحرير حلب ليس مجرد انتصار عسكري بل هو انتصار للكرامة السورية، خطوة نحو استعادة البلاد وتحريرها من الطغاة والغزاة، فهذه اللحظة التاريخية تعيد الثورة السورية إلى الواجهة، لتذكّر العالم بأن السوريين لن يرضخوا للأمر الواقع، وأن العدالة والمساواة والديمقراطية هي طموحاتهم التي لن يتنازلوا عنها.

كما أن تحرير مدينة حلب يمثل لحظة استثنائية تختلط فيها المشاعر بين الفخر والخوف، فهو حدث عظيم يعيد الأمل لكنه يحمل معه تحديات جسيمة، وكما كانت خسارة حلب يومًا ما نكسة موجعة، فإن استعادتها اليوم تحمل وقعا أعظم وأثقل على المشهد السوري.

مما لا شك فيه، فإن عملية “ردع العدوان” كشفت زيف الادعاءات التي يروجها النظام عبر أبواقه وداعميه، وأظهرت حقيقته كنظام ضعيف ومتهالك على وشك الانهيار. ما حدث أكد أنه ليس أكثر من كيان محاصر من قبل شعبه، الذي يسعى لنيل حريته وكرامته من عصابة طائفية مجرمة حكمت سوريا بالحديد والنار بعيدًا عن إرادة شعبها.

وفي ظل هذه الحقائق، أعتقد أن دول المنطقة والعالم، إلى جانب الأطراف الدولية الفاعلة، ستعيد النظر بعمق في توجهاتها السياسية تجاه المشهد السوري والتطورات الجارية.

وفي النهاية، على ما يبدو أنه سوف يتم رسم خرائط جديدة للمنطقة بعد تورط إيران وأذرعها في الحرب القائمة في غزة، وسيتم رسم هذه الخرائط بأقلام تركية وأوراق روسية وبتوقيع أمريكي مما يؤدي ذلك إلى قلب الموازين لصالح المعارضة السورية إلى حين تسلم ترامب السلطة فعلياً بعد نحو شهر، وبذلك يكون تم تمهيد الطريق نحو رسم مناطق نفوذ جديدة وتحجيم لبعض القوى بما يخدم سياسة المصالح الأمريكية بشكل عام”.

 وبناء على ما سبق يمكن القول كذلك، إن جميع الرؤى المقدمة بخصوص الملف السوري اليوم ما زالت ضمن نطاق إدارة الصراع ولم تنتقل إلى مرحلة إنهاء الصراع والسبب تعدد وتجاذب المشاريع الدولية داخل الأراضي السورية، لكنّ الموقف التركي واضح من حيث طبيعة تلك التحركات المبنية على تفاهمات دولية إضافة إلى التفاهمات المحلية والإقليمية لما يخص مسألة إدارة تلك المناطق التي ستشهد عمليات عسكرية تركية ربما في قادمات الأيام.

وتبقى المرحلة المقبلة مرحلة مصيرية تتطلب من جميع الأطراف العمل الجاد لضمان انتقال سياسي حقيقي يعيد بناء سوريا على أسس تضمن الحرية والعدالة للجميع، فسوريا الحرة اليوم تُولد من رحم ثورة شعبها، لتكون وطناً جامعاً لكل أبنائها ومن أجل مستقبلهم.

 

المصدر: تلفزيون سوريا

تعليق واحد

  1. هل تحرير مدينة حلب تعتبر نقطة تحول تاريخية في مسار الثورة السورية؟، وتعيد الأمل للسوريين برؤية وطن خال من الطغاة والغزاة؟، لتكون إنجازاً عسكريا يرسم معالم سوريا الجديدة، على السوريين الأحرار الإستفادة من هذا الإنتصار للتأسس لمرحلة انتقالية حقيقية تُعيد للسوريين كرامتهم وتمنحهم فرصة تقرير مستقبلهم بأنفسهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى