أقال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وزير الأمن يوآف غالانت، مستغلًّا الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية، وذلك بعد فشل محاولات عديدة في التخلص منه، وضمَّ حزب “اليمين الرسمي” إلى حكومته ومنحَ زعيمه، جدعون ساعر، منصب وزير الخارجية، بدلاً من يسرائيل كاتس الذي حلّ محلّ غالانت في وزارة الأمن. وبهذا، يكون نتنياهو قد تخلّص من أبرز خصومه في الليكود وعزّز، في الوقت نفسه، أغلبيته البرلمانية التي ارتفعت بانضمام ساعر إليها من 64 عضوًا إلى 67 عضوًا (من دون غالانت).
خلفيات التوتّر بين نتنياهو وغالانت
بدأ التوتر يغلب على علاقة نتنياهو بوزير الأمن غالانت بعد مرور أشهر قليلة على تشكيل حكومته السادسة في كانون الأول/ ديسمبر 2022، على خلفية محاولات نتنياهو سَنّ قوانين تتيح إزالة جميع الكوابح والتوازنات القائمة في المنظومة القانونية الإسرائيلية، على نحو يسمح للحكومة بهامش أكبر من الحرية في ممارسة سلطاتها. وقد عارض غالانت “الإصلاحات” القضائية في ذلك الوقت، ودعا علناً إلى إيقافها متسلّحاً بالاحتجاجات الواسعة التي اندلعت ضدها؛ ما أدّى إلى إقالة نتنياهو إيّاه. لكنّ نتنياهو ما لبث أن تراجع عن قرار الإقالة بضغط من إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، التي كانت تجد في غالانت شريكاً مقبولاً مقارنةً بمتطرفي حكومة نتنياهو الذين رفضت التعامل معهم؛ مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش. ومنذ عملية “طوفان الأقصى” وشَنّ إسرائيل حرب الإبادة على قطاع غزة، ازدادت علاقة نتنياهو بغالانت توترّاً، ووصلت إلى حدِّ القطيعة بعد أن صوّت غالانت مع المعارضة لرفض تمديد إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية. وقد تفاقمت خلافاتهما بشأن قضايا عديدة متعلقة بالحرب، اتّخذ فيها غالانت مواقف تنسجم مع مواقف المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية وتتعارض مع مواقف نتنياهو. وبات واضحاً منذ عدّة أشهر أن نتنياهو كان ينتظر فرصةً مناسبة لإقالة غالانت من منصب وزير الأمن.
إقالة غالانت وتوسيع الائتلاف الحكومي
منذ خروج حزب “المعسكر الرسمي” بزعامة بيني غانتس، في حزيران/ يونيو 2024، من حكومة الطوارئ، التي تشكّلت لقيادة إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب على غزّة، ضاعف نتنياهو جهوده لتعزيز أغلبيته البرلمانية. وفي أيلول/ سبتمبر 2024، بدأ مفاوضات لضمّ حزب اليمين الرسمي برئاسة ساعر، الذي يمتلك أربعة مقاعد في الكنيست، إلى الائتلاف الحكومي. وقد اشترط ساعر، مقابل موافقته على دخول الائتلاف الحكومي، تعيينَه وزيراً للأمن. لكن شَرْطه هذا وُوجِه بمعارضة شديدة من المؤسّسة العسكرية والرأي العام الإسرائيلي، ومن داخل حزب الليكود نفسه، لا سيما أنه لا يمتلك خبرة عسكرية، وهو ما أدّى إلى تنازله عن ذلك الشرط في مقابل دخوله الائتلاف الحكومي. وفي 29 أيلول/ سبتمبر 2024، وفي إثر شَنّ الجيش الإسرائيلي هجومه البرّي على جنوب لبنان، وافق على الانضمام إلى الحكومة من دون حقيبة وزارية، على أن يجري الاتفاق لاحقاً على شروط انضمام حزب اليمين الرسمي إلى الائتلاف الحكومي.
بدأ التوتر يغلب على علاقة نتنياهو بوزير الأمن غالانت بعد مرور أشهر قليلة على تشكيل حكومته السادسة في كانون الأول/ ديسمبر 2022
وفي 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وفي وقت كان فيه الرأي العام منشغلاً بالانتخابات الأميركية، أعلن نتنياهو عن إقالة وزير الأمن وتعيين وزير الخارجية كاتس خلفاً له، وعيّن ساعر وزيرًا للخارجية. وقد جاء هذا التعيين في سياق اتفاق لتوسيع الائتلاف الحكومي، حصل فيه حزب اليمين الرسمي على وزيرين في الحكومة؛ هما ساعر وزئيف إلكين اللذان سيشغلان أيضاً منصبين في الكابينت السياسي – الأمني. وقد جرى الاتفاق على أن يشغل إلكين منصب وزير المالية، وأن يكون المسؤول عن إعادة إعمار منطقة شمال إسرائيل المحاذية للبنان ومنطقة غلاف قطاع غزّة في جنوب إسرائيل. وجاء في اتفاق الائتلاف أيضًا أنه لا يجوز سَنّ أيّ قانونٍ أساسٍ في الكنيست أو تعديله إلا باتفاق جميع رؤساء كُتل الائتلاف الحكومي، وأن لحزب اليمين الرسمي حرية التصويت في القضايا المرتبطة بالمنظومة القضائية.
برّر نتنياهو إقالة غالانت بفقدان الثقة بينهما وظهور خلافات بشأن الحرب على قطاع غزّة، وإدلائه بتصريحاتٍ تتناقض مع قرارات الحكومة والكابينت السياسي، وبأنّ هذه التصريحات وصلت إلى الجمهور العام، ووصلت أيضاً إلى “الأعداء” الذين “فرحوا بها واستفادوا منها كثيراً”. وأكد غالانت أن إقالته جاءت بسبب خلافه مع نتنياهو في ثلاث قضايا أساسية: أولاً، معارضته سَنّ القانون الذي يتيح للحريديم التهرب من الخدمة العسكرية. ثانيًا، موقفه الملتزم بإعادة المحتجزين الإسرائيليين لدى حركة حماس، وقناعته بإمكانية عَقد صفقة لتبادل الأسرى، وهو أمرٌ يستدعي إنهاء الحرب. ثالثًا، مطالبته بإقامة لجنة تحقيق رسمية للتحقيق في الفشل والتقصير اللذين حصلَا في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
انعكاس إقالة غالانت على حكومة نتنياهو
بإقالة غالانت، يكون نتنياهو قد حقّق مكاسب سياسية، أهمها: (1): تعزيز ائتلافه الحكومي الذي بات يستند إلى 67 عضواً من مجموع أعضاء الكنيست (من دون غالانت، كما ذكرنا) البالغ عددهم 120 عضواً. ويبدو هذا الائتلاف الحكومي متماسكاً أيديولوجيّاً وسياسيّاً إلى حدّ بعيد، فجميع مكوناته الحزبية تنتمي إلى أحزاب اليمين المتطرّف والفاشي. ومن المرجّح أن يستمر في الحكم إلى حين إجراء انتخابات الكنيست في تشرين الأول/ أكتوبر 2026. ولعل المشكلة الأساسية التي تواجه هذا الائتلاف الحكومي هي مسألة تجنيد الحريديم؛ وهي المسألة التي كانت من بين أسباب إقالة غالانت من منصبه بسبب إصراره على تجنيدهم. وعلى الرغم من جدّية هذه المشكلة، فإن من المرجّح أن يجد حزب الليكود والأحزاب الحريدية حلّاً لها؛ إذ من الصعب افتراض إقدام الأحزاب الحريدية وحزب الليكود على اتخاذ مواقف أو خطوات تؤدّي إلى إسقاط الائتلاف الحكومي، بالنظر إلى أنّ إسقاط الحكومة وإجراء انتخابات مبكّرة في الزمن القريب سيؤدّيان، وفقاً لاستطلاعات الرأي العام المتكرّرة، إلى خسارة الائتلاف الحاكم.
(2): بإقالة غالانت وتعيين كاتس خلفاً له في منصب وزير الأمن، لم يتخلص نتنياهو من خصم لَدود فحسب، بل إنه أحلّ محلّه كاتس المنسجم كليّاً مع رؤيته ومواقفه أيضاً؛ سواء أكان ذلك فيما يخص صراع نتنياهو مع المؤسسة العسكرية والأمنية أم في مجمل سياساته. ومن المتوقع أيضًا أن يعزّز تعيين كاتس وزيراً للأمن قوة نتنياهو في هذا الصراع، منذ تفجّر الخلاف بشأن الانقلاب القضائي وتفاقمه؛ بسبب الخلاف على المسؤولية عن الفشل والتقصير في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ومجمل قضايا الخلاف الأخرى المتعلقة بالحرب على قطاع غزّة.
أصبحت حكومة نتنياهو أكثر انسجاماً مع الخط السياسي الذي يقوده فيما يتعلق بحرب الإبادة على قطاع غزّة
(3): سيتمكّن نتنياهو من إعادة بناء قيادة الجيش الإسرائيلي، من خلال الصلاحيات القانونية التي يتمتع بها كل من رئيس الحكومة ووزير الأمن في تعيين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي وكبار قادة الجيش بأذرعه المختلفة. ويشمل ذلك تعيين رئيس جديد لأركان الجيش الإسرائيلي، خلفاً لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي الحالي، هرتسي هليفي، الذي تنتهي مدة ولايته في كانون الثاني/ يناير 2026 (في إثر مرور ثلاث سنوات على تقلّده منصبه)، ويحقّ حينئذ لوزير الأمن إنهاء خدمته وعدم تجديدها، كما تجري العادة، سنةً واحدةً. هذا إذا لم يستقل هليفي في الأشهر المقبلة، وهو أمر محتملٌ جدّاً كما صرّح هليفي نفسُه بذلك أكثر من مرّة، أو إذا لم يُقِله نتنياهو.
(4): من غير المستبعد أن يستأنف الائتلاف الحكومي محاولاته سَنّ قوانين تسعى لإحداث انقلاب قضائي في إسرائيل. فثمة أغلبية في الكنيست تسمح بذلك، حتى إنْ عارضها حزب اليمين الرسمي بقيادة ساعر. وما قد يشجع نتنياهو وائتلافه الحكومي على الإقدام على سَنّ بعض هذه القوانين هو انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة؛ وهو، بخلاف إدارة بايدن، قد عبّر عن تأييده لسَنّها. ولكنه قد يُفاجأ بأن حجم المعارضة لها في المجتمع الإسرائيلي ما زال كبيراً.
(5): في إثر إقالة غالانت وانضمام حزب اليمين الرسمي المتطرف إلى الائتلاف الحكومي، أصبحت حكومة نتنياهو أكثر انسجاماً مع الخط السياسي الذي يقوده فيما يتعلق بحرب الإبادة على قطاع غزّة، وخطط اليوم التالي للحرب، وقضية المحتجزين الإسرائيليين، والموقف من عقد صفقة تبادل أسرى بشأنهم.
وعلى الرغم من المكاسب التي حققها نتنياهو من خلال إقالته غالانت، أخذت متاعب جديدة تبرز أمامه في الفترة الأخيرة، ومن أبرزها فضيحة التسريبات التي تورّط فيها مكتبه.
أزمة مكتب نتنياهو
كشفت وسائل إعلام إسرائيلية النقاب، في الفترة الأخيرة، عن وجود شبهاتٍ متعلقة بتورّط بعض موظفي مكتب رئيس الحكومة في قضايا جنائية، من أجل مساعدة نتنياهو في صراعه مع المؤسّستين، العسكرية والأمنية. وتتعلق القضية الأولى بمحاولة تغيير وثائق محاضر اجتماعات القيادتين السياسية والعسكرية الإسرائيلية، التي عُقدت في بداية الحرب على غزّة، لتتناسب مع رواية نتنياهو قبل أن تطّلع عليها أيّ لجنة من لجان التحقيق. في حين تتعلق القضية الثانية بأنّ موظفين في مكتب رئيس الحكومة ابتزّوا ضابط الاتصال في الجيش الإسرائيلي، من أجل تحصيل وثائق عسكرية سرّية ذات حساسية لمصلحة مكتب رئيس الحكومة نتنياهو؛ بنيّة استعمالها في الصراع الدائر بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية والأمنية. أما القضية الثالثة، فتتعلق بتسريب ناطق سابق في مكتب رئيس الحكومة، يدعى إيلي فلدشتاين، معلوماتٍ استخبارية مرتبطة بأمن الدولة، وهي ذات حساسية أيضاً، إلى وسائل إعلام أجنبية بعد التلاعب بها على نحو يعزّز موقف نتنياهو ويبرّئه من إفشال صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس. وقد اعتقلت المخابرات العامة الإسرائيلية فلدشتاين وضابطين يعملان في القسم المسؤول عن المعلومات في شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي بشبهة سرقة وثائق فيها معلومات ذات حساسية وتسليمها لفلدشتاين.
ثمّة شبهات متعلقة بتورّط بعض موظفي مكتب رئيس الحكومة في قضايا جنائية، من أجل مساعدة نتنياهو في صراعه مع المؤسّستين، العسكرية والأمنية
وأعطت المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا تفويضاً للسلطات الإسرائيلية المختصّة بالتحقيق مع رئيس الحكومة نتنياهو، إذا اقتضت الضرورة ذلك، في قضية تسريب معلومات من مكتب رئيس الحكومة إلى وسائل الإعلام.
من غير المعروف حتى الوقت الراهن ما يمكن أن تُسفر عنه هذه التحقيقات في مكتب رئيس الحكومة، وإن كان من الممكن أن يجري التحقيق مع نتنياهو شخصيًّا، وإن كان ذلك يمكن أن يكون مؤثِّرًا بالنسبة إليه، فضلًا عن درجة هذا التأثير في حال تحقّقه. وفي الوقت نفسه، تشير هذه الشبهات والتحقيقات في مكتب رئيس الحكومة إلى عُمق الصراع واستمراريّته بين نتنياهو من ناحية، والمؤسّسة العسكرية والأمنية من ناحية أخرى.
خاتمة
حقّق نتنياهو – من خلال إقالته غالانت وإحلال كاتس محلّه وتوسيعه الائتلاف الحكومي بضمّ حزب اليمين الرسمي المتطرف، بقيادة ساعر، إلى الائتلاف الحكومي – إنجازاً مهمّاً يعزّز إمكانية استمرار ائتلافه الحكومي حتى موعد إجراء انتخابات الكنيست في تشرين الأول/ أكتوبر 2026، ويجعله أكثر انسجاماً مع رؤيته وسياسته في مجمل القضايا؛ سواء فيما يخص حرب الإبادة على قطاع غزّة خصوصاً والقضية الفلسطينية عموماً، أم فيما يخص القضايا الخلافية في المجتمع الإسرائيلي التي تشمل المحتجزين الإسرائيليين، والانقلاب القضائي، والموقف من تشكيل لجنة تحقيق رسمية. ومن المتوقّع أن يستمرّ نتنياهو في سياساته، في حال تماسك ائتلافه اليميني المتطرّف وضعف المعارضة الإسرائيلية وانقسامها وعدم امتلاكها برنامجاً بديلاً، وكذلك في حال تسامح المجتمع الدولي مع سياساته، لا سيما الولايات المتحدة والدول العربية، وعدم اتخاذ خطواتٍ فعلية لإنهاء حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزّة.
المصدر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات