تكشف معلومات نشرتها مجلة “المجلة” السعودية مطلع الشهر الجاري، عن آخر تطورات مسار “التطبيع” العربي مع النظام السوري، وتوحي بأن رهان “المطبعين” العرب مع الأسد قد انتعش في الآونة الأخيرة، رغم تركّز النقاش المُعلَن بين النظام السوري والوسيط الأردني – الذي يمثل جهود الحوار “العربي” مع الأسد – على البعد الإنساني المتعلّق باللاجئين.
وكانت “المجلة” قد نشرت تقريراً تناول – في سياقه – ورقة أعدتها وزارة الخارجية التابعة للنظام السوري، وسلمها وزير الخارجية السابق، فيصل المقداد، لعدد من نظرائه العرب، ردًا على ورقة عربية سابقة تضمنت معايير التقارب مع النظام، قُدِّمت له خلال العام الماضي.
ووفق “المجلة”، فإن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، اقترح على بشار الأسد – خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق في 20 تشرين الأول الفائت – أن تقوم لجنة مشتركة بتحديث ورقة الردّ “السورية”، بحيث يقوم الجانب الأردني لاحقاً بترويجها عربياً وغربياً. كما نقلت “المجلة” عن “مسؤول عربي” لم تُسمِّه، أن الأسد والصفدي اتفقا على العمل على وثيقة مشتركة تسلّط الضوء على الخطوات الأخيرة التي اتخذتها “الحكومة السورية” في ثلاثة مجالات رئيسية.
وفي تحليل ما نشرته “المجلة”، يمكن تسجيل مجموعة ملاحظات، لكن قبل ذلك، يجب الوقوف عند النقاط الرئيسية التي تضمنتها الورقة العربية، والتي ضمت توقعات “المطبعين” العرب من نظام الأسد، والتي قُدِّمت له بعيد بدء مسار التطبيع “العربي” رسمياً في أيار 2023. وتستند الورقة العربية إلى مبادرة أردنية سابقة، تم تعديلها بالتشاور مع دول عربية وغربية، ليتم الترويج لها لاحقاً بوصفها “خريطة طريق” للنظام.
وفي حزيران 2023، نشرت مجلة “المجلة” تفاصيل “خريطة الطريق” تلك، والتي تضمنت نقاطاً بارزة، منها الحد من التأثير الإيراني السياسي في سوريا، ومعالجة الجانب الأمني والعسكري منه، إلى جانب معالجة مخاوف الدول المجاورة، بما في ذلك تهريب المخدرات، ومعالجة مسألة “المقاتلين الإرهابيين الأجانب”.
ووفق هذه الورقة، ينتظر “المطبعون” العرب تغييرات تدريجية في سلوك حكومة النظام، مقابل “حوافز تُحدَّد بتأنٍ لصالح الشعب السوري ولتمكين بيئة مواتية لعودة طوعية للنازحين واللاجئين”.
لم تتضمن “المبادرة” برنامجاً زمنياً محدداً للتنفيذ، لكنها تنتهي، وفق “المجلة”، إلى أن الخطوات المتوقعة من النظام وحلفائه هي “سحب جميع الممتلكات الإيرانية العسكرية والأمنية من سوريا، وانسحاب حزب الله والميليشيات الشيعية”، مقابل “انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من جميع الأراضي السورية التي دخلوها بعد 2011، بما في ذلك مناطق شمال شرقي سوريا وقاعدة التنف الأميركية، ورفع العقوبات، وتمويل المانحين لإعمار سوريا”.
النظام احتاج نحو سنة كاملة للردّ على توقعات “المطبعين” العرب منه.
وقد ماطل النظام في الردّ على الورقة “العربية” المفصلة أعلاه. وتشير “المجلة” في تقريرها المنشور مطلع الشهر الجاري بعبارة “بعد تردد كبير قدم وزير الخارجية السوري فيصل المقداد وثيقة تقع في 13 صفحة أُعدت قبل حرب إسرائيل في لبنان”.
نستنتج من ذلك أن النظام احتاج نحو سنة كاملة للردّ على توقعات “المطبعين” العرب منه. ووفق “المجلة”، فقد طلب وزير الخارجية الأردني في زيارته الأخيرة إلى دمشق تعديل ردّ النظام هذا، مما يعني أن “المطبعين” العرب لم يكونوا راضين عن ردّ النظام المتأخر، ورغم ذلك، قُرئت بعض خطوات النظام بوصفها استجابة لتوقعاتهم. المُعلَن من هذه الخطوات يتعلق بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. لكن الجانب غير المُعلَن، والذي لم تشر إليه مصادر “المجلة”، يرتبط، دون شك، بموقف النظام من تصاعد الصراع بين “المحور الإيراني” وإسرائيل منذ بدء الحرب على غزة في 7 تشرين الأول 2023.
وقد وافق بشار الأسد خلال لقائه الأخير مع وزير الخارجية الأردني على تشكيل لجنة مشتركة لتعديل ردّ النظام على ورقة المطالب والتوقعات العربية. والمثير هنا أن النظام قدّم هذا التنازل مقابل موافقة وزير الخارجية الأردني على التركيز على الخطوات الأخيرة التي اتخذها النظام فيما يتعلق بعودة اللاجئين تحديداً. ومن خلال تحليل ما نشرته “المجلة”، نستنتج أن النظام نجح في فرض جانب من رؤيته في هذا الخصوص، فإحدى النقاط الثلاث التي طلب التركيز عليها تتعلق بما يدّعي أنها جهود من جانبه لإزالة العقبات أمام عودة “مواطنيه” من لبنان.
إن “المطبعين” العرب قرؤوا موقف النظام من التوتر الإيراني – الإسرائيلي الراهن، وعودة مئات الآلاف من السوريين إلى بلدهم مؤخراً، على أنه تبدّلٌ “إيجابي” في سلوك نظام الأسد يمكن البناء عليه.
في المقابل، نجح وزير الخارجية الأردني في التركيز على الإجراءات الأمنية؛ أي كيفية تعامل النظام أمنياً مع العائدين.
ويبدو أن الأردن أراد وضع النظام أمام ضرورة تغيير سلوكياته الأمنية في هذا الشأن، مقابل وعود وزير الخارجية الأردني بالترويج لتعاون النظام بهذا الصدد لدى أطراف أوروبية، منها ألمانيا وفرنسا، لتشجيع نهج أكثر مرونة تجاه النظام.
يأتي ذلك في ضوء تقارير حقوقية دولية توثّق حالات اعتقال عديدة لعائدين سوريين من لبنان خلال الشهر الأخير. لكن عودة نحو 400 ألف سوري خلال شهر ونصف يبدو أنها تقرأ بإيجابية من جانب “المطبعين” العرب كاستقبال مقبول من حكومة النظام.
بدوره، استخدم النظام إلغاء شرط تبديل الـ 100 دولار على الحدود اللبنانية كدليل على رغبته بتسهيل عودة السوريين وفق رؤيته. وقد تضمن هذا الإلغاء ضمن النقاط المتفق عليها مع الأردن. كما استخدم النظام مرسوم العفو الأخير الصادر في أيلول الفائت كنوع من تغير سلوكه تجاه عموم السوريين، رغم أن النظام يصدر بشكل دوري مراسيم عفو لا تغيّر بصورة نوعية من سلوكه الأمني تجاه الشعب السوري.
لم تشر “المجلة” إلى أي نقاش بين الأسد والصفدي يتطرق للحرب الإسرائيلية على حزب الله في لبنان، والضربات الإسرائيلية المتصاعدة على الأهداف الإيرانية وتلك الخاصة بحزب الله في سوريا. كذلك لم يتم الكشف عن أي محتوى يتعلق بملف تهريب المخدرات. لكن من المرجح أن النقاش حول هذه القضايا قد دار بالفعل، إن لم يكن في اللقاء مع وزير الخارجية الأردني، فقد دار عبر قنوات سياسية أو استخبارية أخرى.
وفي الختام، فإن “المطبعين” العرب قرؤوا موقف النظام من التوتر الإيراني – الإسرائيلي الراهن، وعودة مئات الآلاف من السوريين إلى بلدهم مؤخراً، على أنه تبدّلٌ “إيجابي” في سلوك نظام الأسد يمكن البناء عليه في تنفيذ دفعة جديدة في مسار “التطبيع” العربي معه.
المصدر: تلفزيون سوريا