تشكلت حكومة مصطفى الكاظمي بصعوبة بسبب ارتباك المشهد السياسي لحكومة المنطقة الخضراء الذي نتج عن ثورة تشرين حيث أسقط ثوار العراق حكومة عادل عبد المهدي فيما لم يتمكن المكلف بعده محمد علاوي من تشكيل حكومته رغم كل المحاولات التي بذلت لتسويقه. وقد عودنا المشهد السياسي العراقي ان كل حكومة تتشكل يرافقها حملة تجميلية واسعة لتسويقها للشعب العراقي مرة بموضوع مكافحة الفساد والقيام بالإصلاحات الضرورية كما في حكومة حيدر العبادي وأخرى بموضوع الحكومة الاليكترونية الحديثة مع حكومة عادل عبد المهدي الذي صوره الاعلام بقمة الكفاءة والتمكن في المجال الاقتصادي والاعتماد على طاقات الشباب وتحديث الدولة العراقية واداراتها كما في الدول المتقدمة. ورافقت هذه الحملات أيضا جملة من الوعود منها المساعدات الاوربية والأمريكية ومنها الانفتاح على المحيط العربي وبالأخص السعودية ومجلس التعاون العربي وروجت القنوات التلفزيونية لمشاريع ضخمة واستثمارات واسعة تعتزم هذه الدول الأخيرة القيام بها في العراق وأكثر ما تم ترويجه في حكومة عادل عبد المهدي هو بناء ملعب بملياري دولار من قبل السعودية. واليوم عدنا نسمع من جديد نفس الوعود مع حكومة الكاظمي حيث تعهدت فرنسا باستثمار ملياري يورو لإعادة بناء مدينة الموصل التي دمرها جيشها تدميرا كاملا لتدخل اليها المليشيات الولائية وتستولي على كل ما فيها وتفرض سطوتها وخاواتها وابتزازها للمواطنين من جديد كما قبل ادخال داعش بل أكثر. اما الولايات المتحدة فقد تعهدت بتركيز الاهتمام مستقبلا على الجانب الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي وحاجات العراق في هذه المجالات ودعمت ربط العراق بالمنظومة الكهربائية مع دول الخليج لتوفير الكهرباء المفقودة في العراق عمدا منذ سبعة عشر عاما٬ كذلك هي السعودية التي سيزورها مصطفى الكاظمي والتي لم تتخلى في أي لحظة عن دعم حكومات الاحتلال منذ البداية رغم اللاءات الإيرانية لأي دور واي تبادل تجاري تعتبره مجالها الحيوي وجيبها لحلب العراق واقتصاده. و
لكن فترة رئاسة العبادي بدأت وانتهت ولم يرى الشعب العراقي لا اصلاح يذكر ولا فساد تمت محاربته او على الأقل الحد منه بل ان السنوات التي قضاها كانت استكمالا لنهج الحرب وابادة وإخضاع الشعب العراقي التي بدأت مع نوري المالكي ٬ واستكملت بإدخال داعش للموصل لتدميرها والسيطرة عليها وتهجير الملايين من سكانها في فترة حكومته. كما تم تأسيس الحشد الشعبي الذي افتى به السيستاني ليستخدمه المغتال قاسم سليماني كنواة لمليشيات تتبع بشكل أكثر تنظيما الحرس الإيراني تمهيدا لإخضاع العراق بالكامل لايران. وهذا الامر الأخير المتعلق بالمليشيات كان من أهم ما حاول عبد المهدي الاهتمام به حال تسلمه الحكومة على عكس وعوده التي بشرت بتصديه للفساد وملفاته الواحد والأربعين ملف يشمل كل الوزارات والتي ربما أضاعها في الأيام التالية في حدائق المنطقة الخضراء ليتفرغ لما “يهم” الشعب العراقي الا وهي المليشيات الولائية التي اولاها اهتمام اكبر من الشعب والجيش العراقي وهو لم يكمل حتى تشكيل حكومته ! بل لم يرى الشعب العراقي أيا من وعود المساعدات الكثيرة الدولية والعربية تتحقق ولا حتى جزء يسير منها ! لقد طوى هذه “المساعدات” والاستثمارات طاعة للولي الفقيه وتوجه للصين استئناسا برأي الأخير لتوقيع مجموعة من التفاهمات كان سلفه وبتوجيه من نفس المصدر قد حاول عقدها وبقيت نائمة في الجرارات لم ترى النور رغم كل الازمات ٬ لكن وكما تأكد للشعب العراقي فأن الخزينة العراقية هي للفاسدين أولا قبل العراقيين ٬ كما ان اقتصاد العراق وتجارته غير مسموح التلاعب بها ومسها لأنها خطوط إيرانية حمراء. وقد ثبت بالوقائع ان هذه الوعود الإعلامية وحملات العلاقات العامة الكلامية ليست الا محاولات لإنقاذ وتسويق أصحاب العملية السياسية. اما إعادة الولايات المتحدة صياغة وجودها في العراق بحجة تقديم المساعدة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي ووصول وزير الخارجية الفرنسي جان أيف لودريان للعراق فهو محاولة لإنقاذ العملية السياسية المهترئة بالكامل وليس فقط دعم رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي.
ان العراق ليس بلدا فقيرا لكي تقدم له المساعدات بل ان له ميزانيات ضخمة منهوبة من الفاسدين وثرواته من دول الاحتلال كلها دون استثناء. هذه الدول التي تهرول بإعلان المساعدات والاستثمارات٬ تنهش العراق منذ سبعة عشر عاما ٬ولن تبني العراق وهي معاول تدميره والانقضاض عليه دولة وشعبا ٬وكل همها هو انقاذ واجهتها السياسية وعمليتها الفاسدة الموكلة الى الأحزاب التي جاءت معها والمليشيات الولائية التي تكره العراق مستقلا بعيدا عن استعباد إيران. لم تعد العملية السياسية وبرلمانها الأخير المنتخب بأقل من 20% ٬ الذي هتف نعم نعم سليماني ٬ متآكلان فقط بل حتى وعود دول الاحتلال نفسها التي لن تتمكن اطلاقا ومهما فعلت من انقاذ العملية السياسية التي اخدت كل مداياتها في الكذب والخداع والتزييف والفساد وبالأخص في تدمير العراق وتفتيت نسيج شعبه وتسليمه الى الأجنبي وتهجير اهله بالملايين ووضع الالاف منهم في السجون وتغييب الاف واختطاف الشباب وقتلهم في ساحات التحرير. كل هذه الأساليب كانت مجدية نوعا ما قبل قبل ثورة تشرين لكنها فقدت كل تأثير يذكر ولم تعد قادرة على الاقناع.
الدول التي تعد بالمساعدات تقف بالضد من ساحات التحرير ومن مطالب الشعب العراقي بالحرية واستعادة العراق لأنها تريد انقاذ الفساد والنهب والتدمير وربما من الأفضل لها ان تقف على الحياد لتكفي العراقيين شرورها فشباب هذا البلد متأهب ومستنفر وله مطالب وجودية تجذرت في وجدان كل عراقي من عمق الالام التي كابدها منذ سبعة عشر عاما ولن يكون سهلا منازلته لاستكمال الثورة وهو بهذا التصميم وبهذه القناعة في الانتصار وقلع ليس فقط كل من جاء به المحتل بل العملية السياسية برمتها.
المصدر: كتابات