أعلنت القوات الروسية في سورية عن إنشاء قاعدة لها في منطقة عين العرب بشمال شرقي حلب، غير بعيد عن الحدود السورية التركية، في إجراء يرسّخ النفوذ الروسي العسكري في منطقة شرقي نهر الفرات الأغنى والأهم في الجغرافيا السورية، والتي تشهد تنافساً بين مختلف القوى الإقليمية والدولية.
قاعدة روسية في عين العرب
ونقلت وسائل إعلام روسية عن نائب مدير “المركز الروسي للمصالحة”، العقيد البحري أوليغ إيغناسيوك، قوله أول من أمس الجمعة، إن القوات المسلحة التابعة لروسيا أنجزت بالاشتراك مع قوات النظام السوري، إقامة “قاعدة كوباني” في المنطقة القريبة من الحدود السورية التركية على أراضي محافظة حلب. وأضاف أن إنشاء القاعدة يأتي في إطار الإجراءات المستمرة لـ”الرقابة على نظام وقف العمليات القتالية بين الأطراف المتنازعة”. وتأتي هذه القاعدة إضافة إلى قاعدتين أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان في يونيو/حزيران الماضي أن الجانب الروسي أقامهما في قريتي بير حسو وجبل الإذاعة غرب عين العرب، أو “كوباني” وفق التسمية الكردية.
وتقع المنطقة التي أقيمت فيها القاعدة الجديدة ضمن سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي أبرمت مع الجانب الروسي أواخر عام 2019 اتفاقاً عسكرياً يسمح للجانب الروسي بإقامة قواعد في شرقي نهر الفرات، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام الروس لدخول المنطقة. وجاء الاتفاق في خضم عملية “نبع السلام” التي قامت بها تركيا في ذلك العام في شرقي الفرات واستحوذت من خلالها على منطقتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي ورأس العين في ريف الحسكة شمال غربي الحسكة. واضطرت “قسد” في حينه لتقديم تنازلات ميدانية للروس وقوات النظام السوري لإيقاف العملية العسكرية التركية عند حدود معينة، خصوصاً أن الجانب الأميركي وهو الداعم الرئيسي لـ”قسد”، أعطى أنقرة الضوء الأخضر للتوغل على حسابها ولكن بعيداً عن منابع النفط والغاز. وأخلى التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة في ذلك العام، العديد من نقاطه في مسرح عمليات الجيش التركي أو في محيطه، ومن ضمنها قاعدة في بلدة خراب العاشق في عين العرب. ومنذ ذلك الحين، أرسى الروس دعائم نفوذ لهم في منطقة شرقي نهر الفرات، وباتوا منافساً رئيسياً في هذه المنطقة التي يُنظر إليها على أنها “سورية المفيدة” نظراً لغناها بالثروات الزراعية والنفطية.
ويبدو أن الخطوة الروسية المتمثلة بإقامة القاعدة في عين العرب، غير بعيد عن الحدود السورية التركية، رسالة مباشرة للجانب التركي الذي يلوّح بشنّ عملية عسكرية جديدة ضد “قسد” منذ عام 2020، بأن خرائط السيطرة غير قابلة للتعديل في الوقت الراهن. ولم تتغير هذه الخرائط منذ العام 2020، سواء في شرقي الفرات أو غربه، على الرغم من الاشتباكات التي تجري والقصف المتبادل بين مختلف أطراف الصراع، وحرب المسيّرات التي تشنها أنقرة ضد “قسد”، والتي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي ويعتبرها الأتراك مصدر قلق على أمنهم القومي.
ويشكّل الأكراد أغلب سكان منطقة عين العرب التي واجهت تهديداً وجودياً في عام 2014، حين هاجمها تنظيم داعش، إلا أن التنظيم فشل في السيطرة عليها بسبب المقاومة التي أبدتها فصائل سورية معارضة، و”وحدات حماية الشعب” الكردية بدعم ناري كثيف من طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
رسائل موسكو
وللمدينة أهمية قصوى بالنسبة إلى “قسد”، لكونها الثقل السكاني الأبرز للأكراد السوريين، وخسارتها تُفقد هذه القوات الكثير من رصيدها في الشارع الكردي، الذي سبق أن خسر منطقة لا تقل أهمية في عام 2018، وهي عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي في غرب نهر الفرات. ومن الواضح أن هذه القوات تأمل أن تقطع القاعدة الروسية الطريق أمام الجانب التركي وتضع حدّاً لخططه الهادفة إلى السيطرة على هذه المنطقة الأهم للأكراد السوريين بعد منطقة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي من البلاد.
ويضع المحلّل العسكري المقدم يوسف حمود، في حديث مع “العربي الجديد”، الخطوة الروسية في سياق محاولات السيطرة على كامل الطريق الدولي “إم 4” والذي يمر في منطقة عين العرب، مضيفاً: “هذه المنطقة من المواقع الاستراتيجية التي تهم الجانب التركي في شرقي نهر الفرات”. ورأى أن إنشاء الروس قاعدة في عين العرب يعكس عدم جدوى الدوريات المشتركة في المنطقة. وأضاف: “هذه الخطوة ربما تشير إلى تعثر المفاوضات بين موسكو وأنقرة حول منطقة إدلب شمال غربي سورية”. وأعرب عن اعتقاده بأن القاعدة الروسية “يمكن أن تعيق أي خطوة تركية باتجاه السيطرة على منطقة عين العرب”، مشيراً إلى أن التفاوض بين الجانبين الأميركي والتركي قبل عام 2019 كان على توغل للجيش التركي بعمق 35 كيلومتراً داخل الأراضي السورية”، لافتاً إلى أنه “عندما دخل الجانب الروسي المنطقة بات الحديث يقتصر على عمق عشرة كيلومترات فقط”.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد هدّد في عام 2022 بالسيطرة على منطقة عين العرب رغم الاعتراضين الأميركي والروسي، إلا أن الجيش التركي لم يتحرك باتجاه المنطقة على الرغم من أن أردوغان بيّن أن بلاده اتخذت كل الإجراءات اللازمة. ولطالما كانت منطقة عين العرب، هي الهدف الأكثر أهمية للجانب التركي، من أجل ربط مناطق نفوذه في شمال سورية بشرق الفرات وغربه جغرافياً.
وتعليقاً على الخطوة الروسية، رأى المحلل السياسي التركي هشام غوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الجانب الروسي “يرعى المفاوضات من أجل إحداث تقارب بين تركيا ونظام الأسد”، مضيفاً: “أدركت أنقرة أن زوال هذا النظام يعني تقسيم البلاد ونشوء إقليم كردي في شمال شرقي سورية ترى أنه تهديد مباشر لأمنها القومي ويهدّد وحدة تركيا جغرافياً”. وتابع: “أنقرة تريد سورية موحدة حتى لو كانت تحت سيطرة نظام فاسد وديكتاتوري بدل انقسامها إلى كيانات عدة”. وأعرب عن اعتقاده بأن إنشاء قاعدة روسية في شرقي الفرات “رسالة طمأنة للجانب التركي مفادها بأن روسيا تسيطر على الأوضاع في المنطقة، وأنها ستكون إلى جانبه في مكافحة التنظيمات التي يعتبرها إرهابية”.
المصدر: العربي الجديد
قوى الإحتلال للجغرافية السوريةتسرح وتمرح وترسل رسائل وتبني قواعد عسكرية وجوية، ما علاقة بناء قاعدة روسية في عين العرب بتقارب أنقرة مع نظام طاغية الشام، هل هي رسالة لأنقرة حول العملية العسكرية ضد\ قسد/مسد، أم بأن دورها مع الإدارة الذاتية”مسد” لا تختلف عن أمريكا، أم رسالة لأمريكا بأن لها أيضاً دور بالملف السوري؟.