مشروع رؤية سياسية للثورة السورية -١١-

أحمد العربي

 الغرب وامريكا و(اسرائيل).. والثورة السورية

اولا ً. لم يكن الغرب وامريكا و(اسرائيل). سعداء عندما حدث الربيع العربي. فها هي الأوراق تختلط في المنطقة العربية كلها. ومجموع مصالح الغرب توضع في امتحان. كذلك استقرار الأنظمة وارتباطاتها المحلية والإقليمية والدولية تحت المراجعة. أنظمة تتهاوى ومصالح تهدد. وحراك دولي يحاول فهم ما يحصل قبل ان يتخذ موقفا. شعب يخرج كله من عبوديته واستسلامه يطالب بالحرية والعدالة والكرامة. وأنظمة عاجزة عن مواجهته بأي طريقه. لا مجال للعنف، الشرطة والجيش غير مهيأ لذلك في تونس ومصر… انتشرت التحركات الشعبية في المنطقة كالنار في الهشيم. من تونس لمصر لليبيا لليمن وبعدها سوريا. وبأقل من شهر سقط نظام تونس والنظام المصري . أما النظام الليبي فقد انتقل للعنف العاري… وقرر الغرب مواجهته…

ثانيا ً. عندما بدأ الربيع السوري كان الغرب قد استوعب الصدمة الأولى للربيع العربي. وحدد موقفه بأن هذا الربيع وما يعني من بناء دول ديمقراطية ستلغي تبعية هذه الدول للغرب بالضرورة وتحاصر مصالحه وتتعامل معه بندية. وسيكون لهم موقف مختلف من (اسرائيل). كدولة مهيمنة معتدية ومحتلة اراضي عربية. ومغتصبه للحق الفلسطيني. حتى بحده الأدنى. وهو بناء دولة فلسطينية على جزء من فلسطين.

 ان اعادة امور العرب لشعوبهم يعني الغاء التبعية للغرب. وأن لا ينهب الاقتصاد الوطني للدول لصالح عصب حاكمة ضيقة. ووفق مصلحة الغرب وربيبته ( اسرائيل)… كل ذلك كان حاضر عند التفكير بالربيع العربي وتداعياته… وبدأ الغرب هجومه المضاد اعلاميا وماديا وعبر دعم البنية العسكرية للحكم السابق في مصر عبر شق الثورة المصرية ببدعة علمانية وإسلامية حيث سيطر العسكر على حكم مصر مجددا. وعادت الامور اسوأ مما كان. واعتبر الإسلاميين وهم قسم من الشعب المصري إرهابيين. وبدأت السلطة الانقلابية التأسيس لحرب أهلية على النموذج الجزائري. والمحاولات مستمرة في ليبيا وتونس بطرق مختلفة..

ثالثا ً. وعندما وصل الربيع لسوريا أخذ الغرب و(اسرائيل) فرصتهم ووقتهم لتقييم الحالة واتخاذ الموقف… وقرروا التصرف بشكل يمنع امتداد الربيع العربي لدول استراتيجية بالنسبة للغرب. فليس من مصلحة (اسرائيل). أن تجد نفسها محاطة بدول ديمقراطية، سوريا دخلت في الربيع العربي وهاهي الاردن فيها بوادر وكذلك العراق  لذلك تركت الحالة السورية إلى تداعياتها الذاتية. والغرب يعلم أن الشعب السوري خرج ولن يعود لكن النظام مدجج بالسلاح وهو عصبة عائلية ممتدة في الطائفة العلوية. قرر النظام أن لا يتنازل عن الحكم ولو دمر البلد وافنى الشعب السوري، طبعا عنده الكثير من السلاح  ليحارب (اسرائيل). وجيش وأمن أكثر من مليون عنصر. غير المرتزقة الإيرانيين وحزب الله. هذا يعني ان النظام لن يسقط دون مساعدة جدية للشعب وخاصة بالسلاح…

رابعا ً. قرر الغرب أن يساعد الشعب بحيث يستمر بالصراع ليسقط النظام. ولكن لا يصل الى اسقاطه، واعطي للنظام حق استعمال العنف الوحشي عبر تحالفه الدولي والاقليمي. بحيث يدافع عن نظامه ولا يسقط… وترك الصراع يمتص الإمكانات السورية ويهدر الدم السوري من الطرفين. وضعت الحالة السورية وفق قاعدة لا غالب ولا مغلوب. وحالة تحريك الأزمة وليس حلها. وتجسد ذلك بالصمت عن  الدعم الروسي للنظام  اعلاميا وبالسلاح وفي مجلس الأمن اكتفى الغرب ووراءه (اسرائيل) الصامته بالتنديد اللفظي فقط. واعتمد على المظاهر الاعلامية والمؤتمرات وكلها كانت لمجرد تمرير للوقت واستمرار الصراع على الأرض وليس حسمه…

خامسا ً. تعلل الغرب بعدم مد يد العون للشعب السوري. بأنه غير مستعد أن يتدخل بالقوة. دون قرار دولي من مجلس الأمن. وهو لن يحصل بسبب فيتو روسي صيني. و تعلل بعدم تقديم السلاح النوعي للثورة  خوفا من وصولها للقاعدة والارهابيين وتستهدف المصالح الغربية. وهذا يعني لا مضاد للطيران والدروع يساعد في حسم المعركة على الأرض. سكت الغرب عن استدعاء النظام حزب الله والإيرانيين والكثير من المرتزقة الطائفيين. ومعنى ذلك مزيد من الزج حزب الله والايرانيين وإلغاء شرعيتهم الشعبية وادعائهم أنهم ضد (اسرائيل). وها هم يقتلون الشعب السوري. و يؤسسون لفتنة طائفية في لبنان وسوريا أيضا…

سادسا ً. تعلل الغرب بأن الثورة السورية لا قيادة لها. وأنها لم تحدد صورة سوريا المستقبل. ولم تحدد موقفها من الغرب نفسه ومن (اسرائيل). وعزفت على وتر مكونات الشعب السوري وحكاية (الأقليات الإثنية والدينية والطائفية والمرأة أيضا.). والحديث عن حقوق وضمانات. وعندما بدأت الثورة تحاول تصدير واجهة سياسية لها. اعتمدت على طريقة الاستقطاب وخلق الولاءات. وكأن الثورة. قامت لصالح تلك الدولة او هذه. وعندما تشكل المجلس الوطني فشل لانه لم يعطي اي امكانية لان يخدم شعبه سياسيا وعسكريا وحتى اغاثيا. وكذلك حصل مع الائتلاف قبل التوسيع وبعدة وللان. وعود كبيرة ولقاءات لعدد كبير من الدول. والنتيجة بيانات ووعود كاذبة…

سابعا ً. عمل الغرب وامريكا و(اسرائيل). على أن تتفاعل القضية السورية داخليا ويستمر الصراع ولا يحسم. أعاد النظام السوري انتاج القاعدة عبر الافراج عن قياداتها من سجونه. كما جاء الكثير من افغانستان والعراق، كما تُرك الجسم العسكري للثورة مشتت وغير متحد. وذلك بسبب عدم توحيد الدعم ومحدوديته. وفي هذا الجو تنامت القاعدة وبعض المجموعات المسلحة الغير وطنية والغير منضبطة. وعملت كمرتزقة. وحصل صراع بين المسلحين وخاصة مع القاعدة و طالما لم يتوحد الدعم ولم يوضح أفق نتحرك له. وإظهار جدية الدعم واستمراره. كل ذلك محكوم بإرادة الغرب وخطوطه الحمر بما يسمح ولا يسمح اعطاؤه للثوار…

ثامنا ً. صرحت (اسرائيل) بالمعلن أنها لا علاقة لها بما يحصل في سوريا. وانه شأن داخلي سوري ولكنها وضعت خطا احمر على امتلاك الثوار لمضاد الطيران والدروع . لكي لا يصل لقوى معادية لها وتضربها بها. والتزم الداعمين بذلك. وأعطت لنفسها الحق بضرب السلاح السوري النوعي . تحت دعوى انه اعطى او سيعطى لحزب الله. وهو معادي (لاسرائيل).؟!!. وهكذا أصبحت سورية مستباحة من الاسرائيليين. في اي وقت تحت دعوى حماية نفسها من الارهابيين وما يمكن أن يصلهم ويؤثر عليها…

تاسعا ً. وعندما ضرب النظام الشعب بالكيماوي واستنفر الغرب .لأجل ذلك. تبين ان الموضوع هو وجود سلاح فتاك قد يضرب به الغرب وحلفاؤه بالمنطقة والمقصود (اسرائيل). ولم يكن مقصود الشعب السوري وشهداؤه ودمه المستباح. ولذلك تم التعامل غربيا و(اسرائيليا) وعبر حلفاء النظام. للبحث في حل مشكلة السلاح الكيماوي وتسليمه والتفتيش عليه وتدميره. وكأنه هو أصل المشكلة السورية. ان الغرب هنا ظهر بموقف لا أخلاقي ولا قانوني وضد إنساني. وغير مهتم بالشعب السوري وقتله بمئات الآلاف وتشرد الملايين. وتدمير البلاد فوق رؤوس اصحابها وكأن شيئا لم يكن ولا يحدث في سوريا ما يستحق المعالجة الجدية…
هذا هو الغرب ودوره الحقيقي…

عاشرا ً. الغرب ومعه روسيا يتحدث اليوم عن حل سياسي لسوريا. بجمع النظام والثورة لحل وسط في جنيف 2 وعبر أمر واقع بعد انهاك الكل ودخول سوريا في دوامة الحرب الأهلية الكل ضد الكل. وان سوريا تحتاج للعالم كي تعيد انهاض نفسها. وهذا سيتم وفق أجندة الغرب. التي تتحرك وفق آلية إعادة إنتاج النظام. وعبر خلق أرضية محاصصات اثنية ودينية ومذهبية. وخلق سوريا معوقه وغير ديمقراطية. على الطريقة اللبنانية والعراقية. تؤبد المشكلة ولا تحلها. متجاوزين عن كل التضحيات والمآسي التي حصلت في السنين والماضية وكأن شيئا لم يحصل…

.اخيرا ً هذا الغرب وهذه امريكا وهذه (اسرائيل). واجندتهم وأفعالهم على الأرض. ونحن في الثورة السورية ندرك ذلك والشعب السوري .قام بالثورة لأجل الحرية والكرامة والعدالة والتقدم والدولة الديمقراطية. ولن يحيد عن ذلك مهما طال الزمن وزاد الثمن…

26.9.2013…

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بالحلقة الحادية عشر من الرؤية السياسية للثورة السورية يتم تحديد موقف الغرب وامريكا و(إسرائيل) من الربيع العربي والثورة السورية بقراءة تحليلية جديرة بالاحترام لأن الجميع كانت مواقفهم بما يتناسب مع أجنداتهم فقط .

زر الذهاب إلى الأعلى