قد لا يكون جديداً أن تجرى الانتخابات البرلمانية بالتزامن مع الانتخابات الخاصة بمجلس خبراء القيادة. لم يبق كثير على موعد إجراء انتخابات البرلمان الإيراني المقررة مطلع مارس (آذار) المقبل 2024، فالأيام الـ 150 الفاصلة لهذا الموعد تشهد تصاعداً في وتيرة الاستقطاب الذي لم يعد محصوراً في صورته المبسطة بين الجناحين المحافظ والإصلاحي بكل أطيافهما، بل انتقل إلى داخل كل تيار بشكل أكثر وضوحاً هذه المرة.
وقد لا يكون جديداً أن تجرى الانتخابات البرلمانية بالتزامن مع الانتخابات الخاصة بمجلس خبراء القيادة، فعلى رغم أن مدة ولاية مجلس الخبراء تستمر ثمانية أعوام، إلا أن كل دورة برلمانية تترافق مع انتخابات فرعية نتيجة نقض في انتخابات الدورة السابقة أو وفاة أعضاء من الخبراء، لكن الانتخابات الحالية ستكون لانتخاب كامل الأعضاء، من هنا تأتي أهمية هذه الدورة ومعركتها التي ستكون مختبراً حقيقياً لموقف النظام والتوجهات المحورية والأساسية لما ستكون عليه تركيبة النظام وعمل المؤسسات الرقابية التي تشكل الذراع الضاربة له في هندسة هذه الانتخابات ونتائجها.
في انتخابات الدورة الأخيرة التي جرت قبل ثمانية أعوام وعلى رغم المهمة التي قام بها رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي باستبعاد كل مصادر الخطر التي قد يشكلها بعض رجال الدين المرشحين لعضوية هذا المجلس، إلا أنه لم يستطِع أن يخرج رئيس الجمهورية آنذاك حسن روحاني من السباق، وحتى أن يحول دون إمكان تشكيل روحاني للائحته عن العاصمة طهران والتي دخلت السباق التنافسي مع اللائحة المنافسة الممثلة للتيار المحافظ المتشدد بزعامة رئيس مجلس صيانة الدستور نفسه جنتي.
روحاني الذي قاد معركته تحت شعار الاعتدال، استطاع إحراج النظام ومنظومة السلطة عندما فرض عليه القبول بالاعتراف بالانتصار الذي حققه في هذه الانتخابات، وفرض عليه الدخول في تسوية علنية كانت أقرب إلى الصفقة، جرى بموجبها التلاعب بالنتائج من أجل إعادة جنتي إلى هذا السباق وإعلان فوزه كمرشح وحيد من اللائحة التي تمثل النظام بعدما فشل في الحصول وأعضاء لائحته على النصاب المطلوب للفوز مقابل اللائحة التي قادها روحاني.
وإذا ما كان النظام ومنظومة السلطة استطاعا فرض جنتي رئيساً لمجلس خبراء القيادة إلى جانب موقع في رئاسة مجلس صيانة الدستور، فإن المعركة الحالية لانتخابات مجلس الخبراء هذه المرة ستكون أكثر حماوة وأشد استقطاباً، بخاصة أنها خرجت من كونها بين تيار معتدل وآخر محافظ لتأخذ طابعاً وجودياً، في الأقل بالنسبة إلى حسن روحاني، وتضع النظام ودولته العميقة أمام تحدي فرض أجندته ورؤيته وإرادته على هذه الانتخابات.
ولعل المهمة المنتظرة التي باتت أقرب من غيرها والأكثر إلحاحاً لمجلس الخبراء الجديد، تكمن في عملية اختيار قائد أو مرشد وولي فقيه جديد لقيادة النظام ومؤسساته، مما يفرض على هذه المنظومة العمل على قطع الطريق على كل مصادر الخطر التي تهدد هذه الرؤية أو التركيبة التي يجب أن يكون عليها هذا المجلس وأن تضمن وصول الأشخاص الذين يلتزمون توجهاتها والمحددات التي تضعها لانتخاب خليفة المرشد أو القائد الجديد بعيداً من المفاجآت غير المطلوبة.
ويبدو أن المنظومة أو الدولة العميقة التي لم تتردد في السابق بإخراج هاشمي رفسنجاني على رغم تاريخه ودوره وموقعه كأحد أعمدة النظام والثورة من الحياة السياسية لاعتبارات تخص فقط المخطط الذي وضعته لمسار إحكام قبضتها على السلطة من دون وجود منغصات أو مصادر قلق، لن تتردد هذه المرة أيضاً في التصدي لما يمكن أن يشكل تهديداً لو بسيطاً لهذا المسار، وستلجأ إلى استخدام “سيف أو مقصلة” مجلس صيانة الدستور بحزم أكثر، في الأقل خلال التعامل مع مرشحي مجلس خبراء القيادة، تحديداً مع حسن روحاني الذي يشكل مصدر قلق حقيقي لهذه المنظومة، بخاصة بعد المسار الاعتدالي الذي دخل فيه منذ توليه رئاسة الجمهورية عام 2013، مما يفرض على المنظومة التعامل من دون قفازات من أجل ضمان عدم حدوث مفاجآت تعرقل مخططاتها التي من المفترض أن تبدأ بالتبلور والتمظهر في المرحلة المقبلة بشكل أكثر وضوحاً مع ضيق المساحة أمامها لحسم موقفها لتحديد خيارها في خلافة المرشد ومن هو القادر على تولي هذا الموقع ويكون منسجماً مع إرادتها وتوجهاتها.
ولا شك في أن معركة الترشيحات والانتخابات في العاصمة طهران ستكون أكثر ضراوة ومؤشراً واضحاً على حجم التنافس والاستقطاب، إذا استطاع روحاني النجاة من مقصلة لجنة دراسة أهلية المرشحين في مجلس صيانة الدستور لأنه في حال عبوره، سيكون في مواجهة مرشح النظام ورئيس السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي الذي يرى مؤيدوه أنه أحد المرشحين البارزين ليكون منافساً على منصب القائد الثالث للنظام وخليفة المرشد الحالي.
فرئيسي الذي دخل في 2007 إلى عضوية مجلس خبراء القيادة عن محافظة خراسان رضوي، سيكون هذه المرة مرشحاً عن العاصمة طهران وفي مواجهة روحاني الذي يمثلها في هذا المجلس منذ 1999، واستطاعت لائحته اكتساح جميع مقاعد العاصمة في الانتخابات الأخيرة قبل ثمانية أعوام، وهو إن استطاع تحقيق خرق في هذه الانتخابات والمشروط دوماً بالنجاة من مقصلة مجلس صيانة الدستور والتقارير الأمنية والمصلحة القومية، سيكون حجز مكاناً له في السباق إلى منصب القيادة كمنافس حقيقي لإبراهيم رئيسي الساعي إلى الحصول على شرعية شعبية مركزية من خلال الفوز بتمثيل العاصمة ومركز القرار.
وإذا ما كان رئيسي والقوى الداعمة له ترتكز على كتلة شعبية معروفة ومؤدلجة وتراهن، في الوقت نفسه، على تراجع نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات والاقتراع، مما يضمن لها الفوز أو إيصال مرشحيها إلى مواقع القرار المرتبطة بصندوق الاقتراع (السلطتان التنفيذية والتشريعية ومجلس الخبراء والمحافظات)، فإن رهان روحاني سيكون رهناً بمدى قدرته وقدرة القوى المؤيدة والداعمة له على تحشيد الشارع وإقناعه بجدوى المشاركة وقدرته على إحداث تغيير حقيقي يختلف عما سبق من تجارب.
المصدر: اندبندنت عربية