من الخطأ الاعتقاد أن التحالف بين التيار العوني وحزب الله قابل للفكاك. في محطات كثيرة بدر التوتر بين الحليفين الاستراتيجيين، فراهن كثيرون على انفراطه. تفاءل البعض بصورة ميشال عون في معراب، وتبني سمير جعجع ترشيحه لرئاسة الجمهورية. آخرون تفاءلوا بصورته في بيت الوسط وترشيح سعد الحريري له، لإبعاده من حزب الله. تلك الصور كانت قاتلة، لأن الأصح في المشهد، هو أن جعجع والحريري كانا يقتربان من حزب الله ولا يبعدان عون عنه.
حلف جوهري
ما بين التيار العوني وحزب الله، مشروع أبعد من التفاصيل الداخلية واليوميات السياسية. يذهب جبران باسيل بعيداً في اليوميات اللبنانوية لمواجهة خصومه ومنافسيه. وهو يعرف كيف “يبتز” حزب الله لتحقيق ما يريد. وفي كل مرّة كان الحزب يتنازل أو يتراجع كرمى لعيون باسيل: في تشكيل الحكومات ومشاريعها ومقرراتها، وعلى مفترقات سياسية أساسية. حتى الابتزاز يبدو سخيفاً وتافهاً، كحال وقوف وزراء حزب الله ضد إنشاء معمل في سلعاتا، فيلجأ باسيل إلى شنّ حملة عبر نوابه على الحزب، ليس بهدف مشروع سلعاتا فقط، بل على خلفيات هذا المشروع، والتي يعتبر باسيل أن من حقه تحقيقها كما كان حزب الله قد حققها من قبله، ولا تقتصر على بقعة لبنانية، بل تمتد من طهران إلى بيروت، ومروراً في سوريا والدخول إليها بغطاء مسيحي لم يتأخر نصر الله في الإعلان عنه ذات مرة، عندما أشار إلى أن دخول حزبه إلى سوريا منع التكفيريين من الدخول إلى كسروان.
دويلة باسيل
“دويلة” حزب الله القائمة بذاتها من الجنوب إلى البقاع وصولاً إلى سوريا، والتي أصبحت منطقة جغرافية متصلة، يفكر باسيل بحقه في مثلها على الساحة المسيحية. فهو يريد أن يكون نسخة عن حزب الله مسيحي، بمقدرات ومقومات للبقاء والصمود، ليس بالضرورة بصيغة الحزب ذاتها وآلية عمله في دفع الرواتب وتقديم الخدمات. باسيل يريد الارتكاز على الدولة التي اجتاحها في السنوات الأخيرة، وأصبح متحكماً بمفاصلها بشكل شبه كامل، إلى جانب ارتكازه على شركات كبرى ورجال أعمال يتحالف معهم، وقادرين على تحريك العجلة الاقتصادية داخل المناطق المسيحية التي يريد للبترون أن تكون مركزاً لها، من خلال نقل أغلب المشاريع الأساسية من المناطق الأخرى إليها، لتصير منطقة اقتصادية خالصة: معمل للكهرباء، ومشاريع كثيرة نقلت من طرابلس وعكار إلى البترون.
استياء بري
وهذا ما دفع رئيس مجلس النواب نبيه برّي، إلى انتقاد بعض أصوات النشاز التي تدعو إلى الفيدرالية، وتحرير قطاع الكهرباء من العقلية المناطقية والمذهبية والطائفية والفدرالية. لم يقصد برّي غير باسيل ومشاريعه، وعندما تحدّث عن أصوات النشاز حول الفيدرالية، فلأن كلاماً كثيراً يتبادر إلى المسامع حول تعزيز منطق اللامركزية المالية والإدارية الموسعة، وهي تعني الفيدرالية.
ما أراد برّي الإضاءة عليه، هو استمرار استخدام التيار العوني طائفيته ومذهبيته وعقليته الفيدرالية، لتحصيل مكاسب سياسية. ولذلك أرفق رئيس المجلس موقفه هذا مع دعوة إلى وقف المغامرات السياسية والتوقف عن إلقاء التهم بشكل عشوائي، متوجهاً إلى التيار العوني، الذي يلجأ إلى هذا الأسلوب دوماً لتحقيق غايات ومآرب سياسية، ببراغماتيته المعهودة وعمله الابتزازي الدائم، والذي جاء في الأيام الأخيرة على لسان نواب التيار الوطني الحرّ، حول عدم تحصين حزب الله لنفسه في الداخل. ما يعني أنه سيبقى بحاجة إلى الغطاء المسيحي، وصولاً إلى انتقاد موقفه من مكافحة الفساد، وهي تتمة لجملة جبران باسيل عندما قال: “حلفاؤنا يتركوننا وحيدين”. عملية الابتزاز واضحة هنا لحزب الله، بوجوب تسيير معمل سلعاتا أولاً، والكف عن دعم حلفائه كنبيه بري وسليمان فرنجية والتفرغ لدعم باسيل وحده.
أبعد من سلعاتا
هذه المناوشة عرضية. سيتم إيجاد حلّ لها. وقد بدأ العمل عليه في لقاء جبران باسيل بوفيق صفا. طبعاً لا مجال للمقارنة بين قوة حزب الله وقوة باسيل والعهد. الغلبة دائماً تصب في صالح الحزب. ولكن الأساس هو في كيفية إدارة التيار العوني علاقته بالحزب، والتي تتجاوز أي أصول سياسية أو تحالفية. فهي طبعاً تحرج الحزب أمام جمهوره. وكأن باسيل يقول لمن يواجهه أو ينتقده، إذا ما انتقدتموني على تحصين نفسي في المنطقة المسيحية، فأنا أقرأ في كتاب تحصينكم لأنفسكم شعبياً وجغرافياً وديمغرافياً من لبنان إلى سوريا والعراق.
المسألة أبعد بكثير من سلعاتا، أو من حصول باسيل على وعد ثابت من حزب الله بدعمه لرئاسة الجمهورية. يعرف الطرفان أن تحولات كثيرة تنتظر المنطقة، والضغوط الأميركية ستتزايد، وتجنّبها باسيل شخصياً أكثر من مرّة، وسيبقى يتجنبها لأنه ليس بعيداً عن مشروع تتوضح ملامحه أكثر فأكثر. هو يريد تحسين شروطه أكثر مع الحزب، والانتقاد والحديث عن مواجهة أميركا والعالم، له غاية أخرى تتعلق بالتنازل في بعض الملفات، وبدء التفاوض على ترسيم الحدود البحرية، لتخفيف الضغوط واستكمال المشروع.
المصدر: المدن