السياسات الإيرانية في سورية ممنهجة، ومنبثقة من بعدٍ أيديولوجي، وأطماع توسعية، طالما اشتغلت عليها حكومة دولة الملالي الإيرانية، منذ بدايات هيمنة حكومات ولاية الفقيه على السلطة في طهران، أي إبان انتصار مايسمى بثورة الشعوب في جغرافية إيران السياسية. وهي منذ تلك المرحلة، أي منذ عام ١٩٧٩ تستغرق في عملية إنجاز البعد التوسعي المتكيء على المشروع الفارسي بَعيد الأهداف، الذي يريد السيطرة على الإقليم المحيط ببلاد فارس، وصولًا إلى احتمالات تنفيذ المشروع الكبير بالهيمنة على جل المنطقة، وإعادة رسم ملامح الامبراطورية الفارسية باستطالاتها الخبيثة والإرهابية لإنتاج أدوات التمكن لتلك الدولة الفارسية ذات البعد الطائفي، الذي تعتبره جسرًا أساسيًا للسيطرة والتحكم، على شعوب المنطقة المحيطة بإيران. فكانت البداية عبر إهالة التراب كلية على دولة العراق العربي، وتفتيت بنيته وكيانه، ومن ثم الإجهاز على كل أحلام الشعب العراقي، الذي كان ومايزال يعتقد أن الخطر الأكبر أتاه سابقًا، ويأتيه مستقبلًا من الشرق الذي تتحكم فيه دولة الملالي الخمينية، من خلال أدواتها الإرهابية، للسيطرة وإعادة بناء وإحياء امبراطورية (كسرى أنو شروان). ثم المتابعة للوصول إلى الجغرافيا السورية الأكثر أهمية لدولة الملالي، والتموضع الفارسي ضمن الجغرافيا السورية، انتهاكًا متتاليًا لكل القيم والمعايير والقوانين الدولية، وعلى حساب أرواح السوريين، وكذلك على أنقاض الاقتصاد السوري المتدهور، والذي سلمه نظام الإجرام الأسدي طوعًا لأدوات وميليشيات دولة الملالي، ومايسمى بالحرس الثوري الإيراني، المُغرق في عدوانيته وجبروته وعسفه وقمعه، لجل المحافظات السورية، وإحداث التغيير الديمغرافي، الذي يخالف كل الاتفاقات الدولية، ويتنافى مع كل الشرائع والاتفاقات الموقعة دوليًا والمصدق عليها أصولًا. لكن ولأن مايسمى بالمجتمع الدولي يكتفي بالفرجة على جريمة العصر التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني في سورية، وخاصة في محافظة حلب، الأكثر ضرورة بالنسبة للمشروع الإيراني، فقد استمرأ النظام السوري خنوعًا واستسلامًا ومطواعية لما يفعله الإيراني في الواقع السوري، وترك هذا الإيراني يعبث بالمدينة العريقة (حلب) وريفها أيضًا، ويشتغل حثيثًا على تغيير البنية الديمغرافية الأصيلة والعريقة، وإحلال عشرات الآلاف من الإيرانيين والباكستانيين والأفغان والعراقيين واللبنانيين، الذين يتبعون الميليشيات الطائفية التي تُدعم من الحرس الثوري الإيراني لتكون (حلب) الصافية العريقة بتاريخها وحاضرها مجرد بقعة جغرافية تتحكم بها أدوات إيران وميليشياتها عبر تغيير سكاني خطير وواضح المعالم، فيتم إسكان هؤلاء في الكثير من مناطق محافظة حلب، حيث سبق وهُجِّر أهلها قسريًا لإحلال (بدلًا منهم) من جنسيات كثيرة تتبع طائفيًا وسكانيًا وميليشياويًا للحرس الثوري الإيراني. وهو عمل من أخطر الأعمال الذي تنتهك إيران به وعبره كل الواقع السكاني السوري وتحاول بذلك تغيير ملامح حلب المدينة المأهولة والأقدم عالميًا، وهو طموح إيراني عملت عليه أدوات دولة الملالي، وهيأت لها ذلك شبيحة النظام السوري المجرم، بدعوى أن هؤلاء جاؤوا لحماية سورية من (المؤامرة الكونية) التي تطال سورية ونظامها السياسي الطائفي، وبالتالي فإن من حقهم أن يقوموا بعمليات الإحلال مكان السكان الأصليين ليعاد بناء سورية على أسس لاوطنية، بل تابعة لدولة الملالي الإيرانية، واستكمال بناء المشروع الإيراني في المنطقة على أنقاض سورية ودولتها الوطنية .
لقد عمل الطغيان الإيراني بشكل مبرمج وممنهج على إعادة إنتاج حالة اجتماعية سكانية هلامية تتبع إيران، وتنتمي إلى المشروع الفارسي الخطر، وصولًا إلى عملية إهالة التراب (فيما لو استطاعوا) على ماتبقى من سورية الوطن.
تعمل إيران عبر خطة تقوم بها لإجراء تغييرات ديموغرافية في مناطق سورية، تمكّنها من السيطرة والاستخدام لمصالح أوسع، موضحة أنها تصعد جهودها في الصراع، ثم تبحث عن مصالح متمايزة عن حليفة نظام بشار الأسد الأخرى، روسيا.
تقول صحيفة «الغارديان» البريطانية إن روسيا ” تبحث عن وقف إطلاق نار ومصالحة سياسية بين نظام الأسد والمعارضة، بينما تسعى إيران لبدء مشروع سيغيّر البنية الاجتماعية في سورية، ويعزز مواقع «حزب الله» شمال شرق لبنان، ويقوي تأثير إيران من طهران إلى حدود (إسرائيل) الشمالية.” ولقد أكد أحد الزعماء اللبنانيين بقوله: «إيران والنظام لا يريدان أي سُنة بين دمشق وحمص والحدود اللبنانية»، موضحًا أن هذا “يمثل تغييرات كبيرة تاريخية في السكان بهذه المناطق”.
من جهته كان قد أفاد فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن “المجازر التي ارتكبتها المجموعات الإرهابية التابعة لإيران انتهاكات تحمل صبغة طائفية، ومع ذلك لم يقم المجتمع الدولي بوضع هذه المجموعات ضمن قوائم الإرهاب”.
وأوضح عبد الغني أن “معظم المجازر والانتهاكات التي ارتكبتها قوات النظام السوري تمت بمشاركة المجموعات الإرهابية التابعة لإيران، وهي تتحمل المسؤولية الجنائية مثلها مثل النظام”.
وأشار عبد الغني أن “الانتهاكات التي ارتكبتها المجموعات الإيرانية الإرهابية في سورية متعددة، فهي ارتكبت مجازر بحق المدنيين وساهمت في عملية الاعتقال وساعدت جيش النظام في العمليات العسكرية والقصف في مدن حلب وغيرها”.
ولفت إلى أن إيران “اعتمدت في جلب المجموعات الإرهابية بأعداد كبيرة على التجييش الطائفي والزعم بوجود مزارات طائفية (للشيعة) في حلب يحتلها السوريون”، مبينًا أنها “احتلت مستندة على هذا الخطاب مناطق في سورية وشردت سكانها”.
وفي تقارير سابقة وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان “العديد من المجازر التي ارتكبتها المجموعات الإرهابية التابعة لإيران وأبرزها مجزرة مدينة النبك بريف دمشق راح ضحيتها 361 مدني بينهم 98 طفل، ومجزرة قرية الماليكة في حلب عام 2013 راح ضحيتها 69 مدنياً بينهم 5 أطفال”.
كما وثقت الشبكة “مجزرة بلدة الذيابية بريف دمشق وراح ضحيتها 13 عائلة بين قتيل ومفقود، ومجزرة قرية خناصر في ريف حلب عام 2014 وراح ضحيتها 26 شاباً”.
من جانبه قال وائل علوان، الباحث في مركز جسور للدراسات إن “المجموعات الإرهابية التابعة لإيران شاركت منذ بداية الحراك الثوري في سورية بحلب بشكل كامل في قمع المظاهرات وإطلاق النار على المتظاهرين، كما شاركت في المجازر والانتهاكات والقصف واقتحام الأحياء والاعتقالات العشوائية والتصفية على الحواجز”.
وأضاف علوان: “كما شاركت مجموعات إيران في عمليات التحقيق وإدارة الأفرع الأمنية، وحصار المدن والمدنيين، وعمليات التهجير والتغيير الديمغرافي، وعمليات السطو على الممتلكات والبيوت”.
وأردف أن “تقديرات مركز جسور تشير أن عدد العناصر الذين جندتهم إيران للقتال في سورية بلغ 80 ألف مقاتل، من جنسيات إيرانية وعراقية وأفغانية ولبنانية، موزعين على 20 فصيل أبرزها لواء أبو الفضل العباس، ولواء فاطميون، وحزب الله، ولواء زينبيون، وحركة النجباء، وجيش المهدي”.
ومنذ عام 2011، تشهد سورية حربًا إيرانية بالإشتراك مع النظام السوري وروسيا ضد السوريين، بدأت إثر تعامل نظام بشار الأسد المجرم بقوة مع ثورة شعبية مناهضة له بدأت في 15 مارس/ آذار من العام ذاته، ما دفع ملايين الأشخاص للنزوح داخليًا، أو اللجوء إلى دول الجوار، كما تفعل إيران وميليشياتها وبشكل حثيث وممنهج في إطار عملية تغيير ديمغرافي في العديد من المناطق السورية، وخاصة في مدينة حلب وريفها، لأهميتها الاستراتيجية ضمن المشروع الإيراني وأطماعه التوسعية الاستيطانية.
المصدر: وكالة ثقة