تعيش مجمل المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، في سورية، حالة احتقان وتذمر، لأسباب تتعلق خصوصاً بالوضع المعيشي المتردي وغياب الخدمات الأساسية، وصلت حد دعوة البعض إلى تنفيذ إضراب شامل وإعلان العصيان المدني.
يتزامن ذلك مع مطالبات بإطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، أو الكشف عن مصيرهم على الأقل، خصوصاً بعد إصدار رئيس النظام بشار الأسد “مرسوم عفو” جديداً أول من أمس الأربعاء، رأت معظم الفاعليات المحلية والحقوقية أنه شكلي، وعلى غرار المراسيم السابقة، لن تكون له أي نتائج على أرض الواقع.
احتجاجات في السويداء ودرعا
وشهدت بعض مناطق الجنوب السوري الأربعاء، احتجاجات شعبية، وتحديداً في محافظتي درعا والسويداء، تطالب بإطلاق سراح المعتقلين، وتعبّر عن السخط من غياب دور “الدولة” في توفير الخدمات الأساسية، لا سيما الوقود والكهرباء، في ظل ارتفاع حاد في أسعار مجمل السلع، وهبوط مستمر في قيمة الليرة السورية (بلغ سعر الدولار في بعض المناطق بسورية خلال اليومين الماضيين بين 6590 و6800 ليرة).
وشارك العشرات من سكّان مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي، أول من أمس، في تظاهرة دعا إليها ناشطون، وتجمّعوا بالقرب من المركز الثقافي في المدينة ورفعوا لافتات ورددوا هتافات تدعو إلى إسقاط النظام وتطالب بالحرية للمعتقلين في سجونه، والكشف العاجل عن مصيرهم.
كما رفع المتظاهرون أعلام الثورة السورية، بينما اعتلى عناصر الأمن العسكري التابع للنظام سطح المركز الثقافي، وراقبوا المتظاهرين من دون تدخل. وحثّ المتظاهرون بقية مدن وبلدات محافظة درعا على الخروج في تظاهرات شعبية نصرةً للمعتقلين، وللمطالبة بإيقاف الاعتقالات التعسفية التي تمارسها أجهزة النظام والمليشيات المحلية المدعومة من إيران.
كما أغلق عدد من المحتجين في السويداء، الأربعاء، الطريق المحوري وسط مدينة السويداء، وأشعلوا الإطارات، مطالبين بطرد المليشيات الإيرانية من المحافظة، ومحاسبة تجار المخدرات و”عملاء إيران”، إضافة إلى محاكمة الفاسدين، خصوصاً في الأجهزة الأمنية التابعة للنظام.
وذكرت مصادر محلية في السويداء، لـ”العربي الجديد”، أن المحتجين دعوا إلى إطلاق سراح المعتقلين من سجون النظام، وإلى عصيان في كل المناطق السورية احتجاجاً على تردي الوضع المعيشي في البلاد.
وتشهد محافظة السويداء، منذ مدة، احتجاجات شبه يومية ووقفات صامتة، اعتراضاً على غياب “الدولة”. وطالب المحتجون الإثنين الماضي خلال تجمّعهم في ساحة الكرامة، بمدينة السويداء، بتنفيذ القرار الأممي 2254 الخاص بسورية، ومحاسبة المسؤولين عن الدمار الذي لحق بالبلاد، وخروج كل القوات الأجنبية التي جلبها النظام السوري لحمايته. كما حثّوا كل المحافظات السورية على القيام باحتجاجات مماثلة لـ” إنقاذ ما بقي من سورية”، بحسب تعبيرهم.
ولفت الناشط المدني في محافظة السويداء، منيف رشيد، لـ”العربي الجديد”، إلى أن “المجموعة الشابة التي خرجت الأربعاء الماضي في السويداء، ورفعت لافتات عن الوضع المعيشي والسياسي، هي مجموعة جديدة على الساحة، مشيراً إلى أن رقعة الاحتجاجات تتسع ولم يعد أحد قادراً على الصمت والصبر على الخطابات الرسمية لموظفي النظام عن “الصمود والعقوبات والحصار”.
وطالب المحتجون في بيان، النظام “بالحفاظ على مؤسسات الدولة، وتطهيرها من الفساد حتى لا تظل تنهب المواد المخصصة للمواطنين وتحرمهم من جميع مستلزمات الحياة اليومية وتحولها إلى جيوبهم الخاصة، أو يتم بيعها إلى المقربين منهم، وإلى تجار محسوبين على النظام”.
وقالوا إنهم ينوون القيام بخطوات تصعيدية وصولاً إلى العصيان المدني في السويداء، حتى تحقيق مطالبهم في “تحسين الوضع المعيشي وتأمين المحروقات والكهرباء والماء، وإلقاء القبض على الفاسدين مهما كانت سلطتهم، وطرد الأجهزة الأمنية الداعمة لتجار المخدرات، وصولاً إلى الانتقال السياسي في البلاد”.
وأكد الصحافي محمد جزار، لـ”العربي الجديد”، أن مجمل مناطق سيطرة النظام تعيش أوضاعاً مزرية، لدرجة بات معها الراتب الشهري لا يكفي لسداد نصف إيجار المنزل، والراتب كله بالكاد يكفي لشراء وجبتي طعام أو ثلاث. ولفت إلى أن نسبة كبيرة من الناس باتت تعتمد على التحويلات التي يرسلها إليهم أقاربهم في الخارج، أو ما تجود به بعض الجمعيات الخيرية والإنسانية، ومن لم يحالفه الحظ في هذا أو ذاك، يعيش حالة مزرية من الحاجة والعوز.
واعتبر جزار أنه ليس لدى النظام أي حلول سياسية أو اقتصادية لمواجهة هذا الوضع والاحتقان الشعبي المتزايد حتى بين الموالين له، متسائلاً “هل سيُواصل (النظام) التمسك بالحلول الأمنية وحدها، وهل يستطيع اعتقال الشعب كلّه في حال تصاعدت هذه الاحتجاجات؟”.
مراسيم عفو شكلية
يأتي ذلك بينما أصدر الأسد الأربعاء الماضي مرسوم عفو جديداً يتعلق بشكل خاص بالمتخلفين عن الخدمة العسكرية، إضافة إلى جرائم أخرى، لكنه يتضمن الكثير من الاستثناءات ولا يشمل المعتقلين السياسيين. وتضمّن المرسوم عفواً عمّا سماه “الفرار الداخلي” إذا سلّم الشخص نفسه خلال 3 أشهر، و4 أشهر بالنسبة لـ”الفرار الخارجي”.
وأوضح مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن المرسوم الأخير مشابه للمرسوم الذي أصدره الأسد مطلع العام الحالي والذي يشمل جرائم الفرار الداخلي والخارجي.
ورأى أن أخطر ما جاء في المرسوم هو استثناؤه لقانون الجريمة المعلوماتية، موضحاً أنه “منذ تطبيق هذا القانون، رصدنا عمليات اعتقال موسعة استهدفت مدنيين بينهم سيدات، قامت بمعظمها أفرع الأمن الجنائي المنتشرة في المحافظات السورية”.
وجاءت الاعتقالات وفق شرحه، “على خلفية انتقاد الأوضاع المعيشية المتدهورة أو الفساد الحكومي في مناطق سيطرة النظام على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بسبب نقلهم أخباراً لجهات إعلامية خارجية”.
ولفت عبد الغني إلى أن الشبكة السورية لحقوق الإنسان سجّلت اعتقال 124 شخصاً، بينهم 19 سيدة، على خلفية قانون الجريمة الإلكترونية، منذ دخوله حيز التطبيق في 18 مايو/أيار الماضي، وتراوحت العقوبات الواردة فيه من عقوبة السجن لمدة شهر واحد إلى 15 سنة، وغرامات مالية ما بين 200 ألف ليرة سورية إلى 15 مليون ليرة (حوالي 6 آلاف دولار) وكان أخطر ما في القانون المواد الخاصة بالجرائم الواقعة على “الدستور والنيل من هيبة الدولة والنيل من مكانة الدولة المالية” إذ يمكن من خلالها اعتقال وملاحقة فئات واسعة من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والإعلاميين والنشطاء.
وحول أعداد المفرج عنهم بموجب هذه المراسيم التي يواظب النظام على إصدارها، لفت عبد الغني إلى أن كثافة المراسيم الخاصة بالعقوبات والجرائم العسكرية، تشير إلى حاجة النظام للعنصر البشري في قواته، لذلك يصدر كل بضعة أشهر عفواً عن المتخلفين عن الخدمة العسكرية أو الفارين منها.
كما لفت عبد الغني إلى دراسة كانت قد أصدرتها الشبكة قبل حوالي شهرين، تضمنت تحليلاً لكل مراسيم العفو التي أصدرها النظام منذ عام 2011 (22 مرسوماً حتى الآن) والتي لم ينتج عنها سوى الإفراج عن 7351 معتقلاً، بينما لا يزال النظام يحتفظ بأكثر من 135 ألف معتقل في سجونه ومعتقلاته الأمنية.
ولاحظت الدراسة أن معظم مراسيم العفو تضمنت اشتراط تسليم المطلوب لنفسه للأجهزة الأمنية كشرط للاستفادة من العفو، خصوصاً بالنسبة للعسكريين. ودفع سوء الأوضاع المعيشية بسبب النزوح والتشريد، أو الملاحقة وعدم القدرة على العمل أو الحركة، مئات الأشخاص إلى تسليم أنفسهم على أمل أن يتم العفو عنهم.
لكن الكثير ممن سلّموا أنفسهم، تعرضوا للاعتقال من جانب الأجهزة الأمنية لأشهر أو سنوات وتعرض قسم كبير منهم للتعذيب، والاختفاء القسري، وتم تحويل غالبيتهم إلى المحاكم الاستثنائية. ووثّقت الشبكة اعتقال ما لا يقل عن 1867 شخصاً بينهم 1013 من العسكريين و854 مدنياً ممن سلموا أنفسهم على خلفية مراسيم العفو الصادرة منذ 2011، توفي العشرات منهم تحت التعذيب.
من جهته، ذكر مدير مكتب توثيق الانتهاكات في “تجمع أحرار حوران”، المحامي عاصم الزعبي، لـ”العربي الجديد”، أن النظام أصدر منذ 2018 مراسيم عفو عدة، سلّم بموجبها آلاف الشبان أنفسهم للشرطة العسكرية التابعة له، لكن جرى اعتقال ما لا يقل عن 400 منهم من أبناء محافظتي درعا والقنيطرة فقط.
وأضاف الزعبي أن 48 ممن سلّموا أنفسهم من أبناء المحافظتين، أو جرى اعتقالهم على حواجز النظام الأمنية، قضوا تحت التعذيب في سجون النظام، مشيراً إلى أن معظم الأشخاص الذين يطلق سراحهم، هم معتقلون جدد أو لأسباب جنائية، وليست سياسية أو من المنشقين عن قوات النظام. وحثّ الشبان على عدم تصديق مراسيم العفو، واعتبرها مجرد خدعة للإيقاع بالمطلوبين لدى النظام.
المصدر: العربي الجديد