هل تعدت صلاحيات الممثلة الأممية بعثة “يونامي” ولماذا تطالب السلطة بالتجديد السنوي لها؟ لم يتمكن أحد من الفاعلين السياسيين في العراق أو خارجه من الفوز بمقابلة المرجع الأعلى للشيعة في العراق السيد علي السيستاني بيسر أو مباشرة مثلما حظيت السيدة جنين بلاسخارت الممثلة الأممية في العراق وممثلة الأمين العام للامم المتحدة.
بلاسخارت وحوار السيستاني
وقد تكررت مقابلاتها في مقر إقامة السيستاني في النجف طيلة عملها في العراق، لكن لم يصدر عنها أو عن مكتب السيستاني سوى كلمات عامة لن يقتنع الجمهور بها، بخاصة في ظل هذه الظروف المعقدة التي تحيط بالبلاد.
ويوضح الباحث محمد علي الحكيم أن “الزيارة تفتح أبواب تساؤلات لا نهاية لها، آخذين في الاعتبار موضوع توزيع الأدوار بين البعثة الأممية والأميركيين، فكلما تحفظوا تقدمت البعثة، وكلما تقدم الأميركيون تراجعت البعثة، فهي من وجهة نظري تبادل أدوار يراعي طبيعة المرحلة وممارسة الضغوط وإيصال الرسائل”، لكن بلاسخارت تحتجب عن الظهور بشكلها الأوروبي، وهي تجوب النجف مراعية العرف الاجتماعي المحافظ، فتتلفع بعباءة سوداء، لمراعاة السائد هناك، وتكتفي بالقول بعيد خروجها من “براني” السيد السيستاني، وهو بيت الضيافة في المجتمع النجفي، “ناقشنا أهمية حكمة المرجع الأعلى ودعمه التعايش السلمي”.
كلمات هادئة على صفيح العراق الساخن واحتراق الناصرية في اليوم التالي للزيارة، وغليان الصدريين الذين يدفنون قتلاهم في مقبرة السلام بالنجف، وهم بالقرب منها، بعد توديع 48 شاباً متظاهراً دخلوا القصر الجمهوري ببغداد، وقتلوا عند انسحابهم، إضافة إلى مئات الأمهات الثكلى جراء مقتل متظاهرين لم يتسلم أهاليهم ديتهم وهم يطالبون بالقصاص من الميليشيات التي قتلتهم منذ عام 2019.
تبدو الكلمات عاجزة عن التعبير عما يجيش في قلوب العراقيين وهم يظنون أن الممثلة الأممية ستقول كلمات أبلغ من التي قالتها، أو تذوقها الحلاوة الدهنية النجفية الشهيرة في شوارع النجف.
التعايش السلمي
لفت نظر الناس قيام بلاسخارت وضيفها في زيارة شوارع مدينة النجف القديمة، معلنة عن امتنانها للمرجع السيستاني، مؤكدة التعايش السلمي لجميع المكونات في العراق، أن هناك قيمة كبيرة “في لقائنا مع المرجع السيستاني”.
لا شك أن بلاسخارت تحظى بتقدير الشارع العراقي في تقاريرها الأممية حين تدك معاقل الفساد وتشرح للأمم المتحدة مدى الحيف الذي يتعرض له العراقيون المحاطون بالميليشيات والمحبطون بحكومات سابقة فاسدة متواطئة مع المحاصصة التي تجلب شخصيات تعمل لأحزابها في الاستحواذ على المال العام، فهي تعرف أكثر من سواها من خلال الأميركيين حركة الدولار، وأين يذهب، ومن وراء نقله وتبيضه في العالم، ولديها تصور دقيق، أو هكذا يظن العراقيون من رجال ونساء العامة، عن مدى الألم والعذاب الذي يتعرض له المغيبون أو الحقوق المهدورة في السجون والمعتقلات في العراق. فالأمم المتحدة لها مجسات واسعة وبرنامج عريض في المجتمع العراقي من قبل الاحتلال، وبعده حتى الساعة، وتدرك مدى تراجع حقوق الإنسان في البلاد ومديات الفساد وهي تدس أنفها بكل مفاصل الحياة العراقية، كونها تملك سعة وعمقاً في الوصول للمجتمع مع آلاف المتطوعين الذين يريدونها بالمعلومات، تضمنها بلاسخارت في إحاطتها المتكررة للأمين العام، كونها الممثلة الأممية في العراق، والمتاح لها الدخول إلى كل الملفات والخلافات التي يعيشها الوسط السياسي المتصدي للحكم.
نصائح لا فروض
لكن الممثلة الأممية التي تدعو دوماً إلى الحوار والامتثال للدستور واحترام مبادئ الديمقراطية والسير قدماً بحكومة تعبر عن احتياجات الشعب، تدرك جيداً أن للمرجعية الدينية المتمثلة بالسيد علي السيستاني الدور في إبقاء ومباركة الحكومات التي هي من حصة الشيعة كغالبية اجتماعية، وتدرك أن بمقدور المرجعية مطالبة الحكومة بالتنحي كما حدث عام 2000 مع حكومة عادل عبدالمهدي ومباركة ضمنية لحكومة الكاظمي، وأحياناً لا تعطي رأيها، فيفهم أن سكوتها رضا. وكان للأمم المتحدة والمرجعية معاً دور وأد الفتنة التي أوشكت أن تؤدي إلى التدخل الدولي الذي لوحت به الأمم المتحدة، وتهيئ المجتمع الدولي لذلك، لولا الاسراع في الموافقات على حكومة أعلنت عن برنامج لمكافحة الفساد وشرعت فيه، وغيرت المناصب الحكومية بسرعة كبيرة بمعدل تغيير 900 منصب أغلبها عينتها حكومة الكاظمي التي كانت حكومة تصريف أعمال، ليس من حقها الدستوري أن تعين الدرجات الخاصة.
دور الأمم المتحدة
كانت بلاسخارت بيضة القبان التي تؤشر إلى الفشل المتراكم في العملية السياسية برمتها، على الرغم من تولي الأمم المتحدة مساعدة العراق في جوانب كثيرة مثل رفع العقوبات الاقتصادية عنه بعد صدور أكثر من 70 قراراً من مجلس الأمن الدولي إثر غزو الكويت واحتلالها عام 1990، والمعاونة في تشكيل مؤسسات جديدة لإدارة البلاد، والعمل على تيسير الخطوات للانتقال إلى نظام ديمقراطي. وكان تشكيل بعثة الأمم المتحدة (يونامي) وفق القرار الدولي 1483 الصادر عام 2003، تتويجاً للجهود الدولية لمعاونة العراق على تخطي حقبة ماضية، والانتقال السلمي نحو الديمقراطية الحتمية، عين على أثره ممثل خاص بالعراق، واجبه تقديم تقارير خاصة عن العراق إلى مجلس الأمن، عن أنشطته وتقييم للواقع السياسي والإنساني فيه. وكانت صلاحيات البعثة الأممية شاملة، لكنها ليست تنفيذية، بل لتقديم الاستشارة والدعم للدولة العراقية، والتنسيق معها، وكان مرجحاً أن يستمر عملها لمدة دورتين أو ثلاث، لكنها استمرت 18 سنة بطلب التجديد من العراق، لئلا يفقد الحليف الدولي الوحيد الذي يطالب بحقوقه ويعطي شرعية للحكم الذي يتقاطع كثير من مكوناته، لا سيما قوى اللادولة مع بعثة الأمم المتحدة وممثلتها الوزيرة الهولندية السابقة جنين بلاسخارت التي تهز تقاريرها عروش الحاكمين في المنطقة الخضراء التي يبدو أنها توسعت كثيراً من موظفة دولية تنقل حقائق ما يعيشه العراقيون وحياتهم إلى رقيب يقض مضاجع السلطة الحاكمة ويتعدى ذلك للتأثير في الرأي العام المحلي والدولي.
المصدر: اندبندنت عربية