تعطيل نصاب الثلثين من “حزب الله” وحلفائه قد يحمل “السياديين” على الخطوة نفسها لكن لجلسات محددة. سيبقى إنهاء الفراغ الرئاسي في لبنان معلقاً على احتمالات تسوية ما بين محور الممانعة الذي يقوده “حزب الله” المدعوم من إيران، والمحور السيادي التغييري المعارض المتحالف مع الدول الغربية والعربية، من دون أن تلوح في الأفق أي بوادر للتفاهم بين قوى الجانبين قد تتقاطع على مرشح معين ينهي الشغور، في حين يتعذر الاتفاق الكامل بين المعسكرين الأساسيين.
بات شبه محسوم، من خلال المؤشرات التي خلفتها الجلسات السبع التي عقدها البرلمان منذ 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، أنه لا اتفاق حتى داخل كل من المعسكرين على مرشح واحد، بدليل عدم قدرة مرشح القوى السيادية النائب ميشال معوض على تجاوز عتبة الـ45 صوتاً، فيما هو يحتاج إلى الـ65 في الدورة الثانية (في الجلسة الأخيرة حصل على 42 نتيجة غياب من يمكن أن يمنحوه أصواتهم).
فيما بات معروفاً أن “حزب الله” وحلفاءه يلجأون بطلب منه إلى الورقة البيضاء (50 صوتاً) نتيجة عجز “الحزب” عن إقناع حليفه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل بدعم مرشحه المفضل رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية.
أما باقي الأصوات فتذهب من جهة تحالف السياديين والتغييريين والمستقلين، إما إلى شعارات من نوع “لبنان الجديد” أو إلى الكاتب والمؤرخ عصام خليفة (ستة أصوات) الأقرب ترشيحه إلى الشعارات السياسية منه إلى الجدية.
بين التوافق والتعطيل
وفق مصادر سياسية متابعة، تجري محاولات بعيدة من الأضواء من أجل إحداث اختراق في الجمود، على الرغم من قناعة من يقومون بها أو يسربون أخباراً عنها، أنها تجري من باب رفع العتب وتقطيع الوقت أو من باب التمرين السياسي، جراء ضغوط وتشجيع عواصم الدول الكبرى الملحة على استعجال ملء الفراغ، لاقتناع معظم الوسط السياسي والمراجع الفاعلة أن “القصة طويلة”، والفراغ سيمتد أشهراً وليس أسابيع، كما كان يعتقد البعض.
كما أن المحاولات الجارية بحثاً عن مخرج تتم على أساس ضمان انضمام الفرقاء من كلا المعسكرين إليها، بحيث يتم ضمان نصاب الثلثين لأي جلسة انتخاب، للحيلولة دون قيام أي منهما بتعطيل هذا النصاب لمنع انتخاب المرشح الذي يشمله الاتفاق.
فما جرى في الجلسات السبع السابقة هو إجراء التصويت للدورة الأولى التي يستحيل على أي مرشح أن ينال أكثرية الثلثين فيها، ليقوم فريق 8 آذار بتطيير النصاب لتعطيل الجلسات إزاء أي احتمال لانضمام نواب مترددين إلى خيار ميشال معوض فينال أكثرية النصف زائداً واحداً في الدورة الثانية من الاقتراع.
فما يتفق عليه فرقاء 8 آذار حتى اللحظة هو تعطيل النصاب لا أكثر، لتعذر اتفاقهم على دعم فرنجية، وفي المقابل وإزاء احتمال توصل قوى 8 آذار على فرنجية، في سياق مراهنات على إقناع باسيل بتغيير موقفه السلبي حياله، وإمكان جذب “حزب الله” بعض المترددين من المعسكر الآخر لإنجاحه، أدى إلى مجاهرة فريق السياديين بإمكان لجوئهم إلى تعطيل النصاب من جهتهم، على الرغم من حملتهم المتواصلة ضد قوى 8 آذار بتعطيل انتخاب الرئيس عبر هذه الخطوة.
رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع وبعض نوابه أعلنوا صراحة أنهم قد يلجأون إلى تعطيل النصاب (بانسحاب 43 نائباً) في حال تبين لهم أن مرشح المعسكر الخصم قد يفوز في الدورة الثانية من الاقتراع، وفي هذه الحال تكون المرة الأولى التي يستخدم هذا الفريق سلاح تعطيل النصاب المطلوب لانتخاب رئيس الجمهورية.
الفراغ “أفضل” أم التعطيل لمهلة محددة؟
برر حزب “القوات” إمكان اللجوء إلى هذه الخطوة التي هي مأخذ على الخصم، بالقول إن “أسوأ ما يمكن القيام به هو الإتيان برئيس آخر من محور الممانعة إلى سدة الرئاسة، وتجربة الرئيس السابق ميشال عون خير دليل”.
ويرى نواب “القوات” أنه يمكن اللجوء إلى تعطيل النصاب في هذه الحال لجلستين أو أكثر من أجل إفهام الفريق الآخر بأنه غير قادر على إيصال مرشحه، وعندها يمكن البحث عن توافق على شخصية من غير صفوفه، أما إذا لم يقتنع “حزب الله” بذلك وتمسك بمرشحه فعندها “لا حول ولا قوة” فيتم حضور الجلسات من قبل السياديين وتأمين النصاب، وينتخب حلفاء الحزب ومن ينضم إليهم المرشح الذي يحصل على الأكثرية، حتى لا يتهم الفريق السيادي بأنه عطل الرئاسة لأشهر، مثل فريق 8 آذار.
وهناك من يعتقد من معسكر السياديين أن البقاء في حالة الفراغ الرئاسي في حال ضمن “حزب الله” أكثرية الـ65 نائباً لمصلحة مرشحه الحليف فرنجية، أفضل من تكرار تجربة الرئيس الحليف لـ”الحزب”، لأن لا المجتمع الدولي ولا الدول العربية المانحة ستساعد لبنان مالياً للخروج من مأزقه الاقتصادي في هذه الحال.
وهو أمر تبلغه المسؤولون اللبنانيون بوضوح، لا سيما من الدول العربية، التي تعاني استخدام إيران الساحة اللبنانية ضدها.
التساوي بالتعطيل
التساوي المفترض بالقدرة على تعطيل الجلسات، وفي العجز عن ضمان نصاب الثلثين، ليس وحده الدافع نحو تفتيش البعض عن التوافق على مرشح وعن تسوية على الرئاسة.
فالاتصالات التي يجريها بعض الوسطاء مع المراجع السياسية المحلية والفرقاء مع بعض العواصم، التي يراهن بعضهم على أن تتدخل وتنتج تسوية أثبتت أن هذه العواصم لم تنتقل إلى مستوى اقتراح اسم رئيس أو التفاهم على هويته.
بالتالي ليس هناك توقعات جدية من التحركات الدولية حول الرئاسة أو لإنتاج تسوية إقليمية حول لبنان، باستثناء الحض على ملء الفراغ، وتوجيه الانتقادات للقادة السياسيين، لأنهم لم يتفقوا على اسم الرئيس بعد، فالعواصم الكبرى لا تريد حرق أصابعها في لعبة اقتراح الأسماء.
إصلاحات أم تقاسم السلطة؟
انطباع بعض الأوساط عما يسعى إليه بعض الوسطاء المحليين مع بعض المراجع تفيد بأن اتصالات هؤلاء تجري تحت ثلاثة عنوانين مختلفة: الأول يقضي بالاتفاق على سلة خطوات تشكل خريطة طريق للعهد الرئاسي المقبل، على مدى ست سنوات تشمل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المعروفة، التي تسمح لصندوق النقد الدولي بإطلاق صرف مساعدات بقيمة ثلاثة مليارات دولار.
على أن تستكمل هذه الإصلاحات بمساعدات من الدول المانحة، لا سيما الخليجية الأقدر في الظروف الدولية الراهنة الناشئة عن الحرب في أوكرانيا على إنفاق الأموال كاستثمارات تخضع للرقابة المباشرة، في البلد الذي يعاني نقصاً في السيولة لتحريك الاقتصاد، بعد وضع خطة تحدد مسار استعادة المودعين أموالهم المنهوبة، التي جمدت الأزمة ما تبقى منها في المصارف.
وتشمل سلة التسوية هذه اتفاقاً مع الرئيس الجديد على اعتماد السلطة وسائر القوى السياسية، بما فيها “حزب الله”، سياسة النأي بالنفس عن حروب وصراعات المنطقة بحيث تطمئن الدول الخليجية إلى أن السلطة الجديدة لن تقف مع إيران ضدها، كما حصل إبان عهد الرئيس عون، إضافة إلى التعهد بالبحث في الاستراتيجية الدفاعية تحت عنوان وضع سلاح “حزب الله” بتصرف السلطة الشرعية، تطبيقاً لاتفاق الطائف بحل الميليشيات وحصره بالدولة وفقاً للقرارات الدولية.
السلة بتقاسم السلطة أم بحصرها في الرئيس؟
الثاني أن الباحثين عن التسوية يعتقدون أنه من الصعب أن تشمل العناوين السياسية المذكورة في العنوان الأول، نظراً إلى أنها ستفتح الباب على طرح بعض الفرقاء اقتراحات بالتعديلات الدستورية، التي يرمي بعضها إلى تغيير اتفاق الطائف.
ويرون أن تقتصر السلة على هوية الرئيس ومعه رئيس الحكومة المقبل وشكلها الحكومة، بحيث يتم تطمين الدول العربية والغربية المعنية إلى أن في الحكم اللبناني معادلة لا تساير “حزب الله” في تناغمه مع الخطط الإيرانية التي تعتبرها هذه الدول عدائية تجاهها.
ويقضي هذا العنوان بأن يكون رئيساً الجمهورية والحكومة من الشخصيات المستقلة غير الاستفزازية، على الرغم من غلبة “حزب الله” في النفوذ، وبين المقربين إلى “حزب الله” من يعتقد أن المخرج يكون بأن يأتي رئيس الحكومة من صفوف القوى السيادية، مقابل انتخاب رئيس مقرب من محور “الممانعة”.
إلا أن سلة كهذه متعذرة وفق مصدر رسمي، لأنها تفرض مسبقاً على البرلمان اسم وهوية رئيس الحكومة والتركيبة الحكومية، فيما يمكن أن تقترن في الشكل بمبادئ صارت موضوع شبه إجماع، وهي التزام استكمال تنفيذ اتفاق الطائف.
لذلك فإن الظروف الحرجة المحيطة بالفراغ الرئاسي تفرض العنوان الثالث لأي تسوية، أي بأن تقتصر على اتفاق بين المعسكرين المتناقضين على اسم الرئيس الجديد، فقط لا غير، من دون أن يقترن ذلك مع تفاهم على المرحلة المقبلة والخطوات المطلوبة، سواء على صعيد الإصلاحات التي يشترطها المجتمع الدولي لدعم اتفاق مع صندوق النقد الدولي للمساعدات.
وذلك لتجنب إقحام عملية إنهاء الفراغ بالمطالب الفئوية وتفادياً للدخول في جدل حول ما يطمح إليه هذا الفريق أو ذاك من مكاسب على طريقة ما يطلبه باسيل من الرئيس العتيد من التزامات الحصول على حصة الأسد في التعيينات بالمراكز العسكرية والإدارية والقضائية والدبلوماسية الأولى في الدولة أو على الأقل الحصول على نصفها لمصلحة “التيار الحر”.
تعدد مفاهيم الفرقاء لما يمكن أن تكون عليها سلة الاتفاق على إنهاء الفراغ الرئاسي يدل بذاته على غموض مساعي إنهاء هذا الفراغ، ويصنف المطلعون على تحركات بعض الوسطاء بين القوى الرئيسة المعنية، ما يقوم به هؤلاء على أنه لعب في الوقت الضائع إلى أن تنضج ظروف إقليمية تسمح بانتخاب الرئيس.
المصدر: اندبندنت عربية